233
البضاعة المزجاة المجلد الثالث

البضاعة المزجاة المجلد الثالث
232

متن الحديث السابع والتسعين والمائتين

۰.مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيى ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنِ ابْنِ سِنَانٍ ، قَالَ :سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عليه السلام يَقُولُ : «طَبَائِعُ الْجِسْمِ عَلى أَرْبَعَةٍ : فَمِنْهَا الْهَوَاءُ الَّذِي لَا تَحْيَا النَّفْسُ إِلَا بِهِ وَبِنَسِيمِهِ ، وَيُخْرِجُ مَا فِي الْجِسْمِ مِنْ دَاءٍ وَعُفُونَةٍ ؛ وَالْأَرْضُ الَّتِي قَدْ تُوَلِّدُ الْيُبْسَ وَالْحَرَارَةَ ؛ وَالطَّعَامُ وَمِنْهُ يَتَوَلَّدُ الدَّمُ ، أَ لَا تَرى أَنَّهُ يَصِيرُ إِلَى الْمَعِدَةِ ، فَتُغَذِّيهِ حَتّى يَلِينَ ، ثُمَّ يَصْفُوَ فَتَأْخُذُ الطَّبِيعَةُ صَفْوَهُ دَما ، ثُمَّ يَنْحَدِرُ الثُّفْلُ ؛ وَالْمَاءُ وَهُوَ يُوَلِّدُ الْبَلْغَمَ» .

