465
البضاعة المزجاة المجلد الثالث

شرح

السند صحيح.
قوله: (سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول اللّه عزّ ذكره: «الم * غُلِبَتْ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ» ).
قال البيضاوي:
أي أدنى أرض العرب منهم؛ لأنّها الأرض المعهودة عندهم، أو في أدنى أرضهم من العرب، واللّام بدل من الإضافة.
«وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ» . «من» إضافة المصدر إلى المفعول.
«سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ» . روي أنّ فارس غزوا الروم، فوافوهم بأذرعات وبُصرى، وقيل بالجزيرة، وهي أدنى أرض الروم من الفرس، فغلبوا عليهم، وبلغ الخبر مكّة، ففرح المشركون، وشَمِتوا بالمسلمين وقالوا: أنتم والنصارى أهل كتاب، ونحن وفارس اُميّون، وقد ظهر إخواننا على إخوانكم، ولنظهرنّ عليكم، فنزلت، فقال لهم أبو بكر: لا يقرنّ اللّه أعينكم، فواللّه لتظهرنّ الروم على فارس بعد بضع سنين، فقال له اُبيّ بن خلف: كذبت، اجعل بيننا أجلاً اُنَاحِبُكَ عليه، فناحبه على عشر قلائص من كلّ واحد منهما، وجعل الأجل ثلاث سنين، فأخبر أبو بكر رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال: البضع ما بين الثلاث إلى التسع، فزايده في الخطر ومادّة في الأجل، فجعلاه مائة قلوص إلى تسع سنين، ومات اُبيّ من جرح رسول اللّه صلى الله عليه و آله بعد قُفُوله من اُحد، وظهرت الروم على الفارس يوم الحديبيّة، فأخذ أبو بكر الخطر من ورثة اُبيّ، وجاء به إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله فقال: تصدّق به، والآية من دلائل النبوّة؛ لأنّها إخبار عن الغيب.
وقرئ: «غَلَبَتْ» بالفتح، و«سيُغلَبون» بالضمّ، ومعناه: أنّ الروم غلبوا على ريف الشام والمسلمون سيغلبوهم، وفي السنة التاسعة من نزوله غزاهم المسلمون وفتحوا بعض بلادهم، وعلى هذا تكون إضافة الغَلَب إلى الفاعل.
«للّه ِِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ» ؛ من قبل كونهم غالبين وهو وقت كونهم مغلوبين، ومن بعد كونهم مغلوبين وهو وقت كونهم غالبين، أي له الأمر حين غلبوا وحين يغلبون، ليس شيء منهما إلّا بقضائه. وقرئ: «من قبلٍ ومن بعدٍ» من غير تقدير مضاف إليه، كأنّه قيل: قبلاً وبعدا، أي أوّلاً وآخرا.
«وَيَوْمَئِذٍ» يوم يغلب الروم.
«يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللّه ِ» من له كتاب على من لا كتاب له، لما فيه من انقلاب التفّاؤل وظهور صدقهم فيما أخبروا به المشركين، وغلبتهم في رهانهم، وازدياد يقينهم وثباتهم في دينهم. وقيل: بنصر اللّه المؤمنين بإظهار صدقهم، أو بأن وَلَى بعض أعدائهم بعضا حتّى تفانوا.
«يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ» ؛ فينصر هؤلاء مرّة وهؤلاء اُخرى. ۱
انتهى كلام البيضاوي.
