351
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

والراسخون في العلم ، والسكوت عن تفسيره والإقرارُ بالعجز عن فهمه أصوب وأولى ، وأحوط وأحرى ، ونحن نذكر وجها تبعا لمن تكلّم فيها على سبيل الاحتمال ، فنقول :
«أسما» في بعض النسخ بصيغة الجمع ، وفي بعضها بصيغة المفرد ؛ والأخير أظهر، والأوّل لعلّه مبنيّ على أنّه مجزّأ بأربعة أجزاءٍ، كلٌّ منها اسم ، فلذا اُطلق عليه صيغة الجمع .
وقوله : «بالحروف غير منعوت». وفي بعض النسخ كما في الكافي : «غير متصوّت» وكذا ما بعده من الفقرات يحتمل كونها حالاً عن فاعل «خلق» وعن قوله «اسما» .
ويدلّ على الأوّل ما في أكثر نسخ التوحيد : «خلق اسما بالحروف ، وهو عزّوجلّ بالحروف غير منعوت» . فيكون المقصود بيانَ المغايرة بين الاسم والمسمّى بعدم جريان صفات الاسم بحسب ظهوراته النطقيّة والكتابيّة فيه تعالى .
وأمّا على الثاني ، فلعلّه إشارة إلى حصوله في علمه تعالى ، فيكون الخلق بمعنى التقدير والعلم ، وهذا الاسم عند حصوله في العلم الأقدس لم يكن ذا صوتٍ ولا ذا صورة ، ولا ذا شكل ولا ذا صبغ ، ويُحتمل أن يكون إشارةً إلى أنّ أوّل خلقه كان بالإضافة إلى روح النبيّ صلى الله عليه و آله وأرواح الأئمّة عليهم السلام بغير نطقٍ وصبغ ولون وخطّ بقلم .
ولنرجع إلى تفصيل كلّ من الفقرات وتوضيحها ؛ فعلى الأوّل قوله : «غير متصوّت» إمّا على البناء للفاعل ، أي لم يكن خلقها بإيجاد حرف وصوت ؛ أو على البناء للمفعول ، أي هو تعالى ليس من قبيل الأصوات والحروف حتّى يصلح كون الاسم عينه تعالى .
وقوله عليه السلام : «وباللفظ غير مُنْطَقٍ» بفتح الطاء ، أي ناطق ؛ أو أنّه غير منطوق باللفظ كالحروف ليكون من جنسها ؛ أو بالكسر ، أي لم يجعل الحروف ناطقةً على الإسناد المجازي ، كقوله تعالى : «هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ»۱ .
وهذا التوجيه يجري في الثاني من احتمالَيِ الفتح ، وتطبيق تلك الفقرات على الاحتمال الثاني ـ وهو كونها حالاً عن الاسم ـ بعدما ذكرنا ظاهر ، وكذا تطبيق الفقرات الآتية على الاحتمالين .
قوله عليه السلام : «مستترٌ غير مستور» أي كنه حقيقته مستور عن الخلق ، مع أنّه من حيث الآثار

1.الجاثية (۴۵) : ۲۹ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
350

باب حدوث الأسماء

قوله : (إنَّ اللّهَ خَلَقَ أسماءً۱بالحروف) إلخ . [ح ۱ / ۳۰۸]
هذا الحديث رواه الصدوق ـ طاب ثراه ـ في التوحيد بإسناده عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال : «إنّ اللّه تبارك وتعالى خلق أسماءً بالحروف ، وهو عزّوجلّ بالحرف ۲ غير منعوت، وباللفظ غير منطق ، وبالشخص غير مجسّد ، وبالتشبيه غير موصوف ، وباللون غير مصبوغ ، منفيٌّ عنه الأقطار ، مبعدٌ عنه الحدود ، محجوب عنه حسّ كلّ متوهّم ، مستترٌ غير مستور . فجعل كلمة تامّة على أربعة أجزاء معا ليس واحد منها قبل الآخر ، فأظهر منها ثلاثة أسماء لفاقة الخلق إليها ، وحجب واحدا منها ، وهو الاسم المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة التي ظهرت ۳ ، فالظاهر هو اللّه تبارك وتعالى . وسخّر سبحانه لكلّ اسم من هذه أربعةَ أركان ؛ فذلك اثنا عشر ركنا . ثمّ خلق لكلّ ركن منها ثلاثين اسما فعلاً منسوبا إليها ، فهو الرحمن الرحيم ، الملك القدّوس ، الخالق البارئ المصوّر، الحيّ القيّوم ، لا تأخذه سِنةٌ ولا نوم ، العليم الخبير ، السميع البصير ، الحكيم العزيز، الجبّار المتكبِّر ، العليّ العظيم ، المقتدر القادر ، السلام المؤمن، المهيمن البارئ ، المنشئ البديع ، الرفيع الجليل ، الكريم الرازق ، المُحيي المميت ، الباعث الوارث ؛ فهذه ۴ الأسماء الثلاثةُ أركانٌ ، وحجب للاسم الواحد المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة ، وذلك قول اللّه عزّوجلّ : «قُلْ ادْعُوا اللّهَ أَوْ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى» » . ۵
قال الفاضل المحقّق صاحب البحار :
اعلم أنّ هذا الخبر من متشابهات الأخبار وغوامض الأسرار التي لا يعلم تأويلها إلّا اللّه

1.في الكافي المطبوع : «اسما» .

2.في المصدر : «بالحروف» .

3.في المصدر : «أظهرت» .

4.في المصدر : + «الأسماء، و ما كان من الأسماء الحسنى حتّى تتمّ ثلاثمائة وستّين اسما ، فهي نسبة لهذه الأسماء الثلاثة ، وهذه» .

5.التوحيد، ص ۱۹۰، ح ۳. والآية في سورة الإسراء (۱۷) : ۱۱۰ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 103366
صفحه از 637
پرینت  ارسال به