شرح
السند مجهول كالحسن.
قوله عليه السلام : (لا تضرّ بدينك).
لعلّ عدم الإضرار بالدِّين باعتبار عدم الاختلال العقائد الدينيّة بحيث يعدّ من الكفّار، وهذا لا ينافي كراهة تحصيلها، أو حرمته، كما ذهب إليه بعض الأصحاب.
وقال بعض الشارحين:
لأنّها لا تنافيه ولا يستلزم ما ينافيه، وما ورد في بعض الروايات من ذمّها وذمّ أهلها، وهو مستمسك مَن قال: لا يحلّ النظر فيها، محمول على أنّه علمٌ لا يدرك كلّه، فيظنّ أهله أنّ الحكم مترتّب على المدرك، وأنّه مستقلّ فيه، والحال أنّه مترتّب على مجموع المدرك وغير المدرك، أو أنّ غير المدرك مانع منه، وهذا جهل، ولهذا يتخلّف الحكم في كثير من المواضع، أو على أنّ ذلك إذا اعتقد أنّ الآثار الفلكيّة علّة مستقلّة على ما يترتّب عليها، وأمّا إذا اعتقد أنّ ذلك من الفاعل الحقيقي عند تلك الآثار [فلا تضرّ]، أو على أنّها ليست من العلوم الدينيّة المطلوبة للشارع، النافعة في الآخرة، فصرف الفكر في تحصيله المانع من صرفه في تحصيل تلك العلوم موجب لذمّها، انتهى. ۱
وقال الشهيد رحمه الله في الدروس:
يحرم اعتقاد تأثير النجوم مستقلّة أو بالشركة، والأخبار عن الكائنات بسببها، أمّا لو أخبر بجريان العادة أنّ اللّه يفعل كذا عند كذا لم يحرم، وإن كره على أنّ العادة [فيها ]لا تطرد إلّا فيما قلّ.
أمّا علم النجوم فقد حرّمه بعض الأصحاب، ولعلّه لما فيه من التعرّض للمحظور من اعتقاد التأثير، أو لأنّ أحكامه تخمينيّة.
وأمّا علم هيئة الأفلاك فليس حراما، بل ربّما كان مستحبّا؛ لما فيه من الاطّلاع على حكمة اللّه وعظمة قدرته، انتهى. ۲
وسيجيء لهذا زيادة تحقيق إن شاء اللّه تعالى.
(كثيره لا يُدرك)؛ لأنّ العقول قاصرة عن الوصول إليه لكونه من العلوم الغيبيّة التي استأثر اللّه تعالى بها، ولا يظهر عليه إلّا من ارتضى من رسولٍ ومَن يَحذو حذوه.
(وقليله) الذي يستقلّ العقول بإدراكه.
(لا يُنْتَفَعُ به)؛ لأنّ اُصوله وقواعده مستندة بعضها إلى بعض، بحيث لا يمكن الانتفاع بها، ولا الوصول إلى ما هو مقصود منها إلّا بإدراك جميعها، وإذا لم يمكن إدراك الجميع لأحد فلا ينتفع بالبعض المُدرك منها، وناهيك منه أنّهم رصدوا من الثوابت بعضها، وعيّنوا بزعمهم مواضعها ومواقعها، ورتّبوا عليها أحكاما، ولم يحط علمهم بغير المرصّدة منها باعترافهم، فلعلّ الأحكام المرتّبة على المرصودة منها على تقدير تمامها مشروطة بعدم اقتضاء الغير المرصودة نقيضها، فلا يمكن لهم القطع بل الظنّ بترتّب الأحكام عليها.
(تحسبون على طالع القمر).
قال الجوهري:
حسبته أحسبه ـ بالضمّ ـ حسبا وحسابا [وحسبانا] وحسابة: إذا عددته. وحَسبتُه صالحا أحسبه ـ بالفتح ـ محسَبة ومحسِبة وحِسابا ـ بالكسر ـ : أي ظننته. ويقال: أحسبه ـ بالكسر ـ وهو شاذّ. ۳
وفي القاموس: «طلع الكواكب ـ كمنع ـ طلوعا: ظهر. وطلع فلان علينا ـ كمنع ونصر ـ : أتانا. وعنهم: غاب، ضدّ». ۴
أي أنّكم تعدّون وتظنّون وتبنون كثيرا من أحكامكم على طالع القمر، وملاحظة نظراته مع السيّارات، من التسديس والتربيع والتثليث والمقابلة والمقارنة وتحت الشعاع وخروج الشعاع، وكونه طالعا أو غاربا، وترتّبون على تلك الأوضاع أحكاما كثيرة، مع أنّ أوضاعه مع السيّارات بل مع الثوابت أيضا غير متناهية، ويترتّب على كلّ منها أحكاما كثيرة، وأنتم تغفلون عنها.