وروي عن البغوي أنّه قال: كان سبب غلبة الروم فارس ـ على ما قال عكرمة ـ : أنّ شهريراز رئيس كسرى بعدما غلبت الروم لم يزل ليطأهم، ويخرّب مدائنهم، حتّى بلغ الخليج، فبينما أخوه فرخان جالس ذات يوم يشرب قال فرخان لأصحابه: لقد رأيت كأنّي جالس على سرير كسرى فبلغت كلمته كسرى فكتب إلى شهريار: إذا أتاك كتابي فابعث إليَّ برأس فرخان، فكتب إليه: أيّها الملك إنّك لن تجد مثل فرخان إنّ له قوّةً وصوتا في العَدْو فلا تغفل، فكتب إليه أنّ في رجال فارس أعلى منه، فعجِّل عليَّ برأسه، فراجعه، فغضب كسرى ولم يجبه، وبعث بريدا إلى أهل فارس إنّي قد نزعت عنكم شهريراز واستعملت عليكم فرخان، ثمّ دفع إلى البريد صحيفة صغيرة وأمره فيها بقتل شهريراز، فقال: إذا ولّى فرخان الملك فأعطه، فلمّا قرأ شهريراز الكتاب قال: سمعا وطاعة، ونزل عن سريره وجلس فرخان ورفع إليه الصحيفة، فقال: ايتوني بشهريراز، فقدّمه ليضرب عنقه. فقال: لا تعجل، وأعطاه ثلاث صحائف، وقال: كلّ هذا رجعت فيك كسرى، وأنت تريد أن تقتلني بكتابٍ واحد، فردّ المُلك إلى أخيه، وكتب شهريراز إلى قيصر ملك الروم: إنّ لي إليك حاجة، لا تحملها البُردُ، ولا تبلغهما الصُحُف، فالقني في خمسين روميّا؛ فإنّي ألقاك في خمسين فارسيّا. فالتقيا في قبّة ديباج ضُربت لهما، ومع كلّ واحد منهما سكّين، فدَعَيا بترجمان بينهما، فقال شهريراز: إنّ الذين خرّبوا مدائنك أنا وأخي بكيدنا وشجاعتنا، وإنّ كسرى حسدنا وأراد أن أقتل أخي، فأبيت، ثمّ أمر أخي أن يقتلني، فقد خلعناه جميعا، فنحن نقاتله معك.
قال: قد أصبتما، ثمّ أشار أحدهما إلى صاحبه أنّ السرّ إذا جاوز اثنين فشا، فقتلا الترجمان معا بسكّينهما، فأديلت الروم عند ذلك [على فارس]، فاتّبعوهم، فقتلوهم، فمات كسرى، وجاء الخبر إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله يوم الحديبيّة، ففرح من معه بذلك. ۲
(قال: فقال أبا عبيدة، إنّ لهذا) أي لهذه الآية، والتذكير باعتبار القول.
(تأويلاً) أي تفسيرا ومرجعا.
(لا يعلمه إلّا اللّه والراسخون في العلم) أي الذين تثبّتوا وتمكّنوا فيه، يُقال: رسخ الشيء ـ كمنع ـ رسوخا، أي ثبت، واستحكم.
وقوله عليه السلام : (من آل محمّد صلى الله عليه و آله ) بيان للراسخين في العلم.
ثمّ أراد عليه السلام أن يبيّن تأويله على وفق تنزيله بقوله: (إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمّا هاجر إلى المدينة) من مكّة (وأظهر الإسلام).
في بعض النسخ: «وظهر» بدون الألف.
(كتب إلى ملك الروم) وكان اسمه: هرقل، وزان بِسجلَ وزبرج.
(كتابا، وبعث به)؛ الباء للتعدية.
(مع رسول) وكان اسمه: دحية بن خليفة الكلبي.
(يدعوه) أي يدعو رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أو ذلك الرسول ملك الروم.
(إلى الإسلام).
روي أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله لمّا بعث دحية الكلبي أمره أن يأتي حاكم بُصرى، ويسأل منه أن يبعث معه من يوصله إلى هرقل، وكان هرقل أتى لزيارة بيت المقدس إلى الشام، فأرسل معه رجلاً حتّى أوصله إلى هرقل. ۳
وقال قطب الدِّين الراوندي: روي أنّ دحية الكلبي قال: بعثني رسول اللّه صلى الله عليه و آله بكتاب إلى قيصر، فأرسل إلى الاُسقف، فأخبره بمحمّد صلى الله عليه و آله وكتابه، فقال: هذا النبيّ الذي كنّا ننتظره بشّرنا به عيسى بن مريم، وقال الاُسقف: أمّا أنا فمصدّقه ومتّبعه، فقال قيصر: أمّا أنا إن فعلت ذلك ذهب ملكي.
ثمّ قال قيصر: التمسوا من قومه هاهنا أحدا أسأله عنه، وكان أبو سفيان وجماعة من قريش دخلوا الشام تجّارا فأحضرهم وقال: ليدن منّي أقربكم نسبا به، فأتاه أبو سفيان فقال: أنا سائلٌ عن هذا الرجل الذي يقول إنّه نبيّ، ثمّ قال لأصحابه: إن كذب فكذّبوه، قال أبو سفيان: لو لا حيائي أن يأثر أصحابي عنّي الكذب أخبرته بخلاف ما هو عليه، فقال: كيف نسبه فيكم؟
