459
الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1

نقل الفاضل المحقّق مروّج آثار الأئمّة الأطهار ـ عليهم سلام اللّه ـ أعني مصنّف كتاب بحار الأنوار: أنّ الناصبي المتعصّب فخر الرازي ذكر في خاتمة كتاب المحصّل حاكيا عن سليمان بن جرير: أنّ أئمّة الرافضة وضعوا القول بالبداء لشيعتهم ، فإذا قالوا: إنّه سيكون لهم أمر وشوكة ، ثمّ لا يكون الأمر على ما أخبروا ، قالوا : بدا للّه فيه . ۱
وأنا أقول لهم : قاتلكم اللّه معشرَ الحُسّاد ، ذوي اللداد والعناد ، كفاكم عماكم أنّ أئمّتنا عليهم السلام أهلُ بيت قصرت عن أداء محامدهم عبادةُ كلّ بليغ ؛ إنّ أئمّتنا عليهم السلام أهل بيت جعل اللّه مودّتهم أجر التبليغ ، إنّ أئمّتنا عليهم السلام أهل بيت تنزّل عليهم الملائكة والروح ، إنّ أئمّتنا عليهم السلام أهل بيت نصّ جدّهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله على أنّ مَثَلهم كمثل سفينة نوح ، إنّ أئمّتنا عليهم السلام أهل بيت أذهب اللّه عنهم رجس الذنوب ، إنّ أئمّتنا عليهم السلام أهل بيت طهّرهم اللّه من دنس العيوب ؛ أما تستحيون عن جدّهم رسول ربّ العالمين ، وعن أبيهم أمير المؤمنين صلوات اللّه عليهم أجمعين؟ ويلكم ما جوابكم إذ دعاكم يوم فصل الخصام قاضي القضاة؟ وها نحن نُنصفكم وندعو لنا ولكم بدعاء هو أقرّ لعيوننا وعيونكم من رقدة الوسنان ، وأثلج لصدورنا وصدوركم من شربة الظمآن وهو هذا ؛ رزقنا اللّه تعالى وحرمكم جوارَ أئمّتنا عليهم السلام ، وجَنَّبَنا وحشركم مع أئمّتكم : يزيدَ ومعاويةَ وآل زياد وآل مروان ، آمين آمين آمين .

[باب المشيئة والإرادة]

قوله : (قلتُ : وأحَبَّ ؟ قال : لا) إلى آخره . [ح ۲ / ۳۸۸]
لا يتصوّر الحبّ بمعنى الميل في حقّه تعالى ، وإنّما هو وأمثاله حيثما أسندوا إلى اللّه تعالى باعتبار القامات ، وقد نصّ الإمام عليه السلام على ذلك حيث قال في حديث : «ورضاه ثوابه ، وسخطه عقابه» ۲ وإذ كان المراد بالمشيّة والإرادة تهيئةَ الأسباب أو نفسَ

1.بحار الأنوار ، ج ۴ ، ص ۱۲۲؛ المحصّل، ص ۲۴۹ .

2.التوحيد ، ص ۱۷۰ ، ح ۴ ؛ روضة الواعظين ، ج ۱ ، ص ۳۵ .


الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
458

قلت : من نتائج الكلام في البداء والبحث عنه اليقين بأنّ للّه تعالى أن يحوّل إن شاء حالَ مَن انتهك محارم الشرع وسلك سبيلَ الأشقياء ، حتّى يُقال : ما أشبهه بهم بل هو منهم ، ويوفّقه للرجوع والإنابة ، وأن يكل إن شاء من عبده مدّة سماويّة بصنوف العبادات ، حتّى يقال : ما أشبهه بالسعداء بل هو منهم إلى نفسه ، ومنعه اللطف والعصمة حتّى يموت وهو عليه ساخط ، فلا ييأس العاصون من رَوْح اللّه بسبب الوقوع في الزلّات ، ولا يأمن المتعبِّدون من مكر اللّه اغترارا بكثرة الحسنات ، بل يكون كلّ أحد بين الخوف والرجاء . وقد ورد أنّه «ما من مؤمن إلّا وفي قلبه نوران : نور خيفة ، ونور رجاء ، لو وُزِنَ هذا لم يَزِدْ على هذا» . ۱
ومن النتائج أنّه إذا أخبرني من طريق الوحي أنّ فلانا قرب أجله ولا يعمّر إلّا سنةً ـ مثلاً ـ واتّفق منه أن يتصدّق بصدقة على مسكين أو يصلَ رحما ، فجاوز عمره المدّةَ ، لم يكذَّب المخبر ولم ينكر عليه ، بل يستعلم وجه البداء مؤمنا به ، ويزداد في الرغبة إلى الخيرات والتضرّع والدُّعاء ؛ ففي البداء وإيقاننا به والإقرار به للّه تعالى كمالُ الحكمة والمصلحة ، وأخذ الميثاق على النبيّين بإقرار البداء للّه تعالى؛ لأنّهم الذين يخبرون أوّلاً بكون ما ليس بكائن من غير الإعلام بحقيقة الأمر وبوجه المصلحة إلّا بعد وقوع البداء، وإخبار غيرهم إنّما هو بوساطتهم ، وإخبار موارد وقوع البداء كاشفة عمّا قلناه .
فإذن النبيّون أوّل من في عرضة الإعراض والتعجّب ، فلذلك أخذ عليهم الميثاق بأن يقرّوا له تعالى بالبداء ، وجمعٌ من أهل العمْى والجهل حُرموا إدراكَ هذه المعاني، فتاهوا في بوادِ الضلال حيارى عمهين سكارى ، حادوا عن مدرجة الأكياس ، وارتقوا في مرعى الأرجاس ، حسدوا اُمناء الوحي وخزّان العلم ؛ لِمَ يحسدون الناس على ما آتاهم اللّه من فضله ، يا ويلهم ما أشقاهم ، وأطولَ عناهم ، حملهم العنود على إنكار البداء على سبيل الجمود ، وضاهوا في ذلك كفرة اليهود .

1.الكافي ، ج ۲ ، ص ۶۷ و ۷۱ ، باب الخوف والرجاء ، ح ۱ و ۱۳ ؛ وسائل الشيعة ، ج ۱۵ ، ص ۲۱۷ ـ ۲۱۸ ، ح ۲۰۳۱۱ و ۲۰۳۱۴ .

  • نام منبع :
    الذّريعة الي حافظ الشّريعة ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : الدرایتی، محمد حسین
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1388 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 103431
صفحه از 637
پرینت  ارسال به