427
البضاعة المزجاة المجلد الثالث

متن الحديث السادس والسبعين والثلاثمائة

۰.حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَسْبَاطٍ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ مِسْكِينٍ ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ صُهَيْبٍ :عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عليه السلام ، قَالَ : «سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام يَقُولُ : إِنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أَقْبَلَ يَقُولُ لِأَبِي بَكْرٍ فِي الْغَارِ : اسْكُنْ فَإِنَّ اللّهَ مَعَنَا ، وَقَدْ أَخَذَتْهُ الرِّعْدَةُ وَهُوَ لَا يَسْكُنُ ، فَلَمَّا رَأى رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله حَالَهُ قَالَ لَهُ : تُرِيدُ أَنْ أُرِيَكَ أَصْحَابِي مِنَ الْأَنْصَارِ فِي مَجَالِسِهِمْ يَتَحَدَّثُونَ ، فَأُرِيَكَ ۱ جَعْفَرا وَأَصْحَابَهُ فِي الْبَحْرِ يَغُوصُونَ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَمَسَحَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِيَدِهِ عَلى وَجْهِهِ ، فَنَظَرَ إِلَى الْأَنْصَارِ يَتَحَدَّثُونَ ، وَنَظَرَ إِلى جَعْفَرٍ عليه السلام وَأَصْحَابِهِ فِي الْبَحْرِ يَغُوصُونَ ، فَأَضْمَرَ تِلْكَ السَّاعَةَ أَنَّهُ سَاحِرٌ» .