ولعلّ تخصيص طالع القمر بالذِّكر لكونه عمدة في أحكامهم.
وقيل: يظهر منه أنّه كان مدار أحكام هؤلاء على القمر، وكانوا لا يلتفتون إلى أوضاع الكواكب الاُخر، ۵ فتأمّل.
(ثمّ قال: أتدري كم بين المشتري والزهرة من دقيقة) إلى قوله عليه السلام : (ما بين كلّ واحدٍ منهما إلى صاحبه ستّون أو تسعون دقيقة).
قيل: الظاهر أنّه أراد بهذه النسب المذكورة النسب الواقعة عند السؤال، وإلّا فالظاهر أنّها تزيد وتنقص وتنتفي بحسب التفاوت في القُرب والبُعد والاجتماع، وأنّ الأحكام تختلف باختلافهما. ۶
وما قيل من أنّه يحتمل أن يكون المراد بعد فلك أحدهما عن فلك الآخر، ۷ فبُعده أظهر من أن يخفى.
وفي بعض النسخ: «السكينة» بدل «السنبلة»، ولعلّ السكينة اسم كوكب غير معروف.
(شكّ عبد الرحمان)؛ يحتمل كونه بصيغة الفعل، أو بصيغة المصدر؛ أي هذا الشكّ شكّ عبد الرحمن.
(ثمّ قال: يا عبد الرحمن، هذا الحساب) المذكور، حساب (إذا حَسَبَه الرجل) وعدّه (ووقع عليه) أي وصل إليه، وأحاط به.
قال الجوهري: «وقع الشيء وقوعا: سقط». ۸
(عرف القصبة التي وسط الأجمة).
قال في القاموس: «القصب ـ محرّكة ـ : كلّ نبات ذي أنابيب. الواحدة قَصَبَة». ۹
و«الأجَمَة» ـ محرّكة ـ : القَصَب الكثير الملتفّ. الجمع: أجم ـ بالضمّ وبضمّتين وبالتحريك ـ والآجام وإجام وأجَمات.
قال بعض الشارحين:
المراد بالرجل الماهر العالم بعلم النجوم، المحيط علمه بحقائقها؛ فإنّه إذا عرف النِّسب المخصوصة والمناسبة بينها، وحسب بالحساب المعلوم عنده، ينتقل ذهنه اللّطيف منها إلى ما في اللوح المحفوظ من صور الكائنات وترتيبها ومواضعها وأعدادها وكيفيّاتها وسائر أحوالها المثبتة فيه، حتّى لا يخفى عليه ما في وسط الأجمة، انتهى. ۱۰
أقول: ممّا يناسب هذا المقام ذكر نبذة من الأخبار الواردة في علم النجوم والأخبار بعلمه وتعلّمه وتعليمه، وذكر جملة من كلام أصحابنا ـ رضوان اللّه عليهم ـ في هذا الباب.
أمّا الأخبار، فمنها ما تقدّم ذكره آنفا.
ومنها: ما سيجيء في الكتاب، ونتكلّم عليها هناك إن شاء اللّه تعالى.
ومنها: أخبار اُخر نذكر منها هنا اثنين وثلاثين خبرا:
الأوّل منها: ما رواه الصدوق في كتاب الخصال بإسناده عن عبداللّه بن عوف، قال:
لمّا أراد أمير المؤمنين عليه السلام المسير إلى النهروان أتاه مُنجِّمٌ فقال له: يا أمير المؤمنين، لما تَسرْ في هذه الساعة، وسِر في ثلاث ساعات يمضين من النهار.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام : «ولِمَ ذاك؟».
قال: لأنّك إن سرت في هذه الساعة أصابك وأصاب أصحابك أذىً وضرٌّ شديد، وإن سرت في الساعة التي أمرتك ظفرت وظهرت وأصبت كلّ ما طلبت.
فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : «أتدري ما في بطن هذه الدابّة، أذكرٌ أم اُنثى؟».
قال: إن حسبتُ علمتُ.
فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : «مَن صدّقك على هذا القول كذّب بالقرآن: «إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَ يُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَ يَعْلَمُ مَا فِى الْأَرْحَامِ وَ مَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَ مَا تَدْرِى نَفْسُ بِأَىِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرُ» ، ۱۱ ما كان محمّد صلى الله عليه و آله يدّعي ما ادّعيت، أتزعَم أنّك تهتدي إلى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء، والساعة التي من سار فيها حاق به الضرّ، مَن صدّقك بهذا استغنى بقولك عن الاستعانة باللّه ـ عزّ وجلّ ـ في ذلك الوجه، وأحوج إلى الرغبة إليك في دفع المكروه عنه، وينبغي [له] أن يُولِيَك الحمد دون ربّه عزّ وجلّ، فمَن آمَن لك بهذا فقد اتّخذك من دون اللّه ندّا وضدّا». ثمّ قال عليه السلام : «اللَّهُمَّ لا طير إلّا طيرك، ولا ضير إلّا ضيرك، ولا خير إلّا خيرك، ولا إله غيرك، بل نكذّبك ونخالفك، ونسير في الساعة التي نهيت عنها». ۱۲
أقول: الطير ـ بالفتح اسم من التطيّر، وهو التشأمّ بالفأل الرديء. وهذا الخبر صريح في عدم جواز العمل بقول المنجِّم واختياراته، وفي لزوم مخالفته.
ومنها: ما رواه السيّد الرضيّ رضى الله عنه في نهج البلاغة قال:
ومن كلامٍ له قال لبعض أصحابه لمّا عزم على المسير إلى الخوارج، فقال له: يا أمير المؤمنين، إن سرت في هذا الوقت، خشيت أن لا تظفر بمرادك من طريق علم النجوم.
فقال له عليه السلام : «أتزعَم أنّك تهدي إلى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء، وتخوّف الساعة التي من سار فيها حاق به الضرّ، فمن صدّقك بهذا فقد كذّب القرآن، واستغنى عن الاستعانة باللّه في نيل المحبوب ودفع المكروه، وينبغي في قولك للعامل بأمرك أن يُولِيَك الحمد دون ربّه؛ لأنّك بزعمك أنت هديته إلى الساعة التي نال فيها النفع وأمِنَ الضرّ».
ثمّ أقبل عليه السلام على الناس، فقال: «أيُّها الناس، إيّاكم وتعلّم النجوم إلّا ما يُهتدى به في برّ أو بحر؛ فإنّها تدعو إلى الكهانة، [و] المنجّم كالكاهن، والكاهن كالساحر، والساحر كالكافر، والكافر في النار، سِيرُوا على اسم اللّه سبحانه وعونه». ۱۳
وروى الشيخ الطبرسي في كتاب الاحتجاج مثله عنه عليه السلام . ۱۴
أقول: دلَّ هذا الخبر بمثل ما دلّ عليه سابقه مع التحذير عن تعلّم النجوم.
منها: رواه الصدوق رحمه الله في الخصال بإسناده عن أبان بن تغلب، قال:
كنت عند أبي عبداللّه عليه السلام إذ دخل عليه رجلٌ من أهل اليمن، فسلّم عليه، فردَّ السلام عليه. فقال له: «مرحبا بك يا سعد».
فقال له الرجل: بهذا الاسم سمّتني اُمّي، وما أقلّ من يعرفني به!
فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «صدقت يا سعد المولى».
فقال له الرجل: جُعلت فداك، بهذا كنت اُلقّب!
فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «لا خير في اللّقب؛ إنّ اللّه ـ تبارك وتعالى ـ يقول في كتابه: «وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْاءِيمَانِ»۱۵ ، ما صناعتك يا سعد؟».
فقال: جُعلت فداك، إنّا من أهل بيت ننظر في النجوم لا نقول: إنّ باليمن أحدا أعلم بالنجوم منّا.
فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «فأسألك؟».
فقال اليماني: سَلْ عمّا أحببت من النجوم؛ فإنّي اُجيبك عن ذلك بعلم.
فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «كم ضوء الشمس على ضوء القمر درجة؟»
فقال اليماني: لا أدري.
فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «صدقت، فكم ضوء القمر على ضوء الزهرة درجة؟»
فقال اليماني: لا أدري.
فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «صدقت، فكم ضوء المشتري على ضوء عطارد درجة؟»
فقال اليماني: لا أدري.
فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «صدقت، فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت الإبل؟».
فقال اليماني: لا أدري.
فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «صدقت، فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت البقر؟».
فقال اليماني: لا أدري.
فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «صدقت، فما اسم النجم الذي إذا طلع هاجت الكلاب؟».
فقال اليماني: لا أدري.
فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «صدقت في قولك لا أدري، فما زحل عندكم في النجوم؟».
فقال اليماني: نجمٌ نحس.
فقال له أبو عبداللّه عليه السلام : «مَه، لا تقولنّ هذا؛ فإنّه نجم أمير المؤمنين عليه السلام وهو نجم الأوصياء عليهم السلام ، وهو النجم الثاقب الذي قال اللّه ـ عزّ وجلّ ـ في كتابه».
فقال له اليماني: فما يعني بالثاقب؟
قال: «إنّ مطلعه في السماء السابعة، وأنّه ثقب بضوءه حتّى ضاء في سماء الدُّنيا، فمن ثمّ سمّاه اللّه ـ عزّ وجلّ ـ النجم الثاقب. يا أخا اليمن، عندكم علماء؟»
فقال اليماني: نعم جعلت فداك، إنّ باليمن قوما ليسوا كالأحد من الناس في علمهم.
فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «وما يبلغ مِن علم عالمهم؟»
فقال له اليماني: إنّ عالمهم ليزجر الطير ويقفوا الأثر في الساعة الواحدة مسيرة شهر للراكب المجدّ.
فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «فإنّ عالم المدينة أعلم من عالم اليمن».
فقال اليماني: ما بلغ من علم عالم المدينة؟
فقال أبو عبداللّه عليه السلام : «إنّ عالم المدينة ينتهي إلى حيث لا يقفو الأثر، ويزجر الطير، ويعلم ما في اللحظة الواحدة مسيرة الشمس تقطع اثني عشر برجا واثني عشر برّا واثني عشر بحرا واثني عشر عالما».
قال: فقال اليماني: جُعلت فداك، ما ظننت أنّ أحدا يعلم هذا، أو يدري ما كُنهه!
قال: ثمّ قام اليماني، فخرج. ۱۶
وهذا الحديث رواه أبو طالب الطبرسي في كتاب الاحتجاج بتفاوت ما عن أبان بن تغلب عنه عليه السلام ، ۱۷ وفيه دلالة باختصاص علم النجوم بأهل البيت عليهم السلام .
قال في القاموس: «زجر الطير: تفاءل به وتطيّر. والزجر: العيافة، والتكهّن». ۱۸
وقال:
عفت الطير أعفيها عيافة: زجرتها، وهو أن تعتبر بأسمائها ومساقطها وأنواعها، فتتسعّد أو تتشأم. والعائف: المتكهّن بالطير أو غيرها. ۱۹
ثمّ منها ما رواه في كتاب الاحتجاج عن هشام بن الحكم في خبر الزنديق الذي سأل أبا عبداللّه عليه السلام فكان فيما سأله: ما تقول فيمن زعم أنّ هذا التدبير الذي يظهر في هذا العالم تدبير النجوم السبعة؟
قال عليه السلام : «يحتاجون إلى دليل أنّ هذا العالم الأكبر والعالم الأصغر من تدبير النجوم التي تسبح في الفلك، وتدور حيث دارت، متعبة لا تفتر، وسائرة لا تقف». ثمّ قال: «إنّ لكلّ نجم منها موكّل مدبّر، فهي بمنزلة العبيد المأمورين المنهيّين، فلو كانت قديمة أزليّة لا تتغيّر من حال إلى حال.
ثمّ قال: فما تقول في علم النجوم؟
قال: «هو علم قلّت منافعه، وكثُرت مضرّاته، لأنّه لا يدفع به المقدور، ولا يتّقى به المحذور، إن أخبر المنجّم بالبلاء لم ينجه التحرّز من القضاء، وإن أخبر هو بخير لم يستطع تعجيله، وإن حدث به سوء لم يمكنه صرفه، والمنجّم يضادّ اللّه في علمه بزعمه أنّه يردّ قضاء اللّه عن خلقه». ۲۰
قيل: هذا الخبر وإن كان فيه إشعار بكونها علامات، لكن يدلّ على نفي تأثيرها، وعدم جواز الاعتماد [عليها] حتّى في اختيارات الساعة. ۲۱
منها: ما رواه الصدوق في الخصال بإسناده عن أبي الحصين، قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول: «سئل رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن الساعة، فقال: عند إيمان بالنجوم، وتكذيب بالقدر». ۲۲
ومنها: ما رواه في الخصال أيضا بإسناده عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ عليهم السلام ، قال: «قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : أربعة لا تزال في اُمّتي إلى يوم القيامة: الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة» ۲۳ الحديث.
