195
البضاعة المزجاة المجلد الثالث

شرح

السند ضعيف.
قوله: (إنّ شيعتك قد تباغضوا وشَنى ء بعضهم بعضا).
شنأه ـ كمنعه، وسمعه ـ : أبغضه. والعطف للتفسير.
(فلو نظرت ـ جعلت فداك ـ في أمرهم).
في القاموس: «النظر ـ محرّكة ـ : الفكر في الشيء يقدّره ويقيسه، والحكم بين القوم، والإعانة، والفعل كنصر». ۱
وكلمة «لو» للتمنّي، أو للشرط، والجزاء محذوف.
(فقال: لقد هممتُ) أي قصدت.
(أن أكتب) إليهم (كتابا).
الكتاب: ما يكتب فيه، والصحيفة، والحكم.
(لا يختلف عليَّ منهم) أي من الشيعة. والاختلاف: ضدّ الاتّفاق.
(اثنان).
لعلّ ذكر الاثنين لكونهما أقلّ عدد يصلح محلّاً للتنازع، فيكون كناية عن رفع الاختلاف والتنازع رأسا.
(قال: قلت: ما كنّا قطّ).
في القاموس:
ما رأيته قطّ ـ ويضمّ، ويخفّفان ـ وقطّ مشدّدة مجرورة بمعنى الدهر، مخصوص بالماضي، [أي] فيما مضى من الزمان، أو فيما انقطع من عمري. ۲
(أحوج إلى ذلك) إشارة إلى رفع الاختلاف، أو إلى المكاتبة لذلك.
(منّا اليوم)؛ لكثرة الاختلاف في ذلك الوقت وشدّته، وكونه منشأً للفتنة على زعمه.
(قال) عبد الأعلى.
(ثمّ قال) أبو عبداللّه عليه السلام : (أيّ ۳ هذا) بتشديد الياء، أو بتخفيفها على أن يكون حرف النداء.
وفي بعض النسخ: «أنّى هذا».
(مروان ۴ ) في بعض النسخ: «ومروان» بالواو، ولعلّهما للحال، أي والحال أنّ مروان.
(وابن ذرّ) موجودان.
وفي بعض النسخ: «وأبي ذرّ». وفي بعضها: «وأبو ذرّ».
قال بعض الأفاضل:
فحينئذٍ يحتمل أن يكون المراد: أنّ مع غلبة أهل الجور والكفر لا ينفع الكتاب، ألم تسمع قصّة أبي ذرّ حيث طرده عثمان، وكان ممّن يحبّه اللّه ورسوله، ومروان حيث آواه وكان هو وأبوه طريدي رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فإذا خُولف الرسول صلى الله عليه و آله في مثل ذلك ولم ينكر، فكيف يطيعوني؟ ۵
أقول: لعلّ المراد: أنّى يمكن هذا الكتاب مع وجود مروان وابن ذرّ؟ أي لا ينفع هذا في رفع منازعتهما واختلافهما. والظاهر أنّ المراد بهما رجلان من أصحابه عليه السلام ، وكان بينهما خصومة ومنازعة شديدة في فهم المسائل وحلّها، فأخبر عليه السلام أنّ الكتاب لا يرفع الاختلاف الذي منشأه سوء الفهم أو النفسانيّة.
ويمكن أن يكون المراد بابن ذرّ، عمرو بن ذرّ القاضي العامّي، وقد روي أنّه دخل على الصادق عليه السلام وناظره، ۶ فيكون المراد حينئذٍ: أنّ هذا لا يمكن أن يكون سببا لرفع النزاع بين الأصحاب والمخالفين، بل يصير النزاع بذلك أشدّ، ويصير سببا لتضرّر الشيعة بذلك.
أقول: فيه نظر؛ لأنّ صدر الحديث صريح في أنّ المقصود رفع الاختلاف من بين الشيعة، لا من بينهم وبين المخالفين.
ويحتمل أن يكون الإمام عليه السلام يتّقي من هذين الرجلين.
وبالجملة اعتذر عليه السلام ممّا سأله عبد الأعلى. ومنعه من هذا السؤال مرّةً اُخرى، كما يدلّ عليه قوله: (قال: فظننتُ أنّه قد منعني ذلك) السؤال، أو إجابته.
