335
البضاعة المزجاة المجلد الثالث

البضاعة المزجاة المجلد الثالث
334

متن الحديث الأربعين والثلاثمائة

۰.حَنَانٌ ، عَنْ أَبِيهِ :عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام ، قَالَ : «كَانَ النَّاسُ أَهْلَ رِدَّةٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله إِلَا ثَلَاثَةً».
فَقُلْتُ : وَمَنِ الثَّلَاثَةُ؟
فَقَالَ : «الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَأَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِيُّ وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ رَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْهِمْ ، ثُمَّ عَرَفَ أُنَاسٌ بَعْدَ يَسِيرٍ».
وَقَالَ : «هؤُلَاءِ الَّذِينَ دَارَتْ عَلَيْهِمُ الرَّحى ، وَأَبَوْا أَنْ يُبَايِعُوا حَتّى جَاؤُوا بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام مُكْرَها فَبَايَعَ ، وَذلِكَ قَوْلُ اللّهِ عَزَّوَجَلَّ : «وَما مُحَمَّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئا وَسَيَجْزِى اللّهُ الشّاكِرِينَ»۱ » .

شرح

قوله: (حنان، عن أبيه)؛ يعني بالإسناد السابق إلى حنان بن سدير، عن أبيه.
(عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان الناس أهل ردّة بعد النبيّ صلى الله عليه و آله إلّا ثلاثة).
في القاموس: «الردّة: القبح وبالكسر: الاسم من الارتداد». ۲
وقال بعض الأفاضل:
قد روى ارتداد الصحابة جميع المخالفين في كتب أخبارهم، ثمّ حكموا بأنّ الصحابة كلّهم عدول، وقد روى في المشكوة وغيره من كتبهم عن ابن عبّاس عن النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه قال: «إنّ اُناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: أصحابي أصحابي، فيُقال: إنّهم لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم، فأقول كما قال العبد الصالح: «وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدا مَا دُمْتُ فِيهِمْ... إلى قوله: الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»۳ . ۴
(فقلت: ومَن الثلاثة؟ فقال: المقداد بن الأسود وأبو ذرّ الغفاري) بكسر الغين (وسلمان الفارسي رحمة اللّه وبركاته عليهم).
روى القرطبي من العامّة في شرح مسلم قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إنّ اللّه أمرني أن اُحِبّ أربعة، وأخبرني أنّه يحبّهم: عليّ وأبو ذرّ والمقداد وسلمان». ۵
وروى الكشّي عن عليّ بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي، قال: قال أبو جعفر عليه السلام : «ارتدّ الناس إلّا ثلاثة نفر: سلمان وأبو ذرّ والمقداد» فقلت: فعمّار؟ قال: «[قد ]كان جاض جيضة، ثمّ رجع» ثمّ قال: «إن أردت الذي لم يشكّ ولم يدخله شيء فالمقداد». ۶
(ثمّ عرف اُناس) أي صاروا عارفا بأنّ الحقّ مع عليّ عليه السلام ، أو أقرّوا بإمامته.
قال الفيروزآبادي: «عرف له: أقرّ» ۷ انتهى. والاُناس ـ بالضمّ ـ لغة في الناس.
(بعد يسير).
الظاهر أنّ «بعد» منصوب على الظرفيّة، و«يسير» مجرور بالإضافة، أي بعد زمانٍ قليل.
ويحتمل كون «بعد» مبنيّا على الضمّ، و«يسير» بالرفع على أنّه صفة «اُناس»، أي قليل من الناس.
(وقال: هؤلاء الذين).
لفظ «الذين» ليست في بعض النسخ.
