319
البضاعة المزجاة المجلد الثالث

البضاعة المزجاة المجلد الثالث
318

شرح

السند مجهول، أو ضعيف.
قوله: (اقنع بما قسم اللّه لك).
القناعة ـ بالفتح ـ : الرِّضا بالقسم والنصيب. وقيل: باليسير من الرزق. وقد قنع ـ كعلم ـ يقنع قناعة. والقنوع ـ بالضمّ ـ : السؤال، والتذلّل. وقد يكون بمعنى الرضا ضدّ، وفعله كمنع فيهما.
(ولا تنظر إلى ما عند غيرك) من حطام الدُّنيا وزخارفها.
والنظر: التأمّل بالعين، ولعلّه هنا كناية عن الطمع إليه، أو تمنّيه الموجبين لعدم الرضا بالنصيب أو ذلّ السؤال والطلب.
(ولا تتمنّ ما لست نائله).
النيل: الوجدان، والإصابة. وفعله كعلم، أي ما لم يقدر لك؛ لأنّه لا يصل اليك، وإن بذلت جهدك في تحصيله.
ويحتمل أن يُراد به ما يستحيل نيله وإصابته مطلقا. والأوّل أظهر وأنسب بالسياق.
(فإنّه من قنع) بما قسم اللّه له.
(شبع).
الشبع ـ كعنب ـ نقيض الجوع. والفعل منه كعلم. والمراد به هنا شبع العين والقلب الموجب لعدم النظر إلى ما في أيدي الناس والرِّضا بالنصيب المقدّر له.
(ومن لم يقنع لم يشبع).
لا بالقليل ولا بالكثير. وفي هاتين الفقرتين وذكرهما معا تنبيه على التلازم بين الشبع والقناعة، كالتلازم بين نقيضهما.
(وخُذ حظّك من آخرتك).
في القاموس: «الحظّ: النصيب، والجدّ، أو خاصّ بالنصيب من الخير والفضل». ۱
ولعلّ كلمة «من» للتعليل والتقدير من العمل لآخرتك، ويُراد بالآخرة العمل المتعلّق بها مجازا.
وقيل: فيه إشارة إلى أنّ القناعة لا توجب الكمال كلّ الكمال حتّى تقترن بالأعمال. ۲
(فقال أبو عبداللّه عليه السلام ).
في بعض النسخ: «وقال».
(أنفع الأشياء للمرء سبقه الناس إلى عيب نفسه).
الظاهر أنّ المراد أن يطّلع على عيب نفسه قبل اطّلاع غيره عليه. ويحتمل بعيد أن يطّلع على عيب نفسه قبل أن يرى عيب غيره.
وقيل في وجه كون ذلك أنفع الأشياء: إنّ النافع ما يوجب السعادة الاُخرويّة، والتقرّب من الحقّ، وهو إمّا التخلية عن العيوب والرذائل، أو التحلية بالأعمال الصالحة والفضائل. والأوّل أنفع وأقدم من الثاني، مع أنّه أيضا معين لسائر الأعمال في النفع والتأثير في الترقّي إلى المقامات العالية. ۳
(وأشدّ شيء مؤونة) أي أصعب الأشياء، وأقواها، وأسرعها من حيث الثقل وعدم التحمّل.
(إخفاء الفاقة) عن الناس وعدم إظهارها عندهم.
وقيل: لعلّ السرّ فيه أنّ المطلوب كلّما كان أقوى كان فراقه أشدّ، ومن البيّن أنّ أقوى مطالب النفس التذاذها بالغنى والراحة، وكلّ ذلك مفقود عند الفاقة، فهي أشدّ، وإخفاؤها أشدّ من غيرها. ۴
(وأقلّ الأشياء غناء).
في بعض النسخ: «غنى».
قال الفيروزآبادي: «الغِنى ـ كإلى ـ : ضدّ الفقر، وإذا فتح مدّ». ۵
وقال الجوهري: «الغناء ـ بالفتح ـ : النفع». ۶
(النصيحة لمن لا يقبلها).
قيل: لأنّه لا نفع في هذه النصيحة للمنصوح أصلاً، ولا للناصح؛ لأنّ النفع المقصود له أصالة تسديد المنصوح، وهو لم يقبله وإن كان له نفع من حيث إنّه ناصح، ولكنّه غير مقصود أصالة، ولهذا حكم بالقلّة.
(ومجاورة الحريص) بالجيم.
وفي بعض النسخ بالحاء المهملة.