شرح

السند مجهول.
قوله: (يقول لأبي بكر في الغار).
الغار: الكهف في الجبل.
(اسكن فإنّ اللّه معنا) بالعصمة والمعونة. وهذا إشارة إلى قوله تعالى: «ثَانِىَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ»۲ الآية.
(وقد أخذته الرعدة) الضمير لأبي بكر. وقال الفيروزآبادي: «ارتعد: اضطرب. والاسم: الرعدة، بالكسر والفتح». ۳
(وهو) أي أبو بكر.
(لا يسكن) أي لا يستقرّ، ولا يطمأنّ من الخوف والاضطراب.
(فلمّا رأى رسول اللّه صلى الله عليه و آله حاله) من الاضطراب وعدم السكون.
(قال له: تريد).
قال الجوهري: «الإرادة: المشيّة، وأصلها الواو». ۴
(أن اُريك أصحابك من الأنصار) جمع ناصر. وغلب على جماعة من أهل مدينة بايعوا رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وآمنوا به بمكّة، ثمّ آووه ونصروه بعد مهاجرته صلى الله عليه و آله بمدينته.
(في مجالسهم) بمدينة (يتحدّثون، فاُريك جعفرا)؛ هو جعفر بن أبي طالب بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف.
(وأصحابه) هم الذين هاجروا معه إلى حبشة.
(في البحر يغوصون) أصل الغوص النزول تحت الماء. والمراد هاهنا المسافرة في البحر.
(فأضمر) أي أخفا أبو بكر في ضميره وخاطره.
(أنّه) يعني رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
(ساحر).
في القاموس: «السّحر ـ بالكسر ـ : كلّ ما لطُف مأخذه ودقّ. والفعل كمنع. وسحر ـ كمنع ـ : خَدَعَ». ۵
واعلم أنّ العامّة استدلّوا بآية الغار على فضيلة أبي بكر على سائر الأصحاب بوجوه ركيكة واهية، منها: أنّ اللّه تعالى سمّاه صاحب رسول اللّه صلى الله عليه و آله . ومنها: قوله تعالى: «إِنَّ اللّه َ مَعَنَا» ، ومنها قوله: «فَأَنزَلَ اللّه ُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ» .
قال البيضاوي: «السكينة» الأمنة التي يسكن عندها القلوب، وضمير «عليه» راجع إلى النبيّ صلى الله عليه و آله ، أو إلى صاحبه. قال: والثاني أظهر؛ لأنّه كان منزعجا». ۶
أقول: إنّ اللّه ـ عزّ وجلّ ـ سمّى الكافر صاحبا للنبيّ صلى الله عليه و آله في قوله تعالى: «يَا صَاحِبَىِالسِّجْنِ»۷ . وللمؤمن في قوله: «فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ»۸ ، وسمّى المؤمن صاحبا للكافر في قوله جلّ طوله: «قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ»۹ الآية. وقد اشتهر في العرف تسمية الحمار والجمار والكلب وأمثالها صاحبا، فظهر أن ليس في لفظ الصاحب دلالة على أصل إيمانه فضلاً عن فضله وإيقانه. وكذا في قوله: «معنا». قال اللّه تعالى: «مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ»۱۰ ، وإرجاعهم ضمير «عليه» إلى أبي بكر خطأ فاحش خارج عن اُسلوب العربيّة؛ فإنّ الضمائر قبله وبعده تعود إلى النبيّ صلى الله عليه و آله جزما واتّفاقا، وهي قوله تعالى سابقا: «إِلَا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّه ُ» . ۱۱ وقوله: «إِذْ أَخْرَجَهُ» وقوله: «لِصَاحِبِهِ» وقوله فيما بعده: «وَأَيَّدَهُ» . فكيف يجوز أن يتخلّل بينها ما يعود إلى غيره؟ بل الآية تدلّ على عدم إيمانه دلالة ظاهرة؛ لأنّ اللّه تعالى كلّما ذكر إنزال السكينة على الرسول صلى الله عليه و آله ضمّ إليه المؤمنين، ففي سورة التوبة في قصّة حنين: «ثُمَّ أَنزَلَ اللّه ُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ»۱۲ وهم أمير المؤمنين عليه السلام والذين ثبتوا معه تحت الراية.
وقيل: إنّهم ثمانون رجلاً، وقد ثبت عند الفريقين أنّ العمرين ليسا منهم، بل كانا من المنهزمين.
وفي سورة الفتح: «فَأَنْزَلَ اللّه ُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ»۱۳ ، فظهر أنّ تخصيص الرسول هنا بإنزال السكينة حيث لم يقل عليهما، أو ما يجري مجراه، إنّما هو لعدم إيمانه، ۱۴ وأيضا خوفه واضطرابه يدلّ على عدم إيقانه بما وعد اللّه رسوله من النجاة والفتح والنصرة، بل كان ذلك إضرارا وتخويفا للنبيّ صلى الله عليه و آله لولا ما أنزل اللّه على رسوله من السكينة. وأيضا أيّ فضيلة لمَن هرب من الجهاد خوفا على نفسه وترك رسول اللّه صلى الله عليه و آله وخذله؟ وهل يقابل عاقل بين ما فعل أمير المؤمنين عليه السلام في وقائع كثيرة حيث فدى بمهجته، ووقا رسول اللّه صلى الله عليه و آله بنفسه، ولم يهرب ولم ينهزم قطّ من حضرته؟ وما يتذكّر إِلَا اُولُوا الاَلْباب.

1.في أكثر نسخ الكافي والوافي: «واُريك».

2.. التوبة (۹): ۴۰.

3.القاموس المحيط، ج ۱، ص ۲۹۵ (رعد).

4.الصحاح، ج ۲، ص ۲۹۵ (رود).

5.القاموس المحيط، ج ۲، ص ۴۵ (سحر) مع التلخيص.

6.تفسير البيضاوي، ج ۳، ص ۱۴۶ مع اختلاف في اللفظ.

7.. يوسف (۱۲): ۳۹.

8.. الكهف (۱۸): ۳۴.

9.. الكهف (۱۸): ۳۷.

10.. المجادلة (۵۸): ۷.

11.. التوبة (۹): ۴۰.

12.. التوبة (۹): ۲۶.

13.. الفتح (۴۸): ۲۶.

14.اُنظر: مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۲۵۵.


البضاعة المزجاة المجلد الثالث
426
  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثالث
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید ؛ فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 238450
صفحه از 607
پرینت  ارسال به