497
البضاعة المزجاة المجلد الثالث

شرح

السند ضعيف.
قوله: (سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن إبليس).
في القاموس: «البلس ـ محرّكة ـ : من لا خير عنده، أو عنده إبلاس وشرّ. وأبلس: يئس، وتحيّر، ومنه إبليس، أو هو عجمي». ۱
(هل كان ۲ من الملائكة، أم كان يلي شيئا من أمر السماء) بأن يكون من المدبّرات فيها كسائر الملائكة، أو يكون ممّن يلي أمر الملائكة، كما قالت العامّة: إنّه كان يلي أمرهم ويعظهم.
(فقال: لم يكن من الملائكة، ولم يكن يلي شيئا من أمر السماء، ولا كرامة).
الكرم ـ محرّكة ـ : ضدّ اللؤم. كَرُمَ ـ بضمّ الراء ـ كرامة وكرما؛ يعني: ليس له شرف ولا قدر عند اللّه تعالى أصلاً.
واعلم أنّه اختلف في أنّ إبليس هل كان من جنس الملائكة أم لا، وهذا الخبر وغيره من الأخبار صريح في أنّه ليس من الملائكة، وهو مذهب أكثر الإماميّة ۳ وأكثر المتكلِّمين من العامّة سيما المعتزلة ۴ ، وذهب طائفة من المتكلِّمين وكثير من فقهاء الجمهور إلى أنّه منهم ۵ ، واختاره الشيخ أبو جعفر الطوسي رحمه اللهوقال: «هو المروي عن أبي عبداللّه عليه السلام ، والظاهر في تفاسيرنا». ۶ ثمّ اختلف من قال إنّه كان من الملائكة؛ فمنهم من قال: إنّه كان خازنا على الجنان، ومنهم من قال: إنّه كان له سلطان سماء الدُّنيا وسلطان الأرض، ومنهم من قال: إنّه يوسوس ما بين السماء والأرض. واحتجّ الأوّلون بوجوه؛ منها: قوله تعالى: «إِلَا إِبْلِيسَ كَانَ مِنْ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ»۷ قالوا: ومتى أطلق لفظ الجنّ لم يخبر أن يعني به إلّا الجنس المعروف الذي يقابل بالإنس في الكتاب الكريم.
ومنها: قوله تعالى: «لَا يَعْصُونَ اللّه َ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ»۸ فنفى عن الملائكة المعصية نفيا عامّا، فوجب أن لا يكون منهم.
ومنها: إنّ إبليس له نسل وذرّية، كما قال تعالى: «أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ» والملائكة لا ذرّيّة لهم؛ لأنّه ليس فيهم اُنثى؛ لقوله تعالى: «وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثا»۹ والذرّيّة إنّما تحصل من الذكر والاُنثى.
ومنها: أنّ الملائكة رسل اللّه ؛ لقوله تعالى: «جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلاً»۱۰ ورسل اللّه معصومون؛ لقوله تعالى: «اللّه ُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ» ، ۱۱ ولا يجوز على رسل اللّه الكفر والعصيان، ملائكة كانوا أم بشرا.
وذكروا وجوها اُخر تركناها مع ما يرد عليها مخافة الإطناب.
واحتجّ الآخرون بوجهين:
الأوّل: إنّ اللّه تعالى استثناه من الملائكة، والاستثناء يفيد إخراج ما لولاه لدخل، وذلك يوجب كونه من الملائكة.
واُجيب: بأنّ الاستثناء هنا منقطع، وهو مشهور في كلام العرب وكثير في كلامه تعالى، وأيضا فلأنّه كان جنّيّا واحدا مغمورا بين الاُلوف من الملائكة غلّبوا عليه في قوله: «فَسَجَدُوا» ثمّ استثني هو منهم استثناءً واحدا منهم، وقد كان مأمورا بالسجود معهم، فلمّا دخل معهم في الأمر جاز إخراجه منهم بالاستثناء.
الثاني: إنّه لو لم يكن من الملائكة لما كان قوله تعالى: «وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ»۱۲ متناولاً له، فلا يكون تركه للسجود إباءً واستكبارا ومعصيةً، ولما استحقّ الذمّ والعقاب، فعلم أنّ الخطاب كان متناولاً له ولا يتناوله الخطاب، وأيضا يجوز أن يكون مأمورا بالسجود بأمرٍ آخر ويكون قوله تعالى: «مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ»۱۳ إشارة إلى ذلك الأمر. ۱۴
(فأتيت الطيّار).
هو محمّد الطيّار. ويحتمل أن يُراد ابنه حمزة.
(فأخبرته بما سمعت، فأنكره).
لعلّه أنكر ثبوت الإخبار عن المعصوم، لا إخباره بعد ثبوته.
(وقال: وكيف لا يكون من الملائكة واللّه ـ عزّ وجلّ ـ يقول: «وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَا إِبْلِيسَ» ).
مبنى هذا الاستدلال على أحد من الوجهين السابقين، وقد عرفت جوابهما، وما قيل: من أنّه غفل عن قوله تعالى: «كَانَ مِنْ الْجِنِّ» فعلاً ومن الملائكة نوعا. وأيضا روي عن ابن عبّاس أنّ من الملائكة ضربا يتوالدون يُقال لهم الجنّ ومنهم إبليس.
(فدخل عليه الطيّار) إلى قوله: (رأيت قوله عزّ وجلّ).
كذا في كثير من النسخ، وفي بعضها: «أرأيت»، وهو أظهر.
( «يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا» في غير مكان) أي في مواضع عديدة من القرآن.
وقوله: (من مخاطبة المؤمنين) بيان للقول: (أيدخل في هذا المنافقون).
الظاهر أنّ غرضه الاستدلال بأنّه تعالى لمّا أمر الملائكة بالسجود وعصى إبليس بتركه، فيكون من الملائكة؛ لشمول الأمر المتوجّه إلى الملائكة له، فلو لم يكن منهم لم يشمله ذلك الخطاب، كما أنّ الخطاب بقوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» لا يشمل المنافقين.
هذا، وإنّما سأله هكذا ولم يصرّح بمطلوبه؛ لأنّه يحصل بذلك المطلوب مع زوال الشبهة، فأجاب عليه السلام : (قال: نعم يدخل في هذا).
وحاصل الجواب: أنّ كلّ من اختلط بجماعة، ولم يتميّز منهم عرفا، فالخطاب المتوجّه إليهم يشمله، فالخطاب بقوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» يشمل المنافقين وغيرهم ممّن أقرّ بالدعوة الظاهرة وإن لم يكن مؤمنا حقيقةً، وخطاب الملائكة يشمل إبليس؛ لأنّه كان مختلطا بهم ظاهرا.
وقيل: الفرق بين المؤمن والمنافق والضالّ أنّ المقرّ بالدعوة إلى الولاية مثلاً إن أقرَّ بها ظاهرا لا باطنا فهو منافق، وإن أقرَّ باطنا أيضا فإن بقى عليه بعد النبيّ صلى الله عليه و آله فهو مؤمن، وإلّا فهو ضالّ؛ لأنّه [خرج] عن الطريق. ۱۵