أقول: المراد الاستسقاء بتأثيرات النجوم.
قيل: هذان الخبران يدلّان على عدم جواز الاعتقاد بأحكام النجوم، ويحتمل أن يكون المراد اعتقاد تأثيرها. ۲۴
منها: ما رواه أيضا بإسناده عن الباقر، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام ، قال: «نهى رسول اللّه صلى الله عليه و آله عن خصال ـ إلى أن قال ـ : وعن النظر في النجوم». ۲۵
أقول: لعلّ المراد بالنظر التأمّل في استخراج الأحكام منها، ويحتمل إرادة الأعمّ منه ومن تعليمها وتعلّمها، وظاهر النهي الحرمة.
ومنها: ما رواه أيضا بإسناده عن نصر بن قابوس، قال: سمعت أبا عبداللّه عليه السلام يقول: «المنجّم ملعون، والكاهن والساحر ملعون، والمغنّية ملعونة، ومن آواها وأكل كسبها ملعون». وقال عليه السلام : «المنجّم كالكاهن، والكاهن كالساحر، والساحر كالكافر، والكافر في النار». ۲۶
وقال الصدوق رحمه الله بعد ذكر هذا الخبر: «المنجّم الملعون هو الذي يقول بقدم الفلك، ولا يقول بمفلكه وخالقه عزّ وجلّ». ۲۷
منها: ما رواه السيّد ابن طاووس رحمه الله في كتاب فتح الأبواب، قال:
ذكر الشيخ الفاضل محمّد بن علي بن محمّد في كتابٍ له في العمل ما هذا لفظه: دعاء الاستخارة عن الصادق عليه السلام تقوله بعد فراغك من صلاة الاستخارة، تقول: «اللَّهُمَّ إنّك خلقت أقواما يلجئون إلى مطالع النجوم لأوقات حركاتهم وسكونهم وتصرّفهم وعقدهم، وخلقتني أبرأُ إليك من اللّجإ إليها، ومن طلب الاختيارات بها، وأيقن أنّك لم تطلع أحدا على غيبك في مواقعها، ولم تسهّل له السبيل إلى تحصيل أفاعيلها، وأنّك قادرٌ على نقلها في مدارتها في مسيرها عن السّعود العامّة والخاصّة إلى النحوس، ومن النحوس الشاملة والمفردة إلى السعود؛ لأنّك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك اُمّ الكتاب، ولأنّها خلقٌ من خلقك، وصنعةٌ من صنيعك ۲۸ ، وما أسعدت من اعتمد على مخلوقٍ مثله، واستمدّ الاختيار لنفسه، وهم اُولئك، ولا أشقيت من اعتمد على الخالق الذي أنت هو، لا إله إلّا أنت وحدك لا شريك لك، وأسألُك بما تملكه وتقدر عليه، وأنت به ملي?وعنه غنيّ، وإليه غير محتاج، وبه غير مكترث، من الخيرة الجامعة للسلامة والعافية والغنيمة لعبدك» إلى آخر الدّعاء. ۲۹
منها: ما رواه السيّد أيضا في كتاب فرج المهموم بإسناده عن محمّد بن يعقوب الكليني ـ طاب ثراه ـ وأنّه قال في كتاب تعبير الرؤيا بإسناده عن محمّد بن غانم، قال: قلتُ أبو عبداللّه عليه السلام : قومٌ يقولون: إنّ النجوم أصحّ من الرؤيا؟ [فقال عليه السلام :] «وذلك كان صحيح حين لم ترد الشمس على يوشع بن نون وعلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فلمّا ردّ اللّه ـ عزّ وجلّ ـ الشمس عليهما، ضلَّ فيهما علماء النجوم، فمنهم مُصيبٌ ومنهم مخطئ». ۳۰
منها: ما رواه السيّد أيضا من كتاب نوادر الحكمة تأليف محمّد بن أحمد بن عبداللّه القمّي، رواه عن الرضا عليه السلام ، قال: قال أبو الحسن عليه السلام للحسن بن سهل: «كيف حسابك للنجوم؟»
فقال: ما بقي منها شيء إلّا وقد تعلّمته.