شرح

السند ضعيف على الظاهر.
قوله عليه السلام : (طبائع الجسم) أي البدن (على أربعة).
قال في القاموس:
الطبع والطبيعة والطِّباع ـ بالكسر ـ : السجيّة، جُبل عليها الإنسان. والطّباع: ما ركّب فينا من المطعم والمشرب وغير ذلك من الأخلاق التي لا تزايلنا، كالطابع، كصاحب. ۱
أقول: يحتمل أن يكون الطبائع جمع الطّباع، كشمائل وشمال، وأن يكون جمع الطبيعة كصبائح وصبيحة، وكونها جمع طابع على خلاف القياس، كفوارس في جمع فارس بعيد. فإن اُريد بالطبائع هنا المعنى الأوّل ـ أعني السجيّة والجبلّة ـ يُراد بكونها على أربعة أنّ حقيقتها أربعة اُمور. وإن اُريد بها المعنى الثاني، يُراد به أنّ بناءها أو قوامها تحصّلها، أو صلاحها على أربعة اُمور، وهاهنا كلام ستطّلع عليه إن شاء اللّه .
وممّا يلزم أن نشتغل به هنا قبل الشروع في المقصود، تمهيد مقدّمات يسهل بتصويرها تصوّر ما أردناه من شرح هذا الحديث وفهمه:
المقدّمة الاُولى: في كيفيّة تولّد الأخلاط.
قال ابن سينا: «الخِلط جسمٌ رطب سيّال يستحيل إليه الغذاء أوّلاً». ۲
وقال:
إنّ الغذاء له انهضام ما بالمضغ، ثمّ إذا ورد على المعدة انهضم الانهضام التامّ، فإذا انهضم الغذاء أوّلاً صار بذاته في كثير من الحيوانات، وبمعونة ما يخالطه من الماء المشروب في أكثرها كيلوسا، وهو جوهر سيّال شبيه بماء الكشك الثخين، ثمّ إنّه بعد ذلك ينجذب لطيفه من المعدة ومن الأمعاء أيضا، فيندفع في العروق المسمّاة ماساريقا، وهي عروق دقاق صلاب متّصل بالأمعاء كلّها، فإذا اندفع فيها صار إلى العرق المسمّى باب الكبد، ونفذ في الكبد في أجزاء وفروع للباب، فإذا تفرّق في ليف هذه العروق صار كأنّ الكبد بكلّيّتها ملاقيه لكلّيّة هذا الكيلوس، وكان لذلك فعلها فيه أشدّ وأسرع، وحينئذٍ ينطبخ [وفي كلّ] انطباخ لمثله شيء كالرغوة، وشيء كالرسوب، وربّما كان معهما إمّا شيء إلى الاحتراق إن أفرط الطبخ، أو شيء كالفج إن قصر الطّبخ، فالرغوة هي الصفراء، والرسوب هي السوداء، وهما طبيعيّان، والمحترق لطيفة صفراء مخترقة، وكثيفة سوداء رديّة غير طبيعيّين، والفج هو البلغم، وأمّا الشيء المتصفّى من هذه الجملة فهو الدّم، إلّا أنّه بعدما دام في الكبد يكون أرقّ ممّا ينبغي فضل المائيّة المحتاج إليها، ولكن هذا الذي هو الدّم إذا انفصل من الكبد، فكما ينفصل عنها يتصفّى أيضا من المائيّة الفضليّة التي إنّما احتيج إليها بسبب، وقد ارتفع فتنجذب هي عنه في عرق نازل إلى الكليتين، وتحمل مع نفسها من الدم ما يكون بكمّيّته وكيفيّته صالحا لغذاء الكليتين، فيغذو الكليتين الدسومة والدمويّة من تلك المائيّة، ويندفع باقيها مع المثانة، وإلى الإحليل، وأمّا الدّم الحسن القوام فيندفع في العِرق العظيم الطالع من حدبة الكبد فيسلك في الأوردة المتشعّبة منه، ثمّ في جداول الأوردة، ثمّ في سواقي الجداول، ثمّ في رواضع السواقي، ثمّ في العروق الليفيّة الشعريّة، ثمّ يرشّح من فوهاتها في الأعضاء بتقدير العزيز الحكيم، فسبب الدم الفاعلي هو حرارة معتدلة، وسببه المادّي هو المعتدل من الأغذية والأشربة الفاضلة، وسببه الصوريّ النضج الفاضل، وسببه التمامي تغذية