201
البضاعة المزجاة المجلد الثالث

شرح

السند مجهول كالحسن.
قوله تعالى في سورة الزمر: «ضَرَبَ اللّه ُ مَثَلاً» .
قال الجوهري: «وضرب اللّه مثلاً: أي وصف، وبيّن». ۱
وفي القاموس: «المثل ـ محرّكة ـ : الحجّة، والحديث، والصِّفة». ۲
«رَجُلاً» .
قال البيضاوي:
هو بدل من «مثلاً»، وهذا مثل للمشرك والموحّد.
«فِيهِ» صلة.
«شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ» ؛ التشاكس: الاختلاف.
«وَرَجُلاً سَلَما لِرَجُلٍ» ؛ مثل المشترك ما يقتضيه مذهبه من أن يدّعي كلّ من معبود عبوديّته، ويتنازعون فيه بعبد يتشارك فيه جمع يتجاذبونه ويتعاورونه في مهامّهم المختلفة في تخيّره، وتوزّع قلبه، وللموحّد بمن خلص لواحد ليس لغيره عليه سبيل.
وقرأ نافع وابن عامر والكوفيّون: «سَلَما» بفتحتين. وقرئ بفتح السين وكسرها مع سكون العين، وثلاثها مصادر «سلم» نعت بها، أو حذف منها ذا. ۳
«هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً» أي صفة وحالاً، ونصب على التمييز، ولذلك وحدّه.
وقال الفيروزآبادي: «السلم ـ بالكسر ـ المسالم، والصلح. وبالتحريك: الاستسلام. وقال: سالَما: صالَحا». ۴
وقال الشيخ الطبرسي رحمه الله:
ضرب اللّه سبحانه مثلاً للكافر وعبادته للأصنام، فقال: «ضَرَبَ اللّه ُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ» ؛ أي مختلفون سيّئوا الأخلاق [متنازعون]، وإنّما ضرب هذا المثل لسائر المشركين، ولكنّه ذكر رجلاً واحدا وصفه بصفة موجودة في سائر المشركين، فيكون المثل المضروب له مضروبا لهم جميعا.
ويعني بقوله: «رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ» أي يعبدون آلهة مختلفة، وأصناما كثيرة، وهم متشاجرون متعاسرون، هذا يأمره وهذا ينهاه، ويريد كلّ واحد منهم أن يفرده بالخدمة، ثمّ يكل كلّ منهم أمره إلى الآخر، فيبقى هو خاليا عن المنافع، وهذا حال من يخدم جماعة مختلفة الآراء والأهواء.
هذا مثل الكافر، ثمّ ضرب مثل المؤمن الموحِّد، فقال: «وَرَجُلاً سَلَما لِرَجُلٍ» ؛ أي خالصا يعبد مالكا واحدا، لا يشوب بخدمته خدمة غيره، ولا يأمل سواه، ومن كان بهذه الصفة نال ثمرة خدمته، لا سيّما إذا كان المخدوم حكيما قادرا كريما.
وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني بالإسناد عن عليّ عليه السلام بأنّه قال: «أنا ذلك الرجل السلم لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ». ۵ وروى العيّاشي بإسناده عن أبي خالد، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال الرجل: «السّلم للرجل عليّ حقّا وشيعته ۶ ». ۷
(قال: أمّا الذي) أي الرجل الذي، (فيه) أي في ذلك الرجل.
(شركاء متشاكسون، فلأنّ الأوّل)؛ يعني أبا بكر.
(يجمع المتفرّقون ولايته)؛ يعني أنّه لضلالته وعدم ابتناء طريقته على أصل، وعدم متابعته لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، اختلف المشركون في ولايته ومحبّته على أهواء مختلفة وآراء متشتّتة.
(وهم في ذلك) الجمع والتفرّق.
(يلعن بعضهم بعضا، ويبرأ بعضهم من بعض).
كما هو معروف من طريقة أهل الخلاف، واختلاف الأشاعرة والمعتزلة في الاُصول، وفقهائهم الأربعة في الفروع، بل في الاُصول أيضا، بحيث يبرأ كلّ منهم من معتقد الآخر، ومع ذلك يقولون كلّهم على الحقّ، وأنّهم جميعا من أهل الجنّة؛ وهل هذا إلّا الاعتراف بالجمع بين المتناقضات، كما لا يخفى على العارف المتدرّب بكتبهم الكلاميّة وغيرها؟!
وقيل: المراد أنّهم يوم القيامة يتبرّأ بعضهم من بعض، ويلعن بعضهم بعضا، حين رأوا ضلالتهم، وإحاطة العذاب بهم.
والحاصل أنّه عليه السلام فسّر رجلاً بأبي بكر، وشركاء بمواليه، والتشاكس بتلاعنهم، وتبرّأ بعضهم من بعض. وهذا التفسير إمّا من بطون الآية، أو لأنّها بإطلاقها، أو عمومها صادق عليهم، أو بيان لمورد نزولها، والغرض الأصلي منها، وكذا قوله عليه السلام : (فأمّا رجلٌ سلم لرجل، فإنّه الأوّل حقّا)؛ يعني أمير المؤمنين عليه السلام ؛ فإنّه الإمام الأوّل حقّا، وشيعته فإنّهم راضون عنه، مستسلمون له، وهو راضٍ عنهم.
وقال بعض الأفاضل:
هذا الرجل يحتمل وجهين؛ الأوّل: أن يكون المراد بالرجل الأوّل في قوله تعالى: «وَرَجُلاً سَلَما لِرَجُلٍ» أمير المؤمنين عليه السلام ، وبالرجل الثاني رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ويؤيّده ما مرّ من رواية الحاكم، فالمقابلة بين الرجل باعتبار أنّ المتشاكس بين الأتباع إنّما حصل لعدم كون متبوعهم سلما للرسول صلى الله عليه و آله ، ولم يأخذ عنه صلى الله عليه و آله . والثاني أن يكون المراد بالرجل الأوّل كلّ واحد من الشيعة، وبالرجل الثاني أمير المؤمنين عليه السلام ، والمعنى: أنّ الشيعة لكونهم سلما لإمامهم، لا منازعة بينهم في أصل الدِّين، فيكون قوله عليه السلام . «الأوّل حقّا» بيانا للرجل الثاني، وشيعته بيانا للرجل الأوّل، والمقابلة في الآية تكون بين رجل فيه شركاء، وبين الرجل الثاني من الرجلين المذكورين ثانيا. والأوّل أظهر في الخبر، والثاني أظهر في الآية. ۸
(ثمّ قال: إنّ اليهود تفرّقوا) إلى قوله عليه السلام : (تنتحل ولايتنا ومودّتنا)
في القاموس: «انتحله وتنحّله: ادّعاه لنفسه، وهو لغيره». ۹
ولعلّ نسبة الانتحال إلى الجميع باعتبار التغليب، نظرا إلى أنّ أكثرهم يدّعون الولاية والمودّة من غير أن يكون له حقيقة، أو تقول: إنّ المراد بالانتحال هنا الادّعاء والانتساب مطلقا، كما أشار إليه بقوله: (اثنتا عشرة فرقة منها في النار، وفرقة في الجنّة). ولعلّ المراد بالفِرَق المنتحلين ما يعمّ الغُلاة، فتأمّل.