فقال أبوالحسن عليه السلام : «كم لنور الشمس على نور القمر فضل درجة، وكم لنور القمر على نور المشتري فضل درجة، وكم لنور المشتري على نور الزهرة فضل درجة؟».
فقال: لا أدري.
فقال: «ليس في يدك شيء، [إنّ] هذا أيسره». ۳۱
قيل: يفهم منه أنّ لأمثال هذه مدخلاً في الأحكام النجوميّة، والمنجّمون لا يعرفونها، فلا يجوز إخبارهم بما لا يعرفون حقيقتها. ۳۲
منها: ما رواه السيّد من كتاب التوقيعات للحميري، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، بإسناده قال: كتب مصقلة بن إسحاق إلى عليّ بن جعفر رقعة يعلمه فيها أنّ المنجّم كتب ميلاده، ووقّت عمره وقتا، وقد قارب ذلك الوقت وخاف على نفسه، فأوصل عليّ بن جعفر رقعته إلى الكاظم عليه السلام ، فكتب عليه السلام إليه رقعة طويلة أمره فيها بالصوم والصِّلة والبرّ والصدقة والاستغفار، وكتب في آخرها: «فقد واللّه ساءنا أمره فوق ما أصف، على أنّي أرجو أن يزيد اللّه في عمره، ويبطل قول المنجّم فيما اطّلعه على الغيب، والحمدُ للّه ». ۳۳
منها: ما رواه الصدوق في الفقيه بسندٍ صحيح عن ابن أبي عمير أنّه قال: كنت أنظر في النجوم وأعرفُها وأعرف الطالع، فيدخلني من ذلك شيء، فشكوت ذلك إلى أبي الحسن موسى بن جعفر عليهماالسلام، فقال: «إذا وقع في نفسك شيء، فتصدّق على أوّل مسكين، ثمّ امض؛ فإنّ اللّه ـ عزّ وجلّ ـ يدفع عنك». ۳۴
أقول: هذا الخبر كسابقه يدلّ على أنّ تأثيرها من حيث تأثّر النفس بها، وأنّه يمكن دفع هذا الأثر بالصدقة.
منها: ما رواه في الفقيه أيضا بسندٍ حَسن عن عبد الملك بن أعين، قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّي قد ابْتُليتُ بهذا العلم، فاُريد الحاجة، فإذا نظرت إلى الطالع ورأيت الطالعَ الشرّ، جلست ولم أذهب فيها؛ وإذا رأيت الطالع الخير، ذهبت في الحاجة؟
فقال لي: «تقضي؟» قلت: نعم. قال: «أحرقْ كُتُبَك». ۳۵
قال بعض العلماء:
وذلك لأنّ كثيره لا يدرك، وقليله لا ينفع، ولأنّ حكمة اللّه تقتضي أن لا يعلم الناس الاُمور قبل وقوعها؛ لأنّ العلم بها قبل وقوعها يؤدّي في الأكثر إلى الفساد إلّا لأهل التّقى، وقليلٌ ما هم، ولهذا حرّم الكهانة ونحوها، انتهى. ۳۶
وأقول: الظاهر أنّ قوله عليه السلام : «تُقضى» بالبناء للمفعول، والمستتر فيه راجع إلى الحاجة، واحتمال كونه بصيغة المخاطب المعلوم؛ أي تحكم للناس بأمثال ذلك، وتخبرهم بأحكام النجوم وسعدها ونحسها، بعيد جدّا، كما أنّ تأويل الخبر بأنّ المراد تحكم بأنّ للنجوم تأثيرا تعسّف وتحكّم.
منها: ما رواه عليّ بن إبراهيم في تفسيره، بإسناده عن أبي عبد الرحمن السلمي: أنّ عليّا عليه السلام قرأ بهم الواقعة: «وتجعلون شكركم أنّكم تكذّبون»، فلمّا انصرف قال: «إنّي قد عرفت أنّه سيقول قائل: لِمَ قرأ هكذا قرأتها؛ لأنّي سمعت رسول اللّه صلى الله عليه و آله يقرؤها كذلك، وكانوا إذا أمطروا قالوا: أمطرنا بنَوء كذا وكذا، فأنزل اللّه : وتجعلون شكركم أنّكم تكذّبون». ۳۷
أقول: في هذا الخبر دلالة صريحة بعدم جواز استثناد الحوادث على تأثيرات النجوم وأوضاعها.