البدن. والصفراء سببها الفاعلي، إمّا الطبيعي منها الذي هو رغوة الدّم فحرارة معتدلة، وإمّا المحترقة منها فالحرارة الناريّة المفرطة، وخصوصا [في الكبد]، وسببها المادّي هو اللطيف الحارّ والحلو والدسم والحريق من الأغذية، وسببها الصوري مجاوزة النضج إلى الإفراط، وسببها التمامي الضرورة والمنفعة المذكورتان. والبلغم سببه الفاعلي حرارة مقتصرة، وسببه المادّي الغليظ البارد والرطب اللزج من الأغذية، وسببه الصوري قصور النضج، وسببه التمامي الضرورة والمنفعة المذكورتان. والسوداء سببها الفاعلي، إمّا الرسوبي منها فحرارة معتدلة، وإمّا المحترق منها فحرارة مجاوزة الاعتدال، وسببها المادّي الشديد الغليظ القليل الرطوبة من الأغذية والحار منها أقوى في ذلك، وسببها الصوري الثفل المترتّب على أحد الوجهين، فلا سبيل، ولا يتحلّل، وسببها التمامي ضرورتها ومنفعتها المذكورتان. ۳
ثمّ قال:
واعلم أنّ الحرارة والبرودة سببان لتولّد الأخلاط مع سائر الأسباب، لكن الحرارة المعتدلة تولّد الدّم، والمفرطة تولّد الصفراء، والمفرطة جدّا تولّد السوداء بفرط الإحراق، والبرودة تولّد البلغم، والمفرطة جدّا تولّد السوداء بفرط الإجماد. ۴
ثمّ قال:
ويجب أن يعلم أنّ الدّم وما يجري معه [في العروق] هضما ثالثا، وإذا توزّع على الأعضاء فليصب كلّ عضو عنده هضم رابع، ففضل الهضم الأوّل وهو في المعدة يندفع من طريق الأمعاء، وفضل الهضم الثاني وهو في الكبد يندفع أكثره بالبول، وباقية من جهة الطحال والمرارة، وفضل الهضمين الباقيين يندفع [بالتحلّل الذي لا يحسّ و] بالعرق وبالوسخ الخارج بعضه من منافذ محسوسة كالأنف والصماخ، أو غير محسوسة كالمسام، أو خارجة عن الطبع كالأورام المنفجرة، أو لما ينبت من زوائد البدن كالشعر والظفر. ۵
المقدّمة الثانية: في طبايع الأخلاط.
الدم حارّ رطب، والبلغم بارد رطب، والصفراء حارّة يابسة، والسوداء باردة يابسة.
المقدّمة الثالثة: قال الأطبّاء: الأسباب الضروريّة المغيّرة لبدن الإنسان والحافظة له ستّة اُمور.
أحدها: الهواء المحيط بالأبدان. قالوا: ويضطرّ إليه لتعديل الروح بالاستنشاق، وإخراج فضلاته بردّ النَفَس، ويعنون بالروح هنا جوهرا لطيفا بخاريّا يتولّد من بخاريّة الأخلاط ولطافتها. قالوا: المراد بتعديل الروح تعديل سخونته؛ فإنّه خُلِقَ حارّا جدّا، ليكون سريع النفوذ في الأعضاء؛ فإنّ البرد يوجب الثقل والكثافة والغلظة، وكلّ هذه مانعة من النفوذ ومن سرعته، ويزداد حرّه باحتقان الأبخرة الدخانيّة، وبكثرة حركته وسرعتها، وباستعمال المسخّنات، فاحتيج إلى تحصيل اعتدال لائق به، وقولهم بالاستنشاق يريدون به جذب الهواء من الريّة، ومن مسام الجلد المتّصلة بمسام منافس الشرايين؛ فإنّ الهواء وإن كان حارّا في طبعه لكنّه بارد بالقياس إلى مزاج الروح الخالي عن الأبخرة الدخانيّة، فكيف إلى مزاج الروح الذي خلطت به الأجزاء الدخانيّة، وتسخّنت بالحركة وغيرها من المسخّنات، فإذا وصل إليه بردّه ومنعه عن الاشتعال والاستحالة مع الناريّة المؤدّية إلى فساد مزاجه، المانع من قبول الحسّ والحركة، وعن قبول الحياة، والمؤدّية إلى تحلّل جوهره، وعلى احتراقه الموجب لنقصان جوهره أيضا، وأرادوا بالفضلات الأبخرة الدخانيّة المتولّدة عند طبخ الروح التي ينبتها إلى الروح نسبة الخلط الفضلي إلى البدن، وذلك باستصحاب الهواء المندفع.