(قال) عبد الأعلى: (فقمتُ من عنده عليه السلام ) بعد اليأس، وعدم الظفر بالحاجة.
(فدخلتُ على إسماعيل) بن الصادق عليه السلام .
(فقلت: يا أبا محمّد) إلى قوله: (قال فقال).
الظاهر أنّ فاعل الأوّل عبد الأعلى، وفاعل الثاني إسماعيل.
(ما قال مروان وابن ذرّ).
في بعض النسخ: «وأبي ذرّ». وفي بعضها: «وأبو ذرّ».
وكلمة «ما» للنفي بتقدير الاستفهام، أي قال عبد الأعلى: (فقال) لي إسماعيل بعدما ذكرت له ما جرى بيني وبين أبيه عليه السلام إلى قوله: (لا يختلف عليَّ منهم اثنان)، أما قال أبي في جوابك قصّة مروان وابن ذرّ؟
(قلت: بلى) يكون.
قوله: (يا عبد الأعلى) إلى آخر الحديث، من كلام إسماعيل.
وقال بعض الأفاضل:
إنّ فاعل «قال» في قوله «قال: فقال» عبد الأعلى، وفاعل «فقال» الصادق عليه السلام ، أي قال عبد الأعلى: فقال الصادق عليه السلام .
وذكر ما جرى بين مروان وابن ذرّ من المخاصمة، فصدّقه الراوي على ذلك، وقال: بلى جرى بينهما ذلك، وهذا يحتمل أن يكون في وقت آخر أتاه عليه السلام ، أو في هذا الوقت الذي كان يكلّم إسماعيل سمع عليه السلام كلامه، فأجابه. انتهى. ۷
وأنت خبير بأنّ هذا الاحتمال بعيد من سياق الكلام غاية البُعد.
وقال الفاضل الإسترآبادي:
في بعض النسخ: «وأبو ذرّ» في الموضعين. وفي العبارة سهو، وكان قصده عليه السلام من ذكر ما قال مروان وأبو ذرّ أنّ المسلمين ليسوا بسواء، وأنّ درجات أصحابنا ومراتب أذهانهم متفاوتة، وكلٌّ ميسّر لما خُلق له، فينبغي أن يعمل كلّ بما أخذه، ولا ينبغي أن يخاصم بعضهم بعضا في الفتاوى، وربّما يكون الأصلح في حقّ بعض أن يعمل بالتقيّة، فأفتاه الإمام بالتقيّة دون بعض، فأفتاه الإمام بالحقّ، وربّما يصل ذهن بعضهم إلى الدقائق الكلاميّة المسموعة من الإمام دون بعض، فلا ينبغي أن يحمل على شيء أحد لا يقدر عليه. ۸
(إنّ لكم علينا لحقّا).
هو النصيحة والدلالة على ما فيه صلاحكم من اُمور الدِّين والدُّنيا، والعدل في الأحكام، وغيرها.
(كحقّنا عليكم) من الانقياد، والأخذ، والقبول، والتسليم، والرِّضا، ومعرفة الإمام.
(واللّه ما أنتم إلينا) متعلّق بقوله: أسرع (بحقوقنا)؛ أي برعايتها وأدائها.
(أسرع منّا) في رعاية الحقوق وأدائها.
(إليكم)؛ يعني إنّ اهتمامنا بذلك أشدّ وأكثر. فعلم منه أنّ منع الكتاب إنّما هو لمانع منه.
(ثمّ قال) إسماعيل، (سأنظر) فيما سألت من أمر الكتاب.
وقوله: «وأشاور معه عليه السلام ، فلعلّه يكتب أيّ رأي فيه صلاحا» ۹ ليس في كثير من النسخ.
وعلى هذه النسخة، يسقط الاحتمال الذي نقلناه سابقا عن بعض الأفاضل من إرجاع الضمير، «فقال» أي الصادق عليه السلام ، فتأمّل.
(ثمّ قال) أبي عبداللّه : (يا عبد الأعلى، ما على قوم) كلمة «ما» استفهاميّة، تتضمّن نوع شكاية من الشيعة على سبيل اللّوم والتوبيخ والتعجّب.
(إذا كان أمرهم أمرا واحدا)؛ يعني كانوا متّفقين على دين واحد.
(متوجّهين إلى رجلٍ واحد).
هو الإمام الحقّ الذي (يأخذون عنه) دينهم بعدما كان يدعوهم إليه.
