متن الحديث التاسع والأربعين والثلاثمائة
۰.عَنْهُ۱، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَبَلِ لَمْ يُسَمِّهِ ، قَالَ :قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ عليه السلام : «عَلَيْكَ بِالتِّلَادِ ، وَإِيَّاكَ وَكُلَّ مُحْدَثٍ لَا عَهْدَ لَهُ وَلَا أَمَانَةَ وَلَا ذِمَّةَ وَلَا مِيثَاقَ ، وَكُنْ عَلى حَذَرٍ مِنْ أَوْثَقِ النَّاسِ فِي نَفْسِكَ ؛ فَإِنَّ النَّاسَ أَعْدَاءُ النِّعَمِ» .
شرح
السند مجهول.
قوله: (عنه) أي عن يحيى الحلبي.
(عن ابن مسكان، عن رجل من أهل الجبل لم يسمّه).
الضمير المستتر لابن مسكان، والبارز للرجل. قال في القاموس: «بلاد الجبل: مُدُن بين أذربايجان وعراقي العرب وخوزستان وفارس وبلاد الديلم». ۲
وقوله: (بالتلاد) بكسر التاء.
قال الجوهري: «التالد: المال القديم الأصلي الذي ولد عندك، وهو نقيض الطارف، وكذلك التِلاد والإتلاد. وأصل التاء فيه واو، وتقول منه: تلد المال يتّلد ويتلد تلودا» ۳ .
(وإيّاك وكلّ محدث لا عهد له ولا أمانة ولا ذمّة ولا ميثاق).
الحدوث: كون الشيء لم يكن، وأحدثه اللّه فهو مُحدَث.
والعهد: الوصيّة، والموثّق، واليمين، والحفاظ، ورعاية الحرمة، والأمان، والالتقاء، والمعرفة، والوفاء، والضمان.
والأمانة: ضدّ الخيانة.
والذمّة ـ بالكسر ـ : العهد، والكفالة.
والميثاق: العهد، وأصل الياء فيه واو.
ولعلّ المراد: عليك بمصاحبة الصاحب القديم المجرّب الذي جرّبته مرّةً بعد اُخرى، وبينك وبينه ذِممٌ وعهود ومواثيق، وتحقّق لك وثبت عندك أمانته، واحذر عن مصاحبة كلّ صاحب جديد لا عهد له معك، ولم تعرف له أمانة، ولم يحصل بينك وبينه ذمّة ولا ميثاق.
وقيل: يحتمل أن يكون أخذ التالد كناية عن متابعة أئمّة الهُدى عليهم السلام ؛ فإنّ حقّهم وحرمتهم وأمانتهم ووجوب متابعتهم وعلمهم وكمالهم كلّها تالد قديم، ورثوا عن آبائهم الكرام إلى آدم عليهم السلام ، والمحدث عبارة عن أئمّة الجور الذين لم يعهد خلافتهم عن الرسول صلى الله عليه و آله ، وإنّما حدثت بعده صلى الله عليه و آله باتّفاق أهل الحيل، فلا عهد لهم من الرسول صلى الله عليه و آله على الناس فيهم، وليس لهم أمانة يصلحون لأن يؤتمنوا على أديان المسلمين وأحكامهم، ولا ذمّة، أي حرمة، أي لا يفون بذمام وأمان، ولا ميثاق أخذ اللّه لهم على الخلق، كما أخذ لأئمّة الحقّ، أو لا يفون بميثاق. أو المراد بالتالد ما وافق من الأديان والشرائع وأحكام الكتاب والسنّة، وبالمحدث كلّ ما ابتدع من ذلك، وتطبيق باقي الفقرات عليه ظاهر، بما مرّ من التقريب، انتهى. ۴
وقال بعض الشارحين:
هذه النصيحة يندرج فيها اُمور، منها: التمسّك بالأحكام الشرعيّة، والخلافة النبويّة، والولاية الإماميّة الثابتة بالنصّ والوحي في عهد النبيّ صلى الله عليه و آله ، وترك ما سواها ممّا حدث بعده صلى الله عليه و آله بالآراء البشريّة. ۵
وقال:
الفرق بين العهد وما عطف عليه دقيق. ولعلّ المراد بالعهد تذكّر الحقوق ورعايتها والأمر بها، وبالأمانة ردّ حقّ الغير إليه، وبالذمّة حفظ ما يجب حفظه، وبالميثاق الوفاء بالعهود والأيمان وغيرها. ثمّ أمر عليه السلام بالحذر والتحرّز من أشدّ الناس وثوقا ائتمانا فضلاً عن غيره، وأمر بكتمان الأسرار والعقائد والضمائر وغيرها ممّا يكون في إظهاره وإفشائه مفسدة دنيّة أو دنيويّة. ۶
وقال: (وكُن على حذرٍ من أوثق الناس في نفسك) أي في قلبك وخاطرك، أو عندك.
وقال البيضاوي في تفسير قوله تعالى: «تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِى وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ»۷ : «تعلم ما أخفيه في نفسي، ولا أعلم ما تخفيه من معلوماتك». ۸
وقال الفيروزآبادي: «النفس: العند. «تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِى وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ» أي ما عندي وما عندك». ۹
ثمّ علّل الأمر بالحذر بقوله: (فإنّ الناس أعداء النِّعم) جمع النِعمة، بالكسر؛ أي يريدون زوالها حسدا، ويجتهدون فيه، ويتعاونون عليه، أو يفعلون ما يوجب زوالها، وإن كان بجهالتهم، ولذلك ينبغي أن يكون الإنسان محترزا من أصدقائه؛ إذ لعلّه يكون فيه هذه السجيّة الذميمة، فيخدعه، ويدلّه على ما يوجب زوال نعمته، وربّما يغويه بجهالته عن طريق الرّشد والصواب، ويفسد أمره ويرى أنّه مصلح.
1.الضمير راجع إلى يحيى الحلبيّ المذكور في السند السابق.
2.القاموس المحيط، ج ۳، ص ۳۴۴ (جبل).
3.الصحاح، ج ۲، ص ۴۵۰ (تلد).
4.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۲۲۴ مع اختلاف يسير في اللفظ.
5.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج ۱۲، ص ۳۴۵.
6.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج ۱۲، ص ۳۴۵ مع التصرّف واختلاف في اللفظ.
7.. المائدة (۵): ۱۱۶.
8.تفسير البيضاوي، ج ۲، ص ۴۸۳ مع التلخيص.
9.القاموس المحيط، ج ۲، ص ۲۵۵ (نفس) مع التلخيص.