1.الصحاح، ج ۱، ص ۱۶۸ (ضرب).

2.القاموس المحيط، ج ۴، ص ۴۹ (مثل).

3.نقل بالمعنى. اُنظر: تفسير البيضاوي، ج ۵، ص ۶۵ و ۶۶.

4.القاموس المحيط، ج ۴، ص ۱۲۹ و ۱۳۰ (سلم) مع التلخيص.

5.عنه في بحار الأنوار، ج ۲۴، ص ۱۶۱، ح ۱۰.

6.لم نعثر على الرواية في تفسير العيّاشي. لكن روى عنه العلّامة رحمه الله في بحار الأنوار، ج ۲۴، ص ۱۶۱، ح ۱۱.

7.مجمع البيان، ج ۸ ، ص ۳۹۷ و ۳۹۸ مع اختلاف يسير في اللفظ.

8.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۱۵۴ و ۱۵۵ (مع التلخيص واختلاف في اللفظ).

9.القاموس المحيط، ج ۴، ص ۵۵ (نحل).


البضاعة المزجاة المجلد الثالث
200

متن الحديث الثالث والثمانين والمائتين

۰.مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسى ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْكَابُلِيِّ :عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «ضَرَبَ اللّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَما لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا»۱ قَالَ : «أَمَّا الَّذِي فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ ، فَلِأَنَّ الْأَوَّلَ يَجْمَعُ الْمُتَفَرِّقُونَ وَلَايَتَهُ ، وَهُمْ فِي ذلِكَ يَلْعَنُ بَعْضُهُمْ بَعْضا ، وَيَبْرَأُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ ، فَأَمَّا رَجُلٌ سَلَمٌ لِرَجُلٍ ۲ ، فَإِنَّهُ الْأَوَّلُ حَقّا وَشِيعَتُهُ» .
ثُمَّ قَالَ : «إِنَّ الْيَهُودَ تَفَرَّقُوا مِنْ بَعْدِ مُوسى عليه السلام عَلى إِحْدى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، مِنْهَا فِرْقَةٌ ۳ فِي الْجَنَّةِ ، وَسَبْعُونَ فِرْقَةً فِي النَّارِ ، وَتَفَرَّقَتِ النَّصَارى بَعْدَ عِيسى عليه السلام عَلَى ۴ اثْنَتَيْنِ ۵ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، فِرْقَةٌ مِنْهَا فِي الْجَنَّةِ ، وَإِحْدى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ ، وَتَفَرَّقَتْ هذِهِ الْأُمَّةُ بَعْدَ نَبِيِّهَا صلى الله عليه و آله عَلى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، اثْنَتَانِ ۶ وَسَبْعُونَ فِرْقَةً فِي النَّارِ ، وَفِرْقَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَمِنَ الثَّلَاثِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ثَلَاثَ عَشْرَةَ فِرْقَةً تَنْتَحِلُ وَلَايَتَنَا وَمَوَدَّتَنَا ، اثْنَتَا عَشْرَةَ فِرْقَةً مِنْهَا فِي النَّارِ ، وَفِرْقَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَ سِتُّونَ فِرْقَةً مِنْ سَائِرِ النَّاسِ فِي النَّارِ» .

1.الزمر (۳۹): ۲۹.

2.في الطبعة القديمة: «رجل».

3.في بعض نسخ الكافي: «فرقة منها».

4.في بعض نسخ الكافي: - «على».

5.في الطبعة القديمة وأكثر نسخ الكافي والوافي: «اثنين».

6.في بعض نسخ الكافي: «اثنان».

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثالث
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید ؛ فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 264545
صفحه از 607
پرینت  ارسال به