قلت: ذو نَسَب.
قال: هل قال هذا القول فيكم أحد؟
قلت: لا.
قال: فهل كنتم تتّهمونه بالكذب قبلُ؟
قلت: لا.
قال: فهل أشراف الناس اتّبعوه أو ضعفاؤهم؟
قلت: ضعفاؤهم.
قال: فهل يزيدون، أو ينقصون؟
قلت: يزيدون.
قال: يرتدّ أحدٌ منهم سخطا لدينه؟
قلت: لا.
قال: فهل قاتلتموه؟
قلت: نعم.
قال: فكيف حربكم وحربه؟
قلت: ذو سجال مرّة له ومرّة عليه.
قال: هذه آية النبوّة.
قال: فما يأمركم؟
قلت: يأمرنا أن نعبداللّه وحده ولا نُشرك به شيئا، وينهانا عمّا كان يعبدُ آباؤنا، ويأمرنا بالصلاة والصوم والعفاف والصدق وأداء الأمانة والوفاء بالعهد.
قال: هذه صفة نبيّ، وقد كنتُ أعلم أنّه يخرج لم أظنّ أنّه منكم، فإنّه يوشك أن يملك ما تحت قدميّ هاتين، ولو أرجو أن أخلص إليه لتجشّمت لقاءه، ولو كنتُ عنده لقبّلت قدميه، وأنّ النصارى اجتمعوا على الاُسقف ليقتلوه.
فقال: اذهب إلى صاحبك، فاقرأ عليه سلامي، وأخبره أنّي أشهدُ أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمّدا رسول اللّه ، وأنّ النصارى أنكروا ذلك عليَّ.
ثمّ خرج إليهم، فقتلوه. ۴
قال: وروي أنّ هرقل بعث رجلاً من غسّان وأمره أن يأتيه بخبر محمّد وقال: احفظ لي من أمره ثلاثة؛ اُنظر على أيّ شيء تجده جالسا، ومَن على يمينه، فإن استطعت أن تنظر إلى خاتم النبوّة فافعل. فخرج الغسّاني حتّى أتى النبيّ صلى الله عليه و آله فوجده جالسا على الأرض، ووجد عليّ بن أبي طالب عليه السلام على يمينه، وجعل رجليه في ماء يفور، فقال: مَن هذا على يمينه؟
قيل: ابن عمّه.
فكتب ذلك، ونسى الغسّاني الثالثة، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه و آله : تعال، فانظر إلى ما أمرك به صاحبك. فنظر إلى خاتم النبوّة، فانصرف الرجل إلى هرقل، ثمّ قال: ما صنعت؟
قال: وجدته جالسا على الأرض، والماء تفور تحت قدميه، ووجدتُ عليّا ابن عمّه على يمينه، ونسيت ما قلت لي في الخاتم، فدعاني فقال: هلمّ إلى ما أمرك به صاحبك، فنظرت إلى خاتم النبوّة. فقال هرقل: هذا الذي بشّر به عيسى بن مريم، إنّه يركب البعير، فاتّبعوه وصدّقوه.
ثمّ قال للرسول: اخرج إلى أخي، فاعرض عليه؛ فإنّه شريكي في الملك، فقال له: ما طاب نفسه عن ذهاب ملكه. ۵
(وكتب إلى ملك فارس كتابا يدعوه إلى الإسلام).
«فارس» كصاحب الفُرس أو بلادهم ينصرف ولا ينصرف. والمراد بملكهم هنا «خسرو بن پرويز بن انوشيروان».
(وبعث إليه)؛ الضمير الأوّل للكتاب والثاني لملك فارس.
(مع رسوله). اسم ذلك الرسول عبداللّه بن حذافة السهمي. ذكر ابن شهرآشوب نقلاً عن كتاب المجالس لمهدي ۶ المامطيري:
أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كتب إلى كسرى:
«من محمّد رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى كسرى بن هرمز؛ أمّا بعد، فأسلم تسلم، وإلّا فأذن بحربٍ من اللّه ورسوله، والسلام على مَن اتّبع الهدى».
فلمّا وصل إليه الكتاب مزّقه واستخفّ به، وقال: من هذا الذي يدعوني إلى دينه ويبدأ باسمه قبل اسمي، وبعث إليه بتراب، فقال صلى الله عليه و آله : «مزّق اللّه ملكه كما مزّق كتابي، أما أنّكم ستمزّقون ملكه، وبعث إليّ بتراب، أما أنّكم ستملكون أرضه». فكان كما قال.