وقولهم: بردّ النَفَس، أرادوا به أنّ الهواء عند وروده بارد، فإذا طال مكثه في الباطن تسخّن؛ لمصاحبته بالروح، وبطلت فائدته، فاحتيج إلى هواء جديد يدخل ويقوم مقام الهواء الأوّل، فاحتيج إلى إخراج الأوّل المتسخّن ليخلو المكان للثاني؛ إذ لو بقي محتبسا، لضيّق المكان، وزاحم الروح والحرارة الغريزيّة، وليندفع معه الأبخرة الدخانيّة التي لو بقيت لسخنت الروح والعرقيّة، لأنّها حارّة حادّة يزداد حرارة الروح باختلاطهما.
وثانيها: ما يؤكل ويشرب، ووجه الاضطرار إليه أنّ البدن دائم التحلّل بالأسباب الداخلة والخارجة، فلو لم يرد عليه غذاء، يقوم بدل ما يتحلّل منه، لم يبق مدّة تكوّنه، فاضطرّ لذلك إلى المأكول. وأمّا الاضطرار إلى المشروب، فلطبخ المأكول، وترقيقه وتنفيذه، فهو متمّم لأمر الغذاء.
وقالوا: إنّ الماء لا يغذو البدن لبساطته، والمغتذي مركّب ذو مزاج، والغاذي يجب أن يكون شبيها بالمغتذي، لكنّه إذا انطبخ مع الغذاء كيلوسا صار جميع ذلك غازيّا، لا ما فيه من الأجزاء الغذائيّة فقط، والذى ينفصل عنه من المائيّة، ويخرج من البدن القدر الزائد على ما ينبغي أن يكون في الغذاء، والذي يدلّ على ذلك أنّ مرقة اللّحم يغذو البدن، ولو كان الغذاء ما فيها من الأجزاء اللّحميّة بدون المرقة، ما يحصل بالمرقة وليس كذلك.
وثالثها: الحركة والسكون البدنيّان.
ورابعها: الحركة والسكون النفسانيّان، أي الصادران عن قوى النفس؛ فإنّ النفس لا حركة لها، ولا سكون، وتلك الحركة كالشهوة والغضب وسكونها إنّما تصدران عن قواها.
وخامسها: النوم واليقظة.
وسادسها: الاستفراغ والاحتباس. قالوا: ويضطرّ إلى الاستفراغ؛ لأنّ بقاء البدن بدون الغذاء محال، وليس غذاء يستحيل بجملته إلى مشابهة جوهر الأعضاء، بل لابدّ أن يبقى منه عند كلّ هضم فضلة، وتلك الفضول إن بقيت في البدن، ولم يستفرغ، وأفسدت ما يصل إليه من الغذاء الجديد، فيجب أن يستفرغ ويخرج من البدن، وإلى الاحتباس؛ لأنّ البدن دائم التحلّل، فيحتاج دائما إلى بدل ما يتحلّل منه، ولا يمكن استعمال الغذاء دائما مستمرّا، فاحتيج بالضرورة إلى أن يحتبس الغذاء عند الأعضاء إلى أن يرد الغذاء الجديد، ولو أمكن استعمال الغذاء دائما لم يستغن عن هذا الاحتباس والادّخار؛ لأنّ الغذاء ليس شبيها بالأعضاء، فاحتيج في استحالته على مشابهتها على زمان طويل جدّا؛ ليتمّ انهضامه، ويتهيّأ استحالته إلى جوهرها، فاحتيج لذلك إلى الاحتباس. ۶
المقدّمة الرابعة: قال جالينوس ومن تبعه:
أنّ الروح يتولّد من الهواء المستنشق؛ فإنّه يروّح الحرارة الغريزيّة، ويردّها، ويكتسب هو أيضا منها حرارة يصير بذلك روحا ينفذ في الشرايين إلى الأعضاء، وهي الروح الحيواني، وجزء صالح منه يصعد إلى الدماغ، ويصير روحا نفسانيّا، وجزء ينفذ في شعبة من الأبهر النازل إلى جانب الكبد، ويصير روحا طبيعيّا. ۷