يُقال: جاوره مجاورة، وجُوار ـ بالضمّ والكسر ـ أي صار جاره. والمحاورة: المجاوبة، ومراجعة النطق.
(وأروح الروح) أي أكثر الأشياء راحة للنفس والبدن.
(اليأس) أي قطع الأمل، وعدم الرّجاء (من الناس) والتوصّل إلى اللّه تعالى.
(وقال: لا تكن ضجرا) بكسر الجيم، أي متبرّما سئما عند المصائب والبلايا، يُقال: ضجرَ منه وبه ـ كفرح ـ وتضجّر، أي تبرّم، وقلق، من الهمّ، فهو ضجر، ككتف.
(ولا غلقا) بكسر اللّام.
قال في النهاية: «الغلق ـ بالتحريك ـ : ضيق الصدر، وقلّة الصبر. ورجلٌ غلق: سيّء الخلق». ۷
(وذلّل نفسك باحتمال من خالفك).
الذلّ ـ بالكسر والضمّ ـ : اللّين، وهو ضدّ الصعوبة.
والاحتمال: تحمّل الأذى والمكروه من الغير.
(ممّن هو فوقك) بالقدرة والاستيلاء.
(ومن له الفضل عليك) بالعلم والكمال، وأقدمهم وأشرفهم الأئمّة عليهم السلام ؛ فإنّ مخالفة هذين الصنفين توجب هلاك الدُّنيا في الاُولى، وهلاك الآخرة في الثاني.
وقيل: الظاهر أنّ المراد بمَن خالفه من كان فوقه بالعلم والكمال من الأئمّة عليهم السلام والعلماء من اتّباعهم، وما يأمرون به غالبا مخالف لشهوات الخلق، فالمراد بالاحتمال قبول قولهم، وترك الإنكار لهم، وإن خالف عقله. ويحتمل أن يكون المراد بمَن خالفه سلاطين الجور، وبمَن له الفضل أئمّة العدل، فالمراد احتمال أذاهم وترك مخالفتهم، ۸ فتأمّل.
ثمّ اعلم أنّه يحتمل أن يكون قوله: «ومن له الفضل» عطفا على قوله: «من خالفك»، ويكون قوله: (فإنّما أقررت بفضله لئلّا تخالفه) تفريعا على المعطوف، تنبيها على أنّ تذليل النفس بالنسبة إلى الفرقة الثانية إنّما هو الإقرار بفضلها المستلزم لعدم مخالفتها. ويحتمل كونه مبتدأ، وقوله: «فإنّما أقررت» خبره. ولا يبعد على التقديرين كون «إنّما» مع في حيّزه إنشاء بصورة الإخبار.
(ومن لا يعرف) أي لا يقرّ (لأحد) ممّن له الفضل عليه.
(الفضل) مفعول «لا يعرف».
قال الفيروزآبادي: «عرف له، أي أقرَّ». ۹
(فهو المعجَب) بفتح الجيم (برأيه) أي عدَّ رأيه وتخيّلاته الفاسدة حسنا، وتوهّماته الباطلة الناقصة كاملاً، كالمتصنّعين من علماء المخالفين.
قال الجوهري: «أعجبني هذا الشيء لحسنه، وقد أعجب فلان بنفسه، فهو مُعجَبٌ برأيه وبنفسه، والاسم: العُجب بالضمّ». ۱۰
وقال الفيروزآبادي: «اُعجب به عجب وسرّ كأعجبه». ۱۱
(وقال) أي أبو عبداللّه عليه السلام (لرجل: أحكم أمر دينك كما أحكم أهل الدُّنيا أمر دنياهم).
إحكام الأمر: إتقانه. وأمثال هذا التشبيه مَثَلٌ يُضرب لإكثار الأمر والمبالغة فيه كقوله: تعالى: «فَاذْكُرُوا اللّه َ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرا»۱۲ ، أحكم أمر دينك، وبالغ فيه بتحصيل العقائد الحقّة اليقينيّة والأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة واقتناء ذخائر الآخرة، إحكاما كإحكام أهل الدُّنيا أمر دنياهم بتحصيل المعرفة بطرق تحصيلها وصرف الهمّة باكتسابها وجمعها وضبطها وسدّ طرق طريان المفاسد عليها.
(فإنّما جعلت الدُّنيا).
