متن الحديث الرابع والثلاثين والثلاثمائة
۰.عَنْهُ ، عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا ، قَالَ :قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : «لَا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ وَلِيجَةً ، فَلَا تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ؛ فَإِنَّ كُلَّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ وَقَرَابَةٍ وَوَلِيجَةٍ وَبِدْعَةٍ وَشُبْهَةٍ مُنْقَطِعٌ مُضْمَحِلٌّ كَالْغُبَارِ ۱ الَّذِي يَكُونُ عَلَى الْحَجَرِ الصَّلْدِ إِذَا أَصَابَهُ الْمَطَرُ الْجَوْدُ إِلَا مَا أَثْبَتَهُ الْقُرْآنُ» .
شرح
السند مرسل.
قوله: (لا تتّخذوا من دون اللّه وليجة).
قال الجوهري: «وليجة الرجل: خاصّته، وبطانته». ۲
ولعلّ المراد بقوله: «من دون اللّه » غير من كان منصوبا من قِبل اللّه ، كما يرشد إليه قوله تعالى في سورة التوبة: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمْ اللّه ُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّه ِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً»۳ .
قال البيضاوي: «أي بطانة يوالونهم ويفشون إليهم أسرارهم». ۴
ويفهم من الخبر كالآية أنّ من اتّخذ معتمدا عليه في الدِّين، وأمينا وصاحب سرّ فيه، وإماما لم يأذن اللّه تعالى في اتّخاذه، ويكون غرضه من ذلك الاتّخاذ إرضاؤه تعالى وسلوك طريقته، فهو خارج عن ربقة المؤمنين، كما صرّح به عليه السلام بقوله: (فلا تكونوا مؤمنين)
ثمّ أشار إلى علّة كون ذلك الاتّخاذ منشئا وسببا للخروج من عِداد أهل الإيمان بقوله: (فإنّ كلّ سبب ونسب)...
السبب: الحيل، وكلّ ما يتوصّل به إلى غيره، وتعلّق قرابة.
والنسب ـ محرّكة ـ والنِسبة، بالكسر وبالضمّ: القرابة مطلقا، أو من جانب الأب خاصّة.
والقرابة ـ بالفتح ـ : القُرب في النسب.
وقيل: النسب بالولادة، والقرابة بالرحم، وعطفها عليه إمّا للتفسير، أو من باب عطف العامّ على الخاصّ إن خصّ النسب بالأب وعمّمت القرابة بالأب والاُمّ، أو بالعكس إن خصّصت القرابة بالأقرب وعمّم النسب بالأقرب والأبعد. ۵
وقال الفيروزآبادي: «البدعة ـ بالكسر ـ : الحدث في الدِّين بعد الإكمال، أو ما استحدث بعد النبيّ صلى الله عليه و آله من الأهواء والأعمال». ۶
وقال: «الشُّبهة ـ بالضمّ ـ : الالتباس، والمثل» ۷ انتهى.
وقيل: الشبهة كلّ باطل مُزج بالحقّ، وأخذه الوهم بصورة الحقّ وجعله مثله. ۸
وفي القاموس: «اضمحل: ذهب، وانحلّ». ۹
وقال: «الصّلد ـ ويكسر ـ : الصلب الأملس». ۱۰
وقال: «الجود: المطر الغزير، أو ما لا مطر فوقه». ۱۱
(إلّا ما أثبته القرآن).
لعلّ الاستثناء منقطع، أي لكن ما أثبته القرآن من متابعة المعصومين المنصوبين من قِبل اللّه تعالى ورسوله بقوله تعالى: «أَطِيعُوا اللّه َ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ»۱۲ وقوله تعالى: «إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللّه ُ»۱۳ الآية، وقوله سبحانه: «كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ»۱۴ ونظائرها ثابت لا ينقطع ولا يزول. ويحتمل كونه متّصلاً ويكون استثناء من غير الآخرين، ويكون حاصل المعنى ـ كما قيل ۱۵ ـ : إنّ جميع هذه الاُمور ومنافعها لكونها من الاُمور الإضافيّة والاعتبارات الوضعيّة منقطعة بانقطاع الدُّنيا وفانية بفناء الأبدان، فمن اعتمد عليها، وركن إليها، وغفل عن الحقّ، بعد من الإيمان، واستحقّ الخسران، كما قال تعالى: «وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الْأَسْبَابُ»۱۶ . وقال: «فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ»۱۷ ، وقال: «يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ* وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ»۱۸«وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ»۱۹ ، إلى غير ذلك من الآيات والروايات إلّا ما أثبته القرآن منها؛ فإنّه ثابت أبدا، ومنافعها باقية غير منقطعة بانقطاع الدُّنيا ومفارقة النفوس من الأبدان، فيجب على المؤمن الطالب للخيرات الأبديّة والنجاة من العقوبات الاُخرويّة أن لا يتمسّك بالأسباب والأنساب والولائج التي تدعو إلى النار.
1.في الطبعة القديمة: «كما يضمحلّ الغبار».
2.الصحاح، ج ۱، ص ۳۴۸ (ولج).
3.. التوبة (۹): ۱۶.
4.تفسير البيضاوي، ج ۳، ص ۱۳۵.
5.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج ۱۲، ص ۳۲۲ مع اختلاف في اللفظ.
6.القاموس المحيط، ج ۳، ص ۴ (بدع).
7.القاموس المحيط، ج ۴، ص ۳۸۶ (شبه).
8.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج ۱۲، ص ۳۳۲.
9.القاموس المحيط، ج ۴، ص ۵ (ضمحل).
10.القاموس المحيط، ج ۱، ص ۳۰۸ (صلد).
11.القاموس المحيط، ج ۱، ص ۲۸۵ (جود).
12.. النساء (۴): ۵۹.
13.. المائدة (۵): ۵۵.
14.. التوبة (۹): ۱۱۹.
15.القائل هو المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج ۱۲، ص ۳۳۲.
16..البقرة (۲): ۱۶۶.
17.. المؤمنون (۲۳): ۱۰۱.
18.. عبس (۸۰): ۳۴ ـ ۳۶.
19.. المعارج (۷۰): ۱۳.