309
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

يُوَحِّدُه مَن زَعَمَ أنّه عَرَفَه بغيره ، وإنّما عَرَفَ اللّهَ مَن عَرَفَه بِاللّهِ». ۱
فتأمّل في وجه إيثار قوله عليه السلام : «من عرفه باللّه » على قوله : «من عرفه به» .
ومن هذا الباب ما روى الصدوق في التوحيد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه سُئل : بِمَ عرفت ربّك؟ فقال : «بما عرّفني نفسه». قيل : وكيف عرّفك نفسه؟ فقال : «لا يُشبه ۲ صورةً، ولا يُحَسّ بالحواسّ ، ولا يُقاس بالناس ، قريبٌ في بُعده ، بعيدٌ في قربه ، فوق كلّ شيء ، ولا يقال : شيءٌ فوقه ، أمامَ كلّ شيء ، ولا يُقال : له أمام ، داخل في الأشياء لا كشيء داخل في شيء ، وخارج عن الأشياء لا كشيء خارج عن شيء ، سبحان من هو هكذا ولا هكذا غيره ، ولكلّ شيء مبتدأ» . ۳
ومن الثاني قوله عليه السلام : «عرفت اللّه بفسخ العزائم» . ۴
وبناء الكليني ـ طاب ثراه ـ على الأوّل . وإن اُريد بالجلالة الثانية الذات الأقدس، فلابدّ لتغيير الاُسلوب من نكتة ، فأقول :
إنّ معرفته تعالى على وجهين :
أحدهما : معرفة كونه وثبوته ، بمعنى أن يصدّق العبد أنّ له خالقا عليما قادرا ، وهي فطريّة، بمعنى أنّه تعالى كفى العبادَ مؤونةَ تحصيلها بأن أراهم آياتِه في الآفاق وفي أنفسهم حتّى تبيّن لهم أنّه الحقّ ؛ وإليه الإشارة بقوله عزَّ من قائل : «أَفِى اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ»۵ ، فكأنّه سبحانه يقول : أيسع أحدا أن يدّعي الشكَّ في الخالق الحكيم القادر العليم بعد ما يرى مثل هذه الآثار البديعة العجيبة الشاهدة على أنفسها بالمخلوقيّة ؟ كلّا بل لئن سألتهم مَن خَلَقَ السماواتِ والأرضَ ليقولُنَّ اللّهُ ۶ ، أي الذات المستجمعة للصفات الكماليّة المتفرّدة باستحقاق المعبوديّة .
وفي كتاب المحاسن عن الإمام زين العابدين عليه السلام : «العجب كلُّ العجب لمن شكّ في

1.الكافي ، ج ۱ ، ص ۱۱۳ ، باب حدوث الأسماء ، ح ۴ .

2.في المصدر : «لاتشبهه» .

3.التوحيد ، ص ۲۸۵ ، ح ۲ .

4.نهج البلاغة ، ص ۵۱۱ ، الحكمة ۲۵۰ ؛ غرر الحكم ، ص ۸۱ ، ح ۱۲۷۳ .

5.إبراهيم (۱۴) : ۱۰ .

6.إشارة إلى الآية ۲۵ من سورة لقمان (۳۱) .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
308

(أنّهم مَصْنوعونَ) أي في أنّهم مصنوعون ، أو إلى الإقرار بأنّهم مصنوعون .
وإذ وقع في هذا الحديث تصحيفات عديدة فلا يستبعد أن يكون الأصل هكذا : «والاضطرار منهم إلى أنّهم مصنوعون» بإسقاط ضمير «إليه».
وقد ورد مثل هذا من الصادق عليه السلام حيث قال في حديث نقله الطبرسي في موضعٍ آخر من كتاب الاحتجاج : «واضطرار النفس إلى الإقرار بأنّ له صانعا مدبّرا» . ۱

[باب أنّه لايُعرفُ إلّا به]

قوله : (معنى قولِهِ : اعْرِفوا اللّهَ بِاللّهِ) .[ح ۱ / ۲۲۹]
هذه عبارة المصنّف ـ طاب ثراه ـ نقله الصدوق قدس سره في كتاب التوحيد عن عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق رضى الله عنه، قال : سمعت محمّد بن يعقوب يقول : «معنى قوله : اعرفوا اللّه باللّه يعني أنّ اللّه خلق الأشخاص والأنوار» إلى آخره ۲ ، فلا يتوهّم أنّه تفسير الصادق عليه السلام لقول أمير المؤمنين عليه السلام .
ثمّ إنّه عليه السلام قال في الفقرة الاُولى : «باللّه »، وفي الثانية والثالثة : «بالرسالة والأمر بالمعروف والعدل والإحسان»، لا بالرسول واُولي الأمر ؛ فإمّا أن يُراد بالجلالة الثانية المعنى الوصفي حتّى يكون الكلام على سننٍ واحدٍ ، فالمعنى : اعرفوا الذات الأقدس بأنّه اللّه ، أي معبود بالحقّ ، مستجمع لجميع الصفات الكماليّة ، متقدّس عن شوائب النقص ، على أنّ الباء هي التي تدخل في الصفة، كقولك : عرفت زيدا بالسخاء والمروّة ، لا التي تدخل في الدليل ، كقولك للفقيه : بِمَ تعرف عدالة الرجل ، وقوله لك : بصدق الحديث وأداء الأمانة . والأوّل وإن كان فيه تكلّف ما ، إلّا أنّه يتأيّد بما سيجيء في باب حدوث الأسماء من قوله عليه السلام : «من زَعَمَ أنّه يَعرِفُ اللّهَ بحجابٍ أو بصورةٍ أو بمثالٍ فهو مُشرِكٌ ؛ لأنّ حجابَه ومثالَه وصورتَه غيرُه ، [وإنما هو واحدٌ متوحِّدٌ ]وكيف ۳

1.الاحتجاج ، ج ۲ ، ص ۳۳۸ . وفيه: «لها» بدل «له» .

2.التوحيد ، ص ۲۸۸ ، ح ۵ .

3.في الكافي المطبوع : «فكيف» .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 103388
صفحه از 637
پرینت  ارسال به