إذا عرفت هذا فنقول: لعلّ المراد بالطباع الأخلاط الأربعة، ويحتمل أن يراد ما يعمّ منها ومن الأسباب الضروريّة، والثاني أنسب بقوله عليه السلام : (فمنها الهواء).
أي الأولى من هذه الأربعة (الهواء الذي لا تحيا النفس إلّا به).
أي بذلك الهواء.
وقوله: «تحيا» من الحياة، والنفس ـ بسكون الفاء ـ : الروح، والجسد.
وفي بعض النسخ: «لا تجي? بالجيم، والمناسب حينئذٍ أن يكون النَفَس بالتحريك، وهو اسم وضع موضع المصدرين. نفّس تنفيسا ونفسا: أي فرح تفريحا.
(وبنسيمه).
قال الجوهري: «النسيم: الريح الطيّبة. ونسم الريح: أوّلها حين تقبل بلين قبل أن تشتدّ». ۸
أقول: المراد بنسيم الهواء التنفّس به والتروّح منه.
(ويخرج ما في الجسم من داء وعفونة).
في القاموس: «عَفِنَ الحبل ـ كفرح ـ عفنا وعفونةً: فسد، فتفتّت عند مسّه». ۹
وأنت إذا أحطت خبرا بما ذكرنا في المقدّمة الثانية والرابعة، لم يخف عليك كيفيّة النفس وما يترتّب عليه من الفوائد والآثار، وإن اُريد بالطبائع الأخلاط، فذكر الهواء وعدّه من الأربعة باعتبار أنّ له تأثيرا كاملاً في تولّد الأخلاط، وتكوينها، وحفظها إلى أن يترتّب المنافع المقصودة منها عليها، فكأنّه واحد منها، وقس عليه الأرض والطعام والماء.
(والأرض) أي الثانية من الأربعة الأرض.
ولعلّ المراد بها الأرض المجاورة للبدن. ويحتمل أن يكون المراد الأرض التي هي من جملة عناصر البدن وأركانه، أو الأرضيّة الداخلة في الأغذية الواردة عليه.
(التي قد تولّد اليبس والحرارة).
يُقال: ولدت المرأة توليدا، فولدت هي، والتوليد أيضا: التربية. ولعلّ تينك الكيفيّتين كناية عنهما؛ فإنّهما جميعا يابستان، وإن كانت الحرارة مختصّة بالصفراء، فتأمّل.
وحينئذٍ يكون المراد: أنّ الأرض متولّدة لتينك المرّتين.
هذا، واعلم أنّ الأرض لمّا كانت باردة يابسة، فتوليدها اليبس بطبعها في الأبدان وغيرها ظاهر. وأمّا توليدها الحرارة فيها، فقيل: إنّه لانعكاس أشعّة الشمس منهما على البدن. ۱۰
وقيل: لأنّ اليبوسة توجب جمود البدن المقتضي لاحتباس الحرارة الغريزيّة، وهي موجبة لقوّة المزاج.
وأقول: لا نزاع في أنّ الأرض التي تلينا خرجت عن البساطة الصّرفة، واختلطت بالأجزاء الهوائيّة والبخاريّة، بل قيل باختلاطها بالأجزاء الناريّة المكمونة فيها أيضا، فلعلّ استفادة الحرارة منها باعتبار تلك الأجزاء، مع أنّه لا دليل لهم على برودة الأرض سوى قولهم: إنّها لو خلّيت وطبعها، ولم تسخن بسبب غريب، ظهر منها برد محسوس، وقولهم: إنّها كثيفة، وما ذاك إلّا برودتها.
وردّ الأوّل بأنّه لا دليل لهم عليه، والتجربة لا تفي بذلك؛ إذ لائم خلوّ الأرض في زمانٍ من الأزمنة عمّا يبرّدها، وفرض الخلوّ لا يفيد. ودفع الثاني بأنّه يجوز أنّ كثافتها ليبوستها، على أنّ البرودة لا تنافي الحرارة الطبيعيّة كما في العسل، فحينئذٍ يجوز أن تتولّد الحرارة من الأرض بطبعها، كاليبوسة.
(والطعام) أي الثالث من الأربعة الطعام.
(ومنه يتولّد الدم) إشارة إلى السبب المادّي للدم، وكون الطعام مادّة لسائر الأخلاط أيضا، لا ينافي تخصيص بعضها بالذِّكر باعتبار كمال مدخليّته ذلك البعض أو استقلاله في تغذية البدن وبقاء الحياة وتكوّن الروح. أو نقول: وجه إفراده بالذِّكر باعتبار أنّه أوّل ما يتولّد من الغذاء، ثمّ يتولّد منه الصفراء والسوداء، كما يفهم من المقدّمة الاُولى.