وقال الماوردي في أعلام النبوّة: إنّ كسرى بعث في الوقت إلى عامله في اليمن اسمه بازان ويكنّى أبا مهران: أن احمل اليّ هذا الذي يذكر أنّه نبيّ، وبدأ باسمه قبل اسمي، ودعاني إلى غير ديني. فبعث إليه فيروز الديلمي في جماعة مع كتاب يذكر فيه ما كتب به كسرى، فأتاه فيروز بمَن معه فقال له: إنّ كسرى أمرني أن أحملك إليه فاستنظره ليلة، فلمّا كان من الغد حضر فيروز مستحشا، فقال له النبيّ صلى الله عليه و آله : أخبرني ربّي أنّه قتل ربّك البارحة سلّط اللّه عليه ابنه شيرويه على سبع ساعات من الليل. فأمسك حتّى يأتيك الخبر، فراع ذلك فيروز وهاله وعاد إلى بازان، فأخبره، فقال له بازان: كيف وجدت نفسك حين دخلت عليه؟ فقال: واللّه ما هبتُ أحدا كهيبة هذا الرجل. فوصل الخبر بقتله في تلك الليلة من تلك الساعة، فأسلما جميعا، وظهر العنسي وما افتراه من الكذب، فأرسل صلى الله عليه و آله إلى فيروز: اقتُله قتله اللّه ، فقتله. ۷
وروى عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: بعث اللّه إلى كسرى ملكا وقت الهاجرة وقال: يا كسرى، تسلم أو أكسر هذه العصا، فقال: بهل بهل، فانصرف عنه، فدعا حُرّاسه وقال: من أدخل هذا الرجل عليَّ؟ فقالوا: ما رأيناه. ثمّ أتاه في العام المقبل ووقته فكان كما كان أوّلاً، ثمّ أتاه في العام الثالث فقال: تسلم أو أكسر هذه العصا؟ فقال: بهل بهل. فكسر العصا، ثمّ خرج، فلم يلبث أن وثب عليه ابنه فقتله، انتهى. ۸
ثمّ اعلم أنّ المشهور بين أهل السِّير أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله أرسل ستّ مكاتيب إلى ستّة ملوك يدعوهم إلى الإسلام، وذلك في سنة ستّ من الهجرة؛ اثنتان منها إلى كسرى وقيصر ـ كما مرّ ـ وكتابا إلى النجاشي ملك الحبشة بيد عمرو بن اُميّة الصميري، وكتابا إلى مقوقس حاكم إسكندريّة بيد حاطب بن أبي بلتعة، وكتابا إلى حارث بن أبي شمر الغسّاني ملك الشام بيد شجاع بن وهب الأسدي، وكتابا إلى موزة بن علا الحنفي والي اليمامة بيد سليط بن عمرو، وزاد بعضهم مكاتبة اُخرى إلى منذر بن الساوي ملك بحرين بيد علاء الحضرمي، ولم يؤمن من هؤلاء ظاهرا إلّا النجاشي ومنذر.
(وكان المسلمون يهوون) أي يحبّون. يُقال: هويه ـ كرضيه ـ هوى، أي أحبّه.
(أن يغلب ملك الروم ملك فارس) أي يصير ملك الروم غالبا، وملك فارس مغلوبا.
(وكانوا) أي المسلمون.
(لناحيته) أي لجانب ملك الروم.
(أرجى منهم لملك فارس).
ولعلّ المراد أنّ رجاءهم لقبول الإسلام من ناحية ملك الروم ومن جهته.
(فأنزل اللّه ـ عزّ وجلّ ـ بذلك) أي بما مرّ من قوله: «وكان ملك فارس يومئذٍ».
(كتابا قرآنا)؛ يحتمل كون «قرآنا» صفة «كتابا»، أي كتابا مقروءا، أو يحتمل كونه بدلاً منه.
قال الجوهري:
قرأت الشيء: جمعته، وضممت بعضه إلى بعض. وقرأت الكتاب قراءة وقرآنا، ومنه سمّي القرآن. وقال أبو عبيدة: سمّي القرآن؛ لأنّه يجمع السُوَر فيضمّها. ۹
«ألم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ» .
يعني غلبتها فارس. الظاهر كون «غَلَبَت» بصيغة الفعل، و«فارس» بالرفع على الفاعليّة، فيكون قوله تعالى: «غُلِبَتِ الرُّومُ» على البناء للمفعول، ويحتمل بعيدا كون غلبتها بصيغة المصدر، وإضافتها إلى الضمير إضافة إلى المفعول، أو إلى الفاعل، وكون «غلبت» في الآية على البناء للفاعل.