قال الجوهري:
النّوء: سقوط نجم من المنازل في المغرب مع الفجر، وطلوع رقيبه من المشرق، يقابله من ساعته في كلّ ليلة إلى ثلاثة عشر يوما، وهكذا كلّ نجم منها إلى انقضاء السنة، ما خلا الجبهة، فإنّ لها أربعة عشر يوما.
قال أبو عبيد: ولم نسمع في النّوء أنّه السقوط إلّا في هذا الموضع، وكانت العرب تضيف الأمطار والرياح والحرّ والبرد إلى الساقط منها.
وقال الأصمعي: إلى الطالع منها [في سلطانه] فتقول: مطرنا بنوء كذا. والجمع: أنواء، ونواءن، مثل عبد وعبدان، وبطن وبطنان. ۳۸
منها: ما رواه الصدوق في معاني الأخبار بإسناده عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال: «ثلاثة من عمل الجاهليّة: الفخر بالأنساب، والطعن في الأحساب، والاستسقاء [بالأنواء]». ۳۹
منها: ما رواه العيّاشي مرسلاً عن يعقوب بن شعيب، قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن قوله تعالى: «وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّه ِ إِلَا وَهُمْ مُشْرِكُونَ» ؟ ۴۰ قال: «كانوا يمطرون ۴۱ بنوء كذا وبنوء كذا، ومنهم أنّهم كانوا يأتون الكهّان، فيصدّقونهم بما يقولون». ۴۲
منها: ما رواه الكليني عن أبا عبداللّه عليه السلام : كان بيني وبين رجلٍ قسمة أرض، وكان الرجل صاحب نجوم، وكان يتوخّى ساعة السّعود، فيخرج فيها، وأخرج أنا في ساعة النحوس، فاقتسمنا، فخرج لي خير القسمين، فضرب الرجل يده اليُمنى على اليُسرى، ثمّ قال: ما رأيت كاليوم قطّ. قلت: ما ذاك؟ قال: إنّي صاحب نجوم، أخرجتُك في ساعة النحوس، وخرجتُ أنا في ساعة السعود، ثمّ قسمنا فخرج لك خيرُ القسمين.
فقلت: ألا اُحدّثك بحديث حدّثني أبي، قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «من سَرّه أن يدفع اللّه عنه نحس يومه فليفتتح يومه بصدقة يُذهب اللّه بها [عنه] نحس يومه، ومَن أحبّ أن يذهب اللّه عنه نحس ليلته فليفتتح ليلته بصدقة يدفع اللّه عنه بليلته». فقلت: إنّي افتتحتُ خروجي بصدقة، فهذا خيرٌ لك من النجوم. ۴۳
قيل: هذا الخبر يدلّ على أنّه لو كان لها نحوسة، فهي تدفع بالصدقة، وأنّه لا ينبغي مراعاتها، بل ينبغي التوسّل في دفع أمثال ذلك بما ورد عن المعصومين عليهم السلام من الدّعاء والصدقة والتوكّل على اللّه . ۴۴
منها: ما رواه السيّد ابن طاووس، قال: وجدت في أصل من اُصول أصحابنا اسمه كتاب التجمّل، بإسناده عن جميل، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال: «كان قد علم نبوّة نوح عليه السلام بالنجوم». ۴۵
قال بعض الأفاضل:
هذا الخبر مرسلاً ويدلّ على أنّه يمكن أن يعرف بعض الأشياء بالنجوم، ولا يدلّ على جواز النظر في علمها، واستخراج الأحكام منها، وكذا الأخبار التي أوردها بأنّ ولادة إبراهيم عليه السلام عُرفت بالنجوم، وكذا بعثة النبيّ صلى الله عليه و آله وغيرها من الحوادث، إذ شيء منها لا يعارض أخبار المنع ولا ينافيها. ۴۶
أقول: وكذا لا يدلّ هذه الأخبار وأمثالها على كون النجوم مؤثّرة، إذ يجوز كونها علامات لحدوث تلك الآثار، كما سنبيّنه فيما بعد إن شاء اللّه .
منها: ما رواه السيّد أيضا في رسالة النجوم، قال:
وجدتُ في كتاب عتيق عن عطاء، قال: قيل لعليّ بن أبي طالب عليه السلام : هل كان للنجوم أصل؟ قال