متن الحديث السادس والأربعين والمائتين
۰.مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ ، عَنْ عَمَّارٍ السَّابَاطِيِّ ، قَالَ :سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّوَجَلَّ : «وَإِذا مَسَّ الْاءِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيبا إِلَيْهِ» قَالَ : «نَزَلَتْ فِي أَبِي الْفَصِيلِ، ۱ إِنَّهُ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله عِنْدَهُ سَاحِرا ، فَكَانَ إِذَا مَسَّهُ الضُّرُّ ـ يَعْنِي السُّقْمَ ـ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبا إِلَيْهِ ـ يَعْنِي تَائِبا إِلَيْهِ ـ مِنْ قَوْلِهِ فِي رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَا يَقُولُ «ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ» يَعْنِي الْعَافِيَةَ «نَسِىَ ما كانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ» يَعْنِي نَسِيَ التَّوْبَةَ إِلَى اللّهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ مِمَّا كَانَ يَقُولُ فِي رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : إِنَّهُ سَاحِرٌ ، وَلِذلِكَ قَالَ اللّهُ عَزَّ وَجَلَّ : «قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النّارِ»۲ يَعْنِي إِمْرَتَكَ عَلَى النَّاسِ بِغَيْرِ حَقٍّ مِنَ اللّهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَمِنْ رَسُولِهِ صلى الله عليه و آله » .
قَالَ : ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «ثُمَّ عُطِفَ الْقَوْلُ مِنَ اللّهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ فِي عَلِيٍّ عليه السلام يُخْبِرُ بِحَالِهِ وَفَضْلِهِ عِنْدَ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى ، فَقَالَ : «أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِدا وَقائِما يَحْذَرُ الْاخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ» أَنَّ مُحَمَّدا رَسُولُ اللّهِ «وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ» أَنْ مُحَمَّدا رَسُولُ اللّهِ ، وَأَنَّهُ سَاحِرٌ كَذَّابٌ «إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ»۳ » .
قَالَ : ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «هذَا تَأْوِيلُهُ يَا عَمَّارُ» .
شرح
السند موثّق على المشهور.
قوله عزّ وجلّ: «وَإِذَا مَسَّ الْاءِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبا إِلَيْهِ» ؛ قال البيضاوي:
لزوال ما ينازع العقل في الدلالة على أنّ مبدأ الكلّ منه.
«ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ» أعطاه من الخول وهو التعهّد، أو الخول وهو الافتخار.
«نِعْمَةً مِنْهُ» من اللّه .
«نَسِىَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ» أي الضرّ الذي كان يدعو اللّه إلى كشفه، أو ربّه الذي كان يتضرّع إليه.
و «مَا» مثل الذي في قوله: «وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى»۴ .
«مِنْ قَبْلُ» : من قبل النعمة.
«وَجَعَلَ للّه ِِ أَنْدَادا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ» وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ورويس بفتح الياء. والضلال والإضلال لما كانا نتيجة جعله صحّ تعليله بهما، وإن لم يكونا غرضين.
«قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً» أمر تهديد فيه إشعار بأنّ الكفر نوع تشهٍّ لا سند له، وإقناط للكافرين من التمتّع في الآخرة، ولذلك علّل بقوله: «إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» ؛ على سبيل الاستئناف للمبالغة.
«أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ» : قائم بوظائف الطاعات.
«آنَاءَ اللَّيْلِ» : ساعاته. و«أم» متّصلة بمحذوف تقديره: الكافر [خير] أم من هو قانت. أو منقطعة، والمعنى: بل أمّن هو قانت كمن هو ضدّه. وقرأ الحجازيّان وحمزة بتخفيف الميم بمعنى: أَمَنْ هو قانت [للّه ] كمَن جعل له أندادا.
«سَاجِدا وَقَائِما» ؛ حالان من ضمير «قانت». وقرئا بالرفع على الخبر بعد الخبر، والواو للجمع بين الصفتين.
«يَحْذَرُ الْاخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ» ؛ في موقع الحال، أو الاستئناف للتعليل.
«قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ» ؛ نفى لاستواء الفريقين باعتبار القوّة العمليّة بعد نفيه باعتبار القوّة العمليّة على وجه أبلغ لمزيد [فضل] العلم. وقيل: تقرير للأوّل على سبيل التشبيه، أي كما لا يستوي العالمون والجاهلون لا يستوي القانتون والعاصون.
«إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ» بأمثال هذه البيانات. ۵
(قال: نزلت في أبي الفصيل).
في القاموس: «الفصيل: ولد الناقة إذا فصل عن اُمّه. الجمع: فُصلان بالضمّ والكسر وككتاب» انتهى. ۶
والمراد به هنا أبو بكر بن أبي قحافة. وقيل: هذا التعبير إمّا من الإمام عليه السلام ، أو من أحد الرواة تقيّة. ۷
وقال بعض الأفاضل: «إنّ اسم أبا بكر عبد العزّى وكنيته أبو الفصيل، فسمّاه رسول اللّه صلى الله عليه و آله عبداللّه وكنّاه أبو بكر». ۸
وقيل: هو كناية عن أبي بكر، لأنّ الفصيل ـ كما عرفت ـ ولد الناقة، والبكر الفتى من الإبل، فهما متقاربان معنى. وروي أنّ أبا سفيان قال يوم غصب الخلافة: لأملأنّها على أبي فصيل خيلاً ورجلاً. وذكر السيّد الشريف في بعض حواشيه، وقد يعتبر في الكنى المعاني الأصليّة، كما روي أنّ في بعض الغزوات نادى بعض المشركين أبا بكر أبا الفصيل. ۹
(إنّه كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله عنده ساحرا).
الضمير في الموضعين راجع إلى أبي الفصيل، وهذه الرواية كغيرها من الروايات المتكثّرة صريح في كونه منافقا، وفي ارتداده مرّةً بعد اُخرى.
(من قوله في رسول اللّه صلى الله عليه و آله : ما يقول) من أنّه ساحر أو الأعمّ منه.
(يعني إمرتك على الناس) تفسير وبيان لقوله تعالى: «بِكُفْرِكَ» ، أو للتمتّع بالكفر.
قال الفيروزآبادي: «الأمر: مصدر أمّر علينا ـ مثلّثة ـ إذا ولّي. والاسم: الإمرة بالكسر. وقول الجوهري: مصدر وهم». ۱۰
وقوله عليه السلام : (بغير حقّ) متعلّق بالإمرة. والباء للتلبّس، أو حال عنها.
وقوله: (من اللّه ومن رسوله صلى الله عليه و آله ) متعلّق بالحقّ. و«من» للابتداء، أو صفة له.
وقوله عليه السلام : (عُطف القول) على البناء للمفعول.
وكلمة «في» في قوله: (في عليّ عليه السلام ) إمّا تعليليّة، أو بمعنى «إلى».
«ساجِدا وَقائِما» .
قيل: تقديم السجود والاهتمام به لكونه أرفع منازل العابدين. ۱۱
«يَحْذَرُ الْاخِرَةَ» الآية.
أي عقوباتها وأهوالها. قال بعض الشارحين:
هو استيناف للتعليل، كأنّه [قيل:] ما سبب قنوته وقيامه وسجوده؟ فاُجيب ببيان سببها. أو في موضع النصب على الحال، ولعلّ النكتة في إيراد بعض الأحوال جملة وبعضها مفردة هي التنبيه على استمرار الحذر والرجاء ووجود كلّ منهما في زمان وجود الآخر بخلاف السجود والقيام، وإنّما آثر الحذر على الخوف مع أنّ الخوف في مقابل الرجاء لكونه أبلغ من الخوف؛ إذ هو خوف مع الاحتراز. ۱۲
(وأنّه ساحرٌ كذّاب) على قوله تعالى: «لَا يَعْلَمُونَ» ، بتقدير فعل، أي: يقولون أو يعتقدون أنّه ساحرٌ كذّاب.
1.في بعض نسخ الكافي: «أبي الفضل».
2.الزمر (۳۹): ۸.
3.الزمر (۳۹): ۹.
4.. الليل (۹۲): ۳.
5.تفسير البيضاوي، ج ۵، ص ۵۹ و ۶۰.
6.القاموس المحيط، ج ۴، ص ۳۰ (فصل).
7.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۱۱۸.
8.لم نعثر على قائله.
9.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۱۱۸.
10.القاموس المحيط، ج ۱، ص ۳۶۵ (أمر).
11.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في بحار الأنوار، ج ۶۶، ص ۳۰۴.
12.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج ۱۲، ص ۱۲۹ (مع اختلاف يسير في اللفظ).