(فِي أَدْنَى الْأَرْضِ و هي الشامات و[ما] حولها)؛ فإنّها أدنى الأرض من العرب.
قال الفيروزآبادي في المهموز العين:
الشأم بلاد عن مشأمة القبلة، وسمّيت لذلك. أو لأنّ قوما من بني كنعان تشاءموا إليها، أي تياسروا. أو سمّي بسأم بن نوح؛ فإنّه بالشين في السريانيّة. أو لأنّ أرضها شامات بيض وحمر وسود، وعلى هذا لا تهمز، وقد تذكّر. انتهى. ۱۰
والظاهر أنّ قوله عليه السلام : (يعني وفارس) تفسير لضمير «هم» في الآية.
«مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ» الروم.
قال الجوهري:
غلبه غَلْبا وغلبة وغَلَبا أيضا، قال اللّه تعالى: «وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ» وهو من مصادر المضموم العين مثل الطلب. قال الفرّاء: هذا يحتمل أن يكون غلبة، فحذفت الهاء عند الإضافة، كما قال الشاعر: وأخلفوك عدا الأمر الذي وعدوا، أراد عدة الأمر، فحذف الهاء عند الإضافة. ۱۱
«سَيَغْلِبُونَ» على البناء للمفعول، بقرينة قوله عليه السلام : (يعني يغلبهم المسلمون)، ويظهر منه أنّه كان في قراءتهم عليهم السلام : «غلبت» و«سيغلبون» على البناء للمفعول في كليهما، وأنّ إضافة «غلبهم» إضافة المصدر إلى فاعله.
«فِي بِضْعِ سِنِينَ» .
في القاموس:
البضع ـ بالكسر و ـ بفتح ـ : ما بين الثلاث إلى التسع، أو إلى الخمس، أو ما بين الواحد إلى الأربعة، أو من أربع إلى تسع، أو هو سبع، وإذا جاوزت لفظ العشر ذهب البضع. ۱۲
أقول: لمّا كان البضع يطلق على ما دون العشرة، وكان تمام غلبة أهل الإسلام على فارس في أواخر السنة السادس عشر، أو أوائل السبع عشر من الهجرة، وكان نزول الآية ـ على ما يفهم من ظاهر الخبر ـ في السنة السادس منها بعد مراسلة كسرى وقيصر، وعلى المشهور بين المفسّرين كان نزولها بمكّة قبل الهجرة، ۱۳ وعلى التقديرين الزمان الموعود على البضع اعترض السائل عليه بقوله: (أليس اللّه عزّ وجلّ يقول: «فِي بِضْعِ سِنِينَ» فأجاب عليه السلام بقوله: (ألم أقل لكم أنّ لهذا تأويلاً وتفسيرا)، وحاصل الجواب: أنّ في الآية إشعارا باحتمال وقوع البداء، حيث قال: «للّه ِِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ» ، أي للّه أن يقدّم الأمر قبل البضع وأن يؤخّره بعده.
وقال بعض المحقّقين:
الفرق بين التأويل والتفسير أنّ التأويل صرف الكلام عن معناه الظاهر إلى الأخفى منه، والتفسير كشف معناه وإظهاره وبيان المراد منه. ۱۴
وقوله عليه السلام : (والقرآن يا أبا عبيدة ناسخٌ ومنسوخ) إشارة إلى توضيح التأويل على وجه يندفع عنه الإيراد.
وقوله عليه السلام : (أن يؤخّر ما قدّم، ويقدّم ما أخّر) بدل أو بيان للقول.
وقال بعض الشارحين:
توضيحه: أنّ وعد النصر في البضع منسوخ إلى الأزيد منه بدليل ما بعده ـ قال: ـ ويمكن أيضا أن يُراد به أنّ حقيقة البضع، وهو قطعة معيّنة من العدد ـ نسخت واُزيلت بإرادة المجاز منه، وهو قطعة أزيد منه وقع القضاء والحتم فيها، [والقرينة عليه ما بعده] وهذا بناءً على ما ذهب إليه جميع المحقّقين من أنّ الكلام لا يُصرف إلى الحقيقة ولا إلى المجاز، ولا يستقرّ شيء منهما إلّا بعد تمامه والفراغ من متعلّقه، فإن ذكرت قرينة المجاز حمل عليه وإلّا فعلى الحقيقة. ۱۵

