547
شرح فروع الکافي ج5

باب مسجد غدير خمّ

في المنتهى:
هو موضعٌ شريف فيه نصب رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليّا عليه السلام إماما للأنام، وأظهر فيه شرفه وعظم منزلته عند اللّه وقربه منه، وأخذ له البيعة على المسلمين كافّة في حجّة الوداع . ۱
وفي مجمع البيان في تفسير قوله تعالى : «يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّه ُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ»۲ :
قد اشتهرت الروايات عن أبي جعفر وأبي عبداللّه عليهماالسلام: «أنّ اللّه أوحى إلى نبيّه عليه السلام أن يستخلف عليّا، فكان يخاف أن يشقّ ذلك على جماعة من أصحابه، فأنزل اللّه سبحانه هذه الآية تشجيعا له على القيام بما أمره بأدائه »،
والمعنى: إن تركت تبليغ ما اُنزل إليك وكتمته كنت كأنّك لم تبلِّغ شيئا من رسالات ربّك في استحقاق العقوبة .
وقال ابن عبّاس : معناه: إن كتمت آية ممّا اُنزل إليك فما بلّغت رسالته ، أي لم تكن ممتثلاً لجميع الأمر واللّه يعصمك من الناس، أي يمنعك من أن ينالوك بسوء . ۳ انتهى .
وقد تواتر أنّه كان ذلك في ذلك المسجد، وثبت أنّه صلى الله عليه و آله لمّا بلغ هذا المكان في المراجعة عن حجّة الوداع، ولم يكن يومئذٍ منزلاً للحجّاج، وقد تقدّم أكثر الحاجّ ماضين منه، فنزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية الشريفة ،فنزل رسول اللّه صلى الله عليه و آله وأمر بنزول الحاج، وردّ من مضى منهم، فنادى باجتماع الناس عنده صلى الله عليه و آله فقام على رحال البعير خطيبا رافعا عليّا عليه السلام بحيث يرى بياض إبطيه صلى الله عليه و آله فقال : «ألستُ أولى بكم من أنفسكم؟» قالوا : اللّهمَّ نعم ، فقال : «مَن كنتُ مولاه فهذا عليٌّ مولاه، اللّهمَّ والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله ، [ ثمّ أمر الناس أن يبايعوه، فيبايعوه وهنّئوه] ۴ حتّى قال عمر بن الخطّاب: بخٍ بخٍ لك يا عليّ! أصبحت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة، ولم يوجد خبر في السنّة أصحّ وأكثر سنداً، حيث حضر من حضر معه صلى الله عليه و آله في حجّة الوداع، وكانوا زهاء سبعين ألفا ، ۵ وما أظنّ أن ينكره أحد . ۶
نعم ، ما ذكره البخاريّ في صحيحه، وحكي عن ابن أبي داوود السجستانيّ أنّه دفعه، ومثله عن الخوارج، ومنهم الجاحظ في كتاب العثمانيّة .
وقال السيّد المرتضى في كتاب الشافي بعدما ذكر إجماع الاُمّة على نقله وصحّته :
ولا معتبر في باب الإجماع بشذوذ كلّ شاذّ عنه ، بل الواجب أن يعلم أنّ الذي خرج عنه ممّن يعتبر قوله في الإجماع، ثمّ يعلم أنّ الإجماع لم يتقدّم خلافه، فإنّ ابن أبي داوود والجاحظ لو صرّحا بالخلاف لسقط خلافهما بما ذكرناه من الإجماع، خصوصا بالذي لا شبهة فيه من تقدّم الإجماع وفقد الخلاف، وقد سبقهما، ثمّ تأخّر عنهما.
على أنّه قد قيل: إنّ ابن أبي داوود لم ينكر الخبر، وإنّما أنكر كون المسجد الذي بغدير خمّ متقدّما .
وأمّا الجاحظ فلم يتجاسر أيضا على التصريح بدفع الخبر، وإنّما طعن على بعض رواته، وادّعى اختلاف ما نقل من لفظه ، فأمّا الخوارج فما يقدر أحد أن يحكي عنهم دفعا لهذا الخبر وامتناعا من قبوله، وهذه كتبهم ومقالاتهم موجودة معروفة، وهي خالية ممّا ادّعى ، والظاهر من أمرهم حملهم الخبر على التفصيل ، وما جرى مجراه من صنوف تأويل مخالفي الشيعة، وإنّما آنس بعض الجهلة بهذه الدعوى على الخوارج ما ظهر عنهم فيما بعد من القول الخبيث في أمير المؤمنين عليه السلام ، وظنّ أنّ خلافهم له ورجوعهم عن ولايته يقتضي أن يكونوا جحدوا فضائله ومناقبه، وقد اُبعد هذا المدّعى غاية البُعد؛ لأنّ انحراف الخوارج إنّما كان بعد التحكيم للسبب المعروف، وإلّا فاعتقادهم لأمير المؤمنين عليه السلام وفضله وتقدّمه قد كان ظاهراً ، وهم على كلّ حال بعض أنصاره وأعوانه، ومَن جاهد معه الأعداء وكانوا في عِداد الأولياء إلى أن كان من أمرهم ما كان . ۷
قوله في خبر حسّان الجمّال: (فقال : ذاك موضع فسطاط أبي فلان وفلان وسالم مولى أبي حذيفة وأبي عبيدة بن الجرّاح ) .] ح 2 / 8148] قال طاب ثراه :
فسطاط وفستاط وفسّاط بشدّ السين وضمّ الفاء وكسرها في الجميع . ۸
وقال القرطبي: سالم هو سالم بن معقل مولى أبي حذيفة، يكنّى أبا عبداللّه من أهل فارس من اصطخر، وهو معدود من المهاجرين، لأنّه لمّا أعتقته مولاته زوجة أبي حذيفة تولّى أبا حذيفة فتبنّاه، وهو كان من المهاجرين، وربّما يعدّونه في الأنصار؛ لأنّ مولاته كانت أنصاريّة . ۹
وقال الآبي : أبو عبيدة اسمه عامر بن عبداللّه بن الجرّاح بن هلال بن اُميّة بن ضبّة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، وفي فهر يجتمع مع رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ومنه تقرّشت قريش على الصحيح، لا عن النضر بن كنانة، ۱۰ وهو كان أمير الشام على عهد عمر وتوفّى فيها في أيّام خلافته . ۱۱
ثمّ قال طاب ثراه :
والخبر يدلّ على أنّ للعين أثرا و أنّ العيّانون أرادوا أن يعينوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله . وفي روايات العامّة: أنّ العين ليدخل الرجل القبر والجمل القِدر. ۱۲ وفيها أيضا: أنّ العين حقّ، ۱۳ ومعناه أنّ إصابة العين أمرٌ متحقّق لا شكّ فيه .
ونقل مثله عن أبي عبداللّه عليه السلام . ۱۴
وقال محيي الدِّين البغويّ :
هذا مذهب الجمهور ، وأنكره طائفة من المبتدعة . ويردّ عليهم: أنّ ما ليس بمحال في نفسه ولا يؤدّي إلى مخالفة دليل وهو جائز ، وإذا أخبر الشارع بوقوعه وجب اعتقاده، ولا فرق بين التكذيب به والتكذيب بشيء من أحوال الآخرة ، وزعم جماعة من مثبتيه أنّ العاين ينبعث من عينه قوّة سمّيّة يتّصل بالمعيون فيهلك أو يفسد ، قالوا: ولا يستنكر هذا، كما لا يستنكر انبعاث ذلك من الأفعى والعقرب فيهلك اللذيع . ۱۵