(أن لا يختلفوا عليه).
فيما يأخذون عنه؛ بل يعمل كلٌّ منهم بما يأخذ عنه، ولم ينكر على الآخر على ما في يده، وإن كان مخالفا لما في يد الأوّل بحسب الظاهر؛ فإنّه ربّما كان له وجوه ومحامل لا يبلغ إليها فهمه.
(ويسندوا أمرهم إليه).
الإسناد في الحديث: رفعه إلى قائله، ونسبته إليه؛ أي يسند كلّ منهم أمره إلى إمامه، ولا يتعرّض له الآخر لا يردّه.
(يا عبد الأعلى، إنّه ليس ينبغي للمؤمن).
لعلّ المراد أنّ اختلافهم لما كان بسبب اختلاف درجاتهم، وهم يكلِّمون الناس على قدر عقولهم، فلا ينبغي للمؤمن الناقص، والحال أنّه (قد سبقه أخوه) الكامل (إلى درجة من درجات الجنّة) التي هي مسبّبة من درجات الفضل والكمال والعلم والعمل.
(أن يجذبه عن مكانه الذي هو به) أي يكلّفه بأن يعتقد ويعمل على وفق فهمه الناقص؛ فإنّ هذا التكليف بمنزلة جذبه عن مكانه، ودفعه عن المرتبة الكاملة إلى المرتبة الناقصة.
(ولا ينبغي لهذا الآخر الذي لم يبلغ) على البناء للمفعول من الإبلاغ، أو من البلوغ. أي الذي كان بحيث لم يبلغ إليه أخوه، ولم ينل درجته بعدُ.
ويحتمل كونه على البناء للفاعل من البلوغ، أي الذي لم يبلغ إلى غاية درجات الكمال، وإن كان سابقا على الآخر. ففيه إيماء بأنّه أيضا ناقص بالنسبة إلى من سبقه، فينبغي أن يكون معاملته مع من هو دونه بما يجب أن يعامل معه من هو فوقه، فلا ينبغي له (أن يدفع في صدر الذي لم يلحق به) بعد، بأن يمنعه عن الوصول إليه؛ إمّا بأن يترك إعانته وإرشاده إلى طريق الوصول إلى ذلك المكان الذي هو فيه، أو بتكليفه الصعود إليه دفعة مع عدم أسبابه ومقدّماته؛ فإنّ هذا التكليف ربما يوجب إنكار تلك المرتبة بالنسبة إلى الناقص؛ لعدم تمكّنه من فهمها وإدراكها، فيصير سببا لحرمانه منها، فكأنّه دفع في صدره، ومنعه عن الوصول إليه.
(ولكن يستلحق إليه) أي يجتهد في طلب لحوق الآخر إليه بالرّفق واللّطف والمداراة والهداية إلى أسباب اللّحوق والوصول، لا بالخرق والعنف والمناقشة.
(ويستغفر اللّه ) لنفسه ولأخيه.
أمّا الأوّل فلأنّ استغفاره شاهد صدق على أنّه لا يبرئ نفسه من العيوب والنقص والتقصير، وإن بلغ درجة الكمال.
وأمّا الثاني فلأنّ استغفاره له ربما يصير سببا لبلوغه إلى تلك المرتبة، بل إلى ما فوقها. ويحتمل أن يُراد باستغفاره لأخيه سعيه في تحصيل ما يوجب المغفرة له.
هذا وحمل بعض الشارحين قوله: «أن لا يختلفوا» على الاختلاف فيما بينهم بالتباغض والتحاسد، وقوله: «أن يسندوا أمرهم إليه» على عدم التجاوز عمّا أراد منهم من التعاون وترك التباغض والتناقض، وقوله: «أن يجذبه عن مكانه الذي هو به» بأن ينقص حقّه من التعليم والتوفير، وينكر فضله ويحسده ويبغضه، وقوله: «أن يدفع في صدره» بأن يذمّه ويلومه ويعيّره ولا يعينه. ثمّ قال: والغرض أنّه ينبغي لكلّ واحدٍ أن يعرف حقّ الآخر، فالمفضول يقرّ بفضل الأفضل، والأفضل يعين المفضول ويسعى في ترقّيه حتّى يستقرّ بالهم وينتظم حالهم، انتهى. ۱۰ فتأمّل.

