75
شرح فروع الکافي ج5

باب المحرم يلقي الدواب عن نفسه

فيه مسألتان :

الاُولى : قد اشتهر بين الأصحاب تحريم قتل القمّل وإلقائه عن الثوب والبدن على المحرم ، وأنّ كفّارتهما كفّ من طعام ، وجواز تحويله مع الإيذاء من موضع من الجسد إلى موضع آخر ، أحرز منه أو مساوٍ له .
ويدلّ على ما سبق من حكاية كعب بن عجرة وتناثر القمل على وجهه ، فإنّه لو كان قتله أو إلقاؤه مباحا لما تركه كعب حتّى تبلغ حاله هذه الغاية .
وما رواه المصنّف على تحريم قتله زائدا على ذلك ما رواه الصدوق رضى الله عنهعن أبي الجارود ، قال : سأل رجل أبا جعفر عليه السلام عن رجل قتل قملة وهو محرم؟ قال : «بئس ما صنع» ، قال : فما فداؤها؟ قال : «لا فداء لها» . ۱
وما رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : ما تقول في محرم قتل قملة؟ قال : «لا شيء في القملة ، ولا ينبغي أن يتعمّد قتلها» . ۲
وعلى تحريم إلقائه زائدا عليه ما سنرويه عن أبي بصير ، وصحيحة الحلبيّ ، قال : حككتُ رأسي وأنا محرم ، فوقع منه قملات ، فأردت ردّهن ، فنهاني وقال : «تصدّق بكفّ من طعام» . ۳
وخبر محمّد بن مسلم ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : سألته عن المحرم ينزع القملة عن جسده فيلقيها ، قال : «يطعم مكانها طعاما» . ۴
وخبر حمّاد بن عيسى ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن المحرم يبين القملة عن جسده فيلقيها ، قال : «يطعم مكانها طعاما» . ۵
وخبر الحسين بن أبي العلاء ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «المحرم لا ينزع القملة من جسده ولا من ثوبه متعمّدا ، وإن قتل شيئا من ذلك خطأً فليطعم مكانها طعاما قبضة بيده» . ۶
وما سيأتي . و على جواز تحويله كذلك صحيحة معاوية بن عمّار ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «المحرم يلقي الدواب كلّها إلّا القملة ، فإنّها من جسده ، وإذا أراد أن يحوّل قملة من مكان إلى مكان فلا يضرّه» . ۷
وهذه وإن كانت مطلقة في المحلّ المحوّل إليه ، لكنّ الأصحاب قيّدوه بالأحرز أو المساوي ، وأرادوا بمقابلهما ما يكون معرضا للسقوط ، فإنّه يؤول إلى الإلقاء المحرّم .
وأمّا الفدية لقتله فلم أجد خبرا صريحا فيها ، بل يدلّ خبر أبي الجارود وصحيح معاوية بن عمّار المتقدّمين على عدم وجوبها ، بل يظهر من الصحيح المشار إليه كراهة قتله أيضا . وخبر أبي الجارود قابل للحمل عليه .
وأمّا حكاية كعب بن عجرة فقد مضت أنّ الفدية فيها لأذى الحلق .
وصرّح بذلك الشيخ في المبسوط فقال : «ويجوز له قتل الزنابير والبراغيث والقمل ، إلّا أنه إذا قتل القمل على بدنه لا شيء عليه ، وإن أزاله عن جسمه فعليه الفداء ، والأولى أن لا يعرض له ما لم يؤذه» . ۸ ثمّ قال بفصل : «ومَن نحّى عن جسمه قملة فرمى بها أو قتلها كان عليه كفّ من طعام» . ۹
والظاهر أنّ قوله : «أو قتلها» معطوف على رمى بها لا على نحّى ، كما لا يخفى .
وقال ابن حمزة على ما حكي عنه بجواز قتل القملة على بدنه ۱۰ ، وهو المفهوم من كلام المفيد والسيّد المرتضى ؛ ففي المقنعة : «ومن نزع من جلده قملة فقتلها أو رمى بها فليطعم مكانها كفّا من طعامٍ» . ۱۱
وقال السيّد على ما نقل عنه : «من نزع عن جسده قملة فقتلها أو رمى بها فليطعم مكانها كفّا من طعام» . ۱۲