1.تفسير البيضاوي، ج ۴، ص ۳۲۷ مع التلخيص.

2.اُنظر: تفسير البغوي، ج ۳، ص ۴۷۵ و ۴۷۶.

3.اُنظر: الطبقات الكبرى، ج ۱، ص ۲۵۹.

4.راجع: الخرائج والجرائح، ج ۱، ص ۱۳۱، ح ۲۱۷.

5.راجع: الخرائج والجرائح، ج ۱، ص ۱۰۴، ح ۱۶۹.

6.في المصدر: «لابن المهدي».

7.مناقب آل أبي طالب، ج ۱، ص ۷۰ مع اختلاف يسير في اللفظ.

8.رواه ابن شهر آشوب في المناقب، ج ۱، ص ۲۵.

9.الصحاح، ج ۱، ص ۶۵ (قرأ) مع التلخيص.

10.القاموس المحيط، ج ۴، ص ۱۳۴ (شأم).

11.الصحاح، ج ۱، ص ۱۹۵ (غلب) مع التلخيص.

12.القاموس المحيط، ج ۳، ص ۵ (بضع) مع التلخيص.

13.راجع: التبيان، ج ۸، ص ۲۲۷؛ الكشّاف، ج ۳، ص ۲۱۳؛ مجمع البيان، ج ۸، ص ۴۲.

14.حكاه المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج ۱۲، ص ۳۷۶ عن البعض.

15.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج ۱۲، ص ۳۷۷ مع اختلاف يسير في اللفظ.