1.منتهى المطلب، ج ۲، ص ۸۸۹ .

2.المائدة (۵) : ۶۷ .

3.مجمع البيان، ج ۱، ص ۳۸۳.

4.المثبت هو الظاهر المستفاد من المصادر، وفي الأصل مكانه: «ويحبونه الناس من نحَد».

5.كذا هنا، وقد عدّه بعض الجماعة الحاضرة في قصّة الغدير أكثر من مئة ألف. اُنظر: عيون التواريخ، ص ۳۹۴.

6.الأمر كما قال: فإنّ الحديث متواتر بل فوق حدّ التواتر، فمن أراد تحقيق ذلك فليراجع موسوعات الغدير و عبقات الأنوار و موسوعة الإمامة في نصوص أهل السنّة. وانظر ما أوردناه في ترتيب الأمالي، ج ۴، ص ۱۳۳ ۱۶۰، ح ۱۶۹۳ ۱۷۱۶.

7.الشافي، ج ۲، ص ۲۶۴ ۲۶۵.

8.صحاح اللغة، ج ۳، ص ۱۱۵۰ (فسط).

9.الاستيعاب، ج ۲، ص ۵۶۷ ، الرقم ۸۸۱ .

10.اُنظر: شرح اصول الكافي للمولى صالح المازندراني، ج ۷، ص ۷۹.