بل يظهر من بعض الأخبار عدم وجوب فدية لإلقائها أيضا ، فلا يبعد حمل الأخبار الأوّلة على الاستحباب . رواه الشيخ في الصحيح عن معاوية بن عمّار ، قال : قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : المحرم يحكّ رأسه فتسقط عنه القملة والثنتان ، قال : «لا شيء عليه ولا يعود» . قلت : كيف يحكّ رأسه؟ قال : «بأظافيره ما لم يدم ولا يقطع الشعر» . ۱۳ بل لا يبعد القول بكراهة الإلقاء أيضا ؛ للجمع بين ما ذكر وبين ما رواه مُرّة مولى خالد ، قال : سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن المحرم يلقي القملة ، فقال : «إلقوها أبعدها اللّه غير محمودة ولا مغفورة ولا مفقودة» . ۱۴
وهو أحد وجوه الجمع للشيخ قدس سرهحيث قال :
ليس في هذه الروايات مخالفة لما قدّمناه ؛ لأنّها وردت مورد الرخصة ، ويجوز أن يكون المراد بها ، من يتأذّى بها فإنّه متى كان الأمر كذلك جاز له ذلك ، إلّا أنّه يلزمه الكفّارة حسب ما قدّمناه ، وقوله عليه السلام : «لا شيء» عليه يريد به لا شيء من العقاب ، أو لا شيء عليه معيّن ، كما يجب عليه فيما عدا ذلك من قتل الأشياء . ۱۵
فتدبّر .
الثانية : الهوام : والمشهور بين الأصحاب تحريم قتلها على الجسد ، وجواز إلقائها عنه ، سواء كانت من دواب جسد الإنسان كالبرغوث أو من غيرها كالقَراد والحلمة ونظائرهما .
أمّا تحريم قتلها فيدلّ عليه ما رواه الصدوق رضى الله عنه في الموثّق عن أبان ، عن زرارة ، قال : سألته عن المحرم هل يحكّ رأسه أو يغسل بالماء؟ فقال : «يحكّ رأسه ما لم يتعمّد قتل دابّة ، ولا بأس بأن يغتسل بالماء ويصبّ على رأسه ما لم يكن ملبّدا ۱۶ ، فإن كان ملبّدا فلا يفيض على رأسه الماء إلّا من احتلام» . ۱۷
واحتجّ عليه في المنتهى بما رواه معاوية بن عمّار ، عن الصادق عليه السلام قال : «واتّقوا ۱۸ قتل الدوابّ كلّها» ، ۱۹ فإنّ الرواية هي الصحيحة التي رويناها فيما سبق . ۲۰
والظاهر من الدوابّ فيها دوابّ الأرض ، وأمّا جواز إلقائها فللأصل من غير معارض ، بل صحيحة عبداللّه بن سنان ۲۱ صريحة في جوازه في القراد ۲۲ والحلمة . ۲۳ ويستفاد من التعليل الذي فيها جوازه في غيرهما ممّا عدا دوابّ جسد الإنسان .
وجوّز الشيخ في المبسوط ۲۴ قتل البرغوث ، وقد حكينا كلامه ، ورجّحه الشهيد في اللمة. ۲۵
ويدلّ عليه وعلى جواز قتل البقّة أيضا رواية زرارة عن أحدهما عليهماالسلام ، ويرويها المصنّف في الباب الآتي . ۲۶
بقي هناك مسألة ؛ قال الشيخ قدس سره في التهذيب : «ولا بأس أن يلقى المحرم القراد عن بعيره ، وليس له أن يلقي الحَلمة» . واحتجّ عليه بما رواه عن معاوية بن عمّار ، قال : قال : «وإن ألقى المحرم القراد عن بعيره فلا بأس ، ولا يلقى الحلمة» . ۲۷
وعن عمر بن يزيد ، قال : «لا بأس أن تنزع القراد عن بعيرك ، ولا ترم الحلمة» . ۲۸
ويدلّ عليه أيضا ما يرويه المصنّف في الباب الآتي من حسنة حريز وخبر أبي بصير ۲۹ ، وما رواه الصدوق رضى الله عنه في الصحيح عن حريز ، عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «إنّ القراد ليس من البعير ، والحلمة من البعير» . ۳۰
وعن عليّ بن أبي حمزة ، عن أبي بصير ، قال : سألته عن المحرم ينزع الحلمة عن البعير ، قال : «لا ، هي بمنزلة القملة من جسدك» . ۳۱
ثمّ الظاهر من التعليل المذكور في هذه الأخبار عدم جواز إلقاء القراد عن الغنم ، ولم أرَ من الأصحاب تصريحا به لا نفيا ولا إثباتا .