1.القاموس المحيط، ج ۲، ص ۲۰۱ (بلس) مع التلخيص.

2.في المتن الذي ضبطه الشارح رحمه الله سابقا: «أكان».

3.اُنظر: أوائل المقالات، ص ۱۳۳؛ مفاتيح الغيب لصدر المتألّهين، ص ۱۹۲ و ۲۲۳ ـ ۲۲۸؛ المبدأ والمعاد له، ص ۲۰۳.

4.اُنظر: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، ج ۶، ص ۴۳۵؛ المواقف، ج ۳، ص ۴۵۲؛ فيض القدير، ج ۴، ص ۴۲۵.

5.اُنظر: تفسير الرازي، ج ۲، ص ۲۱۳؛ تفسير البيضاوي، ج ۱، ص ۲۹۴.

6.التبيان، ج ۱، ص ۱۵۳.

7.. الكهف (۱۸): ۵۰.

8.. التحريم (۶۶): ۶.

9.. الزخرف (۴۳): ۱۹.

10.. فاطر (۳۵): ۱.

11.. الأنعام (۶): ۱۲۴.

12.. البقرة (۲) ۳۴.

13.. الأعراف (۷): ۱۲.

14.راجع في الأقوال: مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۲۸۱ ـ ۲۸۴.

15.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج ۱۲، ص ۳۹۱ مع اختلاف في اللفظ.


البضاعة المزجاة المجلد الثالث
496

متن الحديث الثاني عشر والأربعمائة

۰.أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَدِيدٍ ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ دَرَّاجٍ ، قَالَ :سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ عليه السلام عَنْ إِبْلِيسَ : أَ كَانَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، أَمْ كَانَ يَلِي شَيْئا مِنْ أَمْرِ السَّمَاءِ؟
فَقَالَ : «لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ، وَلَمْ يَكُنْ يَلِي شَيْئا مِنْ أَمْرِ السَّمَاءِ، وَلَا كَرَامَةَ».
فَأَتَيْتُ الطَّيَّارَ ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا سَمِعْتُ ، فَأَنْكَرَهُ ۱ وَقَالَ : وَكَيْفَ ۲ لَا يَكُونُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَاللّهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ يَقُولُ : «وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِادَمَ فَسَجَدُوا إِلّا إِبْلِيسَ»۳ ».
فَدَخَلَ عَلَيْهِ الطَّيَّارُ ، فَسَأَلَهُ ۴ وَأَنَا عِنْدَهُ ، فَقَالَ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، رَأَيْتَ ۵ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا»۶ فِي غَيْرِ مَكَانٍ مِنْ مُخَاطَبَةِ الْمُؤْمِنِينَ ، أَيَدْخُلُ فِي هذَا الْمُنَافِقُونَ؟
قَالَ : «نَعَمْ ، يَدْخُلُ فِي هذَا الْمُنَافِقُونَ وَالضُّلَالُ وَكُلُّ مَنْ أَقَرَّ بِالدَّعْوَةِ الظَّاهِرَةِ» .

1.في بعض نسخ الكافي والوافي: «فأنكر».

2.في أكثر نسخ الكافي والوافي: «كيف» بدون الواو.

3.البقرة (۲): ۳۴؛ الإسراء (۱۷): ۶۱؛ ومواضع اُخر.

4.في بعض نسخ الكافي: «وسأله».

5.في بعض نسخ الكافي: «أرأيت».

6.جاءت هذه العبارة في تسعة وثمانين موضعا من المصحف الشريف.

  • نام منبع :
    البضاعة المزجاة المجلد الثالث
    سایر پدیدآورندگان :
    تحقیق : احمدی جلفایی، حمید ؛ فاضل البخشایشی، جواد
    تعداد جلد :
    3
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
تعداد بازدید : 238512
صفحه از 607
پرینت  ارسال به