(دارت عليهم الرّحى) أي استدار عليهم رحى الإيمان والإسلام ونصرة الحقّ، شبّههم بقطب الرحى في توقّف نظام الدِّين، وانتظام أحوال المسلمين بوجودهم، وهذا مثلٌ ساير يُضرب للرونق والرواج. ويحتمل أن يكون المراد رحى نظام العالم لكونهم من الأوتاد.
(وأَبَوْاِ) تلك الثلاثة (أن يبايعوا) مع أبي بكر (حتّى جاؤوا) أي أصحاب أبي بكر (بأمير المؤمنين عليه السلام مُكرها) بفتح الراء، فبايع عليه السلام .
والحاصل: أنّهم امتنعوا من المبايعة مع أبا بكر حتّى أكرهوا أمير المؤمنين عليه السلام عليها، فلمّا بايع مُكرها بايع الثلاثة بعده مُكرهين.
(وذلك) أي ارتداد أكثر الاُمّة بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه و آله ، وبقاء قليل منهم على الإيمان إقرارا بنعمة الولاية وشكرا عليها.
(قول اللّه عزّ وجلّ) في سورة آل عمران: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ» .
قال البيضاوي:
يعني فسيخلوا، كما خلوا بالموت، أو القتل.
«أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ» إنكار لارتدادهم وانقلابهم على أعقابهم عن الدِّين؛ لخلوّه بموت، أو قتل، بعد علمهم بخلوّ الرُّسل قبله، وبقاء دينهم متمسّكا به.
وقيل: الباء للسببيّة، والهمزة لإنكار أن يجعلوا خلوّ الرسل قبله سببا لانقلابهم على أعقابهم بعد وفاته.
وروي: أنّه لمّا رمى عبداللّه بن قميئة الحارثي رسول اللّه صلى الله عليه و آله بحجر، فكسر رباعيّته، وشجّ وجهه، فذبّ عنه مصعب بن عمير، وكان صاحب الراية، حتّى قتله ابن قميئة، وهو يرى أنّه قتل النبي صلى الله عليه و آله ، فقال: قد قتلت محمّدا صلى الله عليه و آله ، وصرخ صارخٌ: ألا أنّ محمّدا قد قُتل. فانكفأ الناس، وجعل الرسول صلى الله عليه و آله يدعو إلى عباد اللّه ، فانحاز إليه ثلاثون من أصحابه، وحَمَوهُ حتّى كشفوا عنه المشركين وتفرّق الباقون. وقال بعضهم: ليت ابن اُبيّ يأخذ لنا أمانا من أبي سفيان. وقال اُناس من المنافقين: لو كان نبيّا لما قُتل ارجعوا إلى إخوانكم ودينكم. فقال أنس بن النضر عمّ أنس بن مالك: يا قوم، إن كان قُتل محمّد، فإنّ ربّ محمّد حيٌّ لا يموت، وما تصنعون بالحياة بعده؟ فقاتلوا على ما قاتل عليه. ثمّ قال: اللَّهُمَّ إنّي أعتذرُ إليك ممّا يقولون وأبرأُ منه. وشدَّ بسيفه، فقاتل حتّى قُتِل، فنزلت: «وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّه َ شَيْئا» ؛ بارتداده، بل يضرّ نفسه.
«وَسَيَجْزِي اللّه ُ الشَّاكِرِينَ» على نعمة الإسلام بالثبات عليه، كأنس وأضرابه. ۸
انتهى كلام البيضاوي.
وأقول: يفهم من هذا الخبر ويستفاد أيضا من بعض الأخبار أنّ قوله تعالى: «انْقَلَبْتُمْ» استفهام في معنى الإخبار.

1.آل عمران (۳): ۱۴۴.

2.القاموس المحيط، ج ۱، ص ۲۹۴ (ردد).

3.. المائدة (۵): ۱۱۷ ـ ۱۱۸. والخبر في: صحيح البخاري، ج ۴، ص ۱۱۰؛ عمدة القاري، ج ۱۵، ص ۲۴۱، ح ۹۴۳۳.

4.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۲۱۴.

5.لم نعثر على الشرح المذكور.

6.رجال الكشي، ص ۱۱، ح ۲۴.

7.القاموس المحيط، ج ۳، ص ۱۷۳ (عرف) مع التلخيص.

8.تفسير البيضاوي، ج ۲، ص ۹۸ و ۹۹.

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثالث
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید ؛ فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 238443
صفحه از 607
پرینت  ارسال به