11.اُنظر: الاستيعاب، ج ۴، ص ۱۷۱۰، الرقم ۳۰۷۸.

12.كنز العمّال، ج ۶ ، ص ۷۴۴، ح ۱۷۶۶۰، وكان في الأصل: «والقدر» فصوّبناه حسب المصدر.

13.مسند أحمد، ج ۱، ص ۲۷۴ و ۲۹۴؛ وج ۲، ص ۳۱۹ و ۴۳۹؛ صحيح البخاري، ج ۷، ص ۲۳ ۲۴ و ۶۴؛ صحيح مسلم، ج ۷، ص ۱۳ و ۱۴؛ سنن ابن ماجة، ج ۲، ص ۱۱۵۹، ح ۳۵۰۶ ۳۵۰۸؛ سنن أبي داود، ج ۲، ص ۲۲۴، ح ۳۸۷۹؛ المستدرك للحاكم، ج ۳، ص ۴۱۲؛ وج ۴، ص ۲۱۵ ۲۱۶؛ السنن الكبرى للبيهقي، ج ۹، ص ۳۵۱.

14.مكارم الأخلاق، ص ۳۸۶.

15.شرح صحيح مسلم، ج ۱۴، ص ۱۷۱.


شرح فروع الکافي ج5
546

باب معرّس النبيّ صلى الله عليه و آله

قال ابن الأثير :
التعريس: نزول المسافر آخر الليل ، ويقال: منه عرّس يعرّس تعريسا ، ويقال فيه : أعرس ، والمُعرَّس موضع التعريس ، وبه سمّي معرّس ذي الحليفة، عرّس النبيّ صلى الله عليه و آله فيه الصبح، ثمّ رحل . ۱
وفي المدارك :
المعرّس بضمّ الميم وفتح العين وتشديد الراء المفتوحة، ويقال بفتح الميم وسكون العين وتخفيف الراء: مسجد بقرب مسجد الشجرة، بإزائه ممّا يلي القبلة ، وقد أجمع الأصحاب على استحباب النزول والصلاة فيه في العود من مكّة إلى المدينة تأسّيا به صلى الله عليه و آله . ۲
وأصل التعريس وإن كان النزول في آخر الليل على ما عرفت، لكن يستحبّ نزول الحاجّ في المعرّس حين الوصول إليه ولو في النهار، لخبر ابن فضّال ۳ وصحيحة العيص بن القاسم، عن أبي عبداللّه عليه السلام أنّه سأله عن الغسل في المعرّس ، فقال : «ليس عليك غسل ، والتعريس هو أن يصلّي فيه، ويضطجع فيه، ليلاً مرّ به أو نهاراً». ۴
ويستحبّ العود له إذا مضى منه جاهلاً أو ناسيا على المشهور ، ويدلّ عليه مرسلة عليّ بن أسباط، ۵ والخبر الذي بعده ، ۶ بل اذا تركه عمدا أيضا؛ لإطلاق الخبرين، و إنّما يستحبّ ذلك في المراجعة من مكّة ولا يستحبّ في الذهاب إليها؛ لعدم دليل عليه بل في بعض الأخبار تصريح بعدمه ؛ ففي خبر معاوية بن عمّار: إنّما المعرّس إذا رجعت إلى المدينة ليس إذا بدأت ». ۷

1.النهاية، ج ۳، ص ۲۰۶ (عرس).

2.مدارك الأحكام، ج ۸ ، ص ۲۷۳.

3.الحديث الرابع من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۳۷۳، ح ۱۹۴۱۶.

4.الفقيه، ج ۲، ص ۵۶۰ ، ح ۳۱۴۷؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۳۷۰، ح ۱۹۴۱۰.

5.الحديث الثاني من هذا الباب من الكافي؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۳۷۲، ح ۱۹۴۱۴.

6.الحديث الثالث من هذا الباب. ورواه الصدوق في الفقيه، ج ۲، ص ۵۶۰ ، ح ۳۱۴۶؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۳۷۲ ۳۷۳، ح ۱۹۴۱۵.

7.تهذيب الأحكام، ج ۶ ، ص ۱۶، ح ۳۶؛ وسائل الشيعة، ج ۱۴، ص ۳۷۱، ح ۱۹۴۱۱.

  • نام منبع :
    شرح فروع الکافي ج5
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقيق : المحمودی، محمد جواد ؛ الدرایتی محمد حسین
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 189653
صفحه از 856
پرینت  ارسال به