1.القاموس المحيط، ج ۲، ص ۱۴۴ (نظر) مع اختلاف يسير في اللفظ.

2.القاموس المحيط، ج ۲، ص ۳۸۰ (قطط).

3.في المتن الذي ضبطه المصنّف رحمه الله سابقا: «أنّى».

4.في المتن الذي ضبطه المصنّف رحمه الله سابقا: «ومروان».

5.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۱۵۱.

6.اُنظر: الكافي، ج ۲، ص ۲۸۵، ح ۲۲.

7.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۱۵۱ (مع اختلاف في اللفظ).

8.نقله عنه العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۱۵۱ و ۱۵۲.

9.لم يضبط هذه العبارة في المتن الذي كتبه سابقا.

10.القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج ۱۲، ص ۲۹۹، مع اختلاف في اللفظ.


البضاعة المزجاة المجلد الثالث
194

متن الحديث الثاني والثمانين والمائتين

۰.سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ۱، عَنْ مُحَمَّدٍ ، عَنْ يُونُسَ ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلى ، قَالَ :قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : إِنَّ شِيعَتَكَ قَدْ تَبَاغَضُوا وَشَنِئَ بَعْضُهُمْ بَعْضا ، فَلَوْ نَظَرْتَ ـ جُعِلْتُ فِدَاكَ ـ فِي أَمْرِهِمْ .
فَقَالَ : «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَكْتُبَ كِتَابا لَا يَخْتَلِفُ عَلَيَّ مِنْهُمُ اثْنَانِ» .
قَالَ : فَقُلْتُ : مَا كُنَّا قَطُّ أَحْوَجَ إِلى ذلِكَ مِنَّا الْيَوْمَ .
قَالَ : ثُمَّ قَالَ : «أَنّى ۲ هذَا وَمَرْوَانُ وَابْنُ ذَرًّ» .
قَالَ : فَظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ مَنَعَنِي ذلِكَ ، قَالَ : فَقُمْتُ مِنْ عِنْدِهِ ، فَدَخَلْتُ عَلى إِسْمَاعِيلَ ، فَقُلْتُ : يَا أَبَا مُحَمَّدٍ ، إِنِّي ذَكَرْتُ لِأَبِيكَ اخْتِلَافَ شِيعَتِهِ وَتَبَاغُضَهُمْ ، فَقَالَ : «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَكْتُبَ كِتَابا لَا يَخْتَلِفُ عَلَيَّ مِنْهُمُ اثْنَانِ» قَالَ : فَقَالَ مَا قَالَ مَرْوَانُ وَابْنُ ذَرٍّ؟ قُلْتُ : بَلى ، قَالَ : يَا عَبْدَ الْأَعْلى ، إِنَّ لَكُمْ عَلَيْنَا لَحَقّا كَحَقِّنَا عَلَيْكُمْ ، وَاللّهِ مَا أَنْتُمْ إِلَيْنَا بِحُقُوقِنَا أَسْرَعَ مِنَّا إِلَيْكُمْ، ثُمَّ قَالَ : سَأَنْظُرُ ، ثُمَّ قَالَ : يَا عَبْدَ الْأَعْلى ، مَا عَلى قَوْمٍ إِذَا كَانَ أَمْرُهُمْ أَمْرا وَاحِدا مُتَوَجِّهِينَ إِلى رَجُلٍ وَاحِدٍ يَأْخُذُونَ عَنْهُ أَلَا يَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ ، وَيُسْنِدُوا أَمْرَهُمْ إِلَيْهِ ، يَا عَبْدَ الْأَعْلى ، إِنَّهُ لَيْسَ يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ ـ وَقَدْ ۳ سَبَقَهُ أَخُوهُ إِلى دَرَجَةٍ مِنْ دَرَجَاتِ الْجَنَّةِ ـ أَنْ يَجْذِبَهُ عَنْ مَكَانِهِ الَّذِي هُوَ بِهِ ، وَلَا يَنْبَغِي لِهذَا الْاخَرِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَدْفَعَ فِي صَدْرِ الَّذِي لَمْ يَلْحَقْ بِهِ ، وَلكِنْ يَسْتَلْحِقُ إِلَيْهِ وَيَسْتَغْفِرُ اللّهَ .

1.السند معلق كسابقة.

2.في أكثر نسخ الكافي: «أيّ».

3.في بعض نسخ الكافي: «قد» بدون الواو.

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثالث
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید ؛ فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 238433
صفحه از 607
پرینت  ارسال به