فإن قلت: البلغم أيضا كذلك، فما وجه تخصيص الدّم بذلك؟
قلت: هذا الإيراد لا يرد على الوجه الأوّل أصلاً، وأمّا على الثاني فنقول: البلغم وإن تولّد أوّلاً إلّا أنّ مادّته الماء لا الغذاء، كما سيجيء، مع أنّه مولّد للسوداء فقط؛ فإنّها تتولّد من أيّ خلط كان حتّى من السوداء نفسها.
(ألاترى) من الرؤية القلبيّة، أي ألا تعلم بالأمارات المفيدة لليقين.
(أنّه) أي الطعام.
(يصير إلى المعدة) أي يرد عليها، ويدخل فيها.
قال الفيروزآبادي: «المِعدة [ككلمة و] ـ بالكسر ـ : موضع الطعام قبل انحداره إلى الأمعاء، وهو لنا بمنزلة الكرِش للأظلاف والأخفاف. الجمع: مَعِد، ككَتِف، وعِنَب». ۱۱
(فتغذّيه).
الضمير المستتر للمعدة، والبارز للطعام. والتغذية: التربية.
(حتّى يلين) من اللّين، على صيغة المعلوم؛ أو من التليين، على صيغة المجهول؛ أي حتّى يصير ذلك الطعام كيلوسا.
(ثمّ يصفو) أي يلطف ذلك الكيلوس.
(فتأخذ الطبيعة) أي تتناول، وتنجذب من ماساريقا.
(صفوه).
الصفو ـ بالفتح ـ : نقيض الكدر، والضمير للطعام الكيلوسي.
(دما) حال من الصفو، أو تمييز.
والمعنى أنّه في حالة أخذ الطبيعة له تصير دما بالتفصيل الذي مرّ في المقدّمة الاُولى، لا أنّه دم في أوّل أخذه.
(ثمّ ينحدر الثفل) من المَعِدة على الأمعاء.
قال في القاموس: «الثفل ـ بالضمّ ـ والثافل: ما استقرّ تحت الشيء من كدره. والثافل: الرجيع». ۱۲
وفي بعض النسخ: «الثقل» بالقاف.
(والماء) أي الرابع من تلك الأربعة الماء.
(وهو يولّد البلغم).
ظاهره أنّ الماء سبب مادّي للبلغم، والاستعاد في ذلك، كما يظهر ممّا نقلناه في الثانية من الأسباب الضروريّة الستّة، وإن أبيت فنقول: إنّ للماء مدخليّة تامّة في حصوله.
واعلم أنّ الظاهر من ذكر هذه الطبائع الأربع أن يطلب بعد الاطّلاع عليها ما هو الأوفق من الأهوية والأراضي والأغذية والأشربة، واُدخل في تعديل الروح ليكون حافظا للصحّة إن كانت، أو محدثا لهما إن لم تكن، وتفصيلها مسطور في الكتب الطبّيّة، فليراجع إليها مَن أراد الاطّلاع عليها، ففيه إشارة إجماليّة إلى الاحتياج بعلم الطبّ.

1.القاموس المحيط، ج ۳، ص ۵۸ (طبع) مع اختلاف يسير في اللفظ.

2.القانون، ج ۱، ص ۱۳.

3.القانون، ج ۱، ص ۱۷ و ۱۸ مع التلخيص واختلاف يسير في اللفظ.

4.القانون، ج ۱، ص ۱۸ مع اختلاف يسير في اللفظ.

5.القانون، ج ۱، ص ۱۹ و ۲۰ مع اختلاف يسير في اللفظ.

6.راجع: القانون، ج ۱، ص ۷۹ ومابعدها.

7.اُنظر: القانون، ج ۱، ص ۱۲.

8.الصحاح، ج ۵، ص ۲۰۴۰ (نسم) مع التلخيص.

9.القاموس المحيط، ج ۴، ص ۲۴۹ (عفن) مع التلخيص.

10.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۱۶۵.

11.القاموس المحيط، ج ۱، ص ۳۳۸.

12.القاموس المحيط، ج ۳، ص ۳۴۲ (ثفل) مع التلخيص.

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثالث
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید ؛ فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 264227
صفحه از 607
پرینت  ارسال به