«جعلت» على البناء للمفعول، أي صيّرت. وقوله عليه السلام : (شاهدا) مفعوله الثاني. وقوله: (يُعرف بها ما غاب عنها من الآخرة) صفة «شاهدا». و«من» بيان للموصول.
ولعلّ المراد: انظروا إلى نِعم الدُّنيا الفانية الزائلة، وحسنها وبهجتها ونضارتها، ولذّتها مع فنائها، وشوبها بالآلام والأسقام، واعرف بها قياسا عليها نِعَم الآخرة وأمتعتة الآخرة ولذّاتها الباقية الدائمة التي لا يحدّ ولا يوصف؛ فإنّ فيها ما لا عينٌ رأت، ولا اُذنٌ سمعت، ولا خطرَ على قلب بشر.
ويحتمل أن يكون المراد ـ كما قيل ـ كما أنّ زخارف الدُّنيا ومتشهياتها لا تحصل إلّا بالأسباب وتحمّل المشاق، كذلك نعيم الآخرة والنجاة من شدائدها وأهوالها لا تنال إلّا بالأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة.
(فاعرف الآخرة بها) أي مقته إلى الدُّنيا؛ فإنّها وما فيها معيار لمعرفة الآخرة ونعيمها.
(ولا تنظر إلى الدُّنيا إلّا باعتبار).
في بعض النسخ: «بالاعتبار».
قال الفيروزآبادي: «العبرة ـ بالكسر ـ : العَجَب. واعتبر منه: تعجّب». ۱۳
وقال بعض الشارحين:
قد تكرّر الأمر بالاعتبار في الأحاديث والأخبار، وهو من وجوه؛ فمنها: النظر إلى الدُّنيا وتغيّر أحوالها في أنفسها؛ فإنّه يوجب الانقطاع منها إلى الآخرة. ومنها: النظر إلى شدائدها الزائلة؛ فإنّه يوجب الانتقال إلى شدائد الآخرة الباقية، والتحرّز عمّا يوجبها. ومنها: النظر إلى نعيمها وزينتها الداثرة مع كونها مبغوضة؛ فإنّه يوجب الانتقال إلى كمال نعيم الآخرة وزينتها الدائمة والاجتهاد لها. ومنها: النظر إلى أحوال الماضين، وما كانوا فيه من نضرة الأحوال، وسعة الأرزاق والأموال، وقطع أيديهم منها اضطرارا بالموت، وسكونهم في التراب، وفراقهم من الأحباب، واشتغالهم بما معهم من الخير والشرّ، والثواب والعقاب؛ فإنّه يوجب تبرّد القلب منها، والميل إلى دار القرار والعمل لها. ومن ثمّ قيل: الدُّنيا واعظة لمَن اتّعظ منها، فمَن لم يتّعظ منها ولم يجعلها دليلاً على الآخرة فهو كالأنعام بل أضلّ. ۱۴

1.القاموس المحيط، ج ۲، ص ۳۹۴ (حظظ).

2.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج ۱۲، ص ۳۳۴.

3.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج ۱۲، ص ۳۳۴ مع اختلاف يسير في اللفظ.

4.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج ۱۲، ص ۳۳۴.

5.القاموس المحيط، ج ۴، ص ۳۷۱ (غني) مع التلخيص.

6.الصحاح، ج ۶، ص ۲۴۴۹ (غني).

7.النهاية، ج ۳، ص ۳۸۰ (غلق).

8.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۲۰۹.

9.القاموس المحيط، ج ۳، ص ۱۷۳ (عرف).

10.الصحاح، ج ۱، ص ۱۷۷ (عجب).

11.القاموس المحيط، ج ۱، ص ۱۰۱ (عجب).

12..البقرة (۲): ۲۰۰.

13.القاموس المحيط، ج ۲، ص ۸۳ (عبر).

14.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج ۱۲، ص ۳۳۵ مع اختلاف يسير في اللفظ.

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثالث
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید ؛ فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 268031
صفحه از 607
پرینت  ارسال به