البضاعة المزجاة المجلد الثالث
464

متن الحديث السادس والتسعين والثلاثمائة

۰.ابْنُ مَحْبُوبٍ ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ ، قَالَ :سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «ألم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِى أَدْنَى الْأَرْضِ»۱ ؟
قَالَ : فَقَالَ : «يَا أَبَا عُبَيْدَةَ ، إِنَّ لِهذَا تَأْوِيلًا لَا يَعْلَمُهُ إِلَا اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيْهِمْ ، إِنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَمَّا هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ ، وَأَظْهَرَ ۲ الْاءِسْلَامَ ، كَتَبَ إِلى مَلِكِ الرُّومِ كِتَابا ، وَبَعَثَ بِهِ مَعَ رَسُولٍ يَدْعُوهُ إِلَى الْاءِسْلَامِ ، وَكَتَبَ إِلى مَلِكِ فَارِسَ كِتَابا يَدْعُوهُ إِلَى الْاءِسْلَامِ ، وَبَعَثَهُ إِلَيْهِ مَعَ رَسُولِهِ ۳ ، فَأَمَّا مَلِكُ الرُّومِ ، فَعَظَّمَ كِتَابَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَأَكْرَمَ رَسُولَهُ ، وَأَمَّا مَلِكُ ۴ فَارِسَ ، فَإِنَّهُ اسْتَخَفَّ بِكِتَابِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَمَزَّقَهُ وَاسْتَخَفَّ بِرَسُولِهِ ، وَكَانَ مَلِكُ فَارِسَ يَوْمَئِذٍ يُقَاتِلُ مَلِكَ الرُّومِ ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَهْوَوْنَ أَنْ يَغْلِبَ مَلِكُ الرُّومِ مَلِكَ فَارِسَ ، وَكَانُوا لِنَاحِيَتِهِ أَرْجى مِنْهُمْ لِمَلِكِ فَارِسَ ، فَلَمَّا غَلَبَ مَلِكُ فَارِسَ مَلِكَ الرُّومِ ، كَرِهَ ذلِكَ الْمُسْلِمُونَ وَاغْتَمُّوا بِهِ ، فَأَنْزَلَ اللّهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ بِذلِكَ كِتَابا قُرْآنا «الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِى أَدْنَى الْأَرْضِ» يَعْنِي غَلَبَتْهَا فَارِسُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهِيَ الشَّامَاتُ وَمَا حَوْلَهَا ، «وَهُمْ» يَعْنِي وَفَارِسُ «مِن بَعْدِ غَلَبِهِمْ» الرُّومَ «سَيَغْلِبُونَ» يَعْنِي يَغْلِبُهُمُ الْمُسْلِمُونَ «فِى بِضْعِ سِنِينَ لِلّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ»۵ عَزَّ وَجَلَّ ، فَلَمَّا غَزَا الْمُسْلِمُونَ فَارِسَ وَافْتَتَحُوهَا ، فَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِنَصْرِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ» .
قَالَ : قُلْتُ : أَ لَيْسَ اللّهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ يَقُولُ : «فِى بِضْعِ سِنِينَ» وَقَدْ مَضى لِلْمُؤْمِنِينَ سِنُونَ كَثِيرَةٌ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وَفِي إِمَارَةِ أَبِي بَكْرٍ ، وَإِنَّمَا غَلَبَ الْمُؤْمِنُونَ فَارِسَ فِي إِمَارَةِ عُمَرَ؟
فَقَالَ : «أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ : إِنَّ لِهذَا تَأْوِيلًا وَتَفْسِيرا ، وَالْقُرْآنُ ـ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ ـ نَاسِخٌ وَمَنْسُوخٌ ، أَمَا تَسْمَعُ لِقَوْلِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ : «لِلّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ» يَعْنِي إِلَيْهِ الْمَشِيئَةُ فِي الْقَوْلِ أَنْ يُؤَخِّرَ مَا قَدَّمَ ، وَيُقَدِّمَ مَا أَخَّرَ فِي الْقَوْلِ إِلى يَوْمٍ يَحْتِمُ الْقَضَاءَ بِنُزُولِ النَّصْرِ فِيهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ، فَذلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : «وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللّهِ» أَيْ يَوْمَ يَحْتِمُ الْقَضَاءَ بِالنَّصْرِ» .

1.الروم (۳۰): ۱ ـ ۳.

2.في بعض نسخ الكافي والوافي: «وظهر».

3.في بعض نسخ الكافي: «رسول».

4.في بعض نسخ الكافي: «لملك».

5.الروم (۳۰): ۱ ـ ۵.

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثالث
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید ؛ فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 238454
صفحه از 607
پرینت  ارسال به