1.الفقيه ، ج ۲ ، ص ۳۶۰ ، ح ۲۷۰۳ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۳ ، ص ۱۷۰ ، ح ۱۷۵۰۶ .

2.تهذيب الأحكام ، ج ۵ ، ص ۳۳۷ ، ح ۱۱۶۶ ؛ الاستبصار ، ج ۲ ، ص ۱۹۷ ، ح ۶۶۴ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۳ ، ص ۱۶۹ ، ح ۱۷۵۰۴ .

3.تهذيب الأحكام ، ج ۵ ، ص ۳۳۷ ، ح ۱۱۶۳ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۳ ، ص ۱۶۹ ، ح ۱۷۵۰۲ .

4.تهذيب الأحكام ، ج ۵ ، ص ۳۳۶ ، ح ۱۱۵۹ ؛ الاستبصار ، ج ۲ ، ص ۱۹۶ ، ح ۶۶۰ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۳ ، ص ۱۶۸ ، ح ۱۷۴۹۹ .

5.تهذيب الأحكام ، ج ۵ ، ص ۳۳۶ ، ح ۱۱۵۸ ؛ الاستبصار ، ج ۲ ، ص ۱۹۶ ، ح ۶۵۹ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۳ ، ص ۱۶۸ ، ح ۱۷۵۰۰ .

6.تهذيب الأحكام ، ج ۵ ، ص ۳۳۶ ، ح ۱۱۶۰ ؛ الاستبصار ، ج ۲ ، ص ۱۹۶ ۱۹۷ ، ح ۶۶۱ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۳ ، ص ۱۶۸ ۱۶۹ ، ح ۱۷۵۰۱ .

7.تهذيب الأحكام ، ج ۵ ، ص ۳۳۶ ۳۳۷ ، ح ۱۱۶۱ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۲ ، ص ۵۴۰ ، ح ۱۷۰۲۲ .

8.المبسوط ، ج ۱ ، ص ۳۳۹ .

9.نفس المصدر ، ص ۳۵۰ .

10.الوسيلة ، ص ۱۶۳ ، في بيان موجبات الكفّارة .

11.المقنعة ، ص ۴۳۵ .

12.جمل العلم و العمل (رسائل المرتضى ، ج ۳ ، ص ۷۱) .

13.تهذيب الأحكام ، ج ۵ ، ص ۳۳۷ ، ح ۱۱۶۵ ؛ الاستبصار ، ج ۲ ، ص ۱۹۷ ، ح ۶۶۳ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۳ ، ص ۱۶۹ ، ح ۱۷۵۰۳ .

14.تهذيب الأحكام ، ج ۵ ، ص ۳۳۷ ، ح ۱۱۶۴ ؛ الاستبصار ، ج ۲ ، ص ۱۹۷ ، ح ۶۶۲ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۲ ، ص ۵۴۰ ، ح ۱۷۰۲۳ .

15.تهذيب الأحكام ، ج ۵ ، ص ۳۳۸ ، ذيل الحديث ۱۱۶۶ .

16.التلبيد : أن يجعل المحرم في رأسه شيئا من صمغ ليتلبّد شعره بقيا عليه لئلّا يشعث في الإحرام . صحاح اللغة ، ج ۲ ، ص ۵۳۴ (لبد) .

17.الفقيه ، ج ۲ ، ص ۳۶۰ ، ح ۲۷۰۵ . و رواه الكليني في باب أدب المحرم من الكافي ، ح ۷ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۲ ، ص ۵۳۴ ، ح ۱۷۰۰۷ .

18.كذا بالأصل ، و في المصدر : «اتّق» .

19.الكافي ، باب ما يجوز للمحرم قتله و ما يجب عليه فيه الكفّارة ، ح ۲ .

20.المذكور في المنتهى المطلب رواية الكافي التى ورد في ذيلها: «الّا الأفعي و العقرب . . .» و هذه الرواية ستأتي في الباب التالي . و أمّا ما تقدم فرواية اُخرى ذيلها يرتبط بالدهن و الطيب للمحرم .

21.هي الحديث الرابع من هذا الباب الكافي.

22.القراد، كغراب : هو ما يتعلّق بالبعير و نحوه ، و هو كالقمّل للإنسان . مجمع البحرين ، ج ۳ ، ص ۴۸۳ (ترد) .

23.الحلمة: القراد العظيم. و الحلمة أيضا دودة تقع في جلد الشاة الأعلى و جلدها الأسفل. صحاح اللغة، ج ۵، ص ۱۹۰۳ (حلم).

24.المبسوط ، ج ۱ ، ص ۳۳۹ .

25.لم يتعرّض الشهيد للبرغوث ، نعم ذكره الشهيد الثاني في شرح اللمعة ، ج ۲ ، ص ۲۴۶ و رجّحه .

26.هي الحديث السادس من ذلك الباب .

27.تهذيب الأحكام ، ج ۵ ، ص ۳۳۸ ، ح ۱۱۶۷ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۲ ، ص ۵۴۲ ، ح ۱۷۰۲۸ .

28.تهذيب الأحكام ، ج ۵ ، ص ۳۳۸ ، ح ۱۱۶۸ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۲ ، ص ۵۴۳ ، ح ۱۷۰۳۱ .

29.هما ح ۸ و ۹ من ذلك الباب .

30.الفقيه ، ج ۲ ، ص ۳۶۴ ، ح ۲۷۲۰ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۲ ، ص ۵۴۳ ، ح ۱۷۰۲۹ .

31.الفقيه ، ج ۲ ، ص ۳۶۴ ، ح ۲۷۲۱ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۲ ، ص ۵۴۳ ، ح ۱۷۰۳۰ .


شرح فروع الکافي ج5
74
  • نام منبع :
    شرح فروع الکافي ج5
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقيق : المحمودی، محمد جواد ؛ الدرایتی محمد حسین
    تعداد جلد :
    5
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 184207
صفحه از 856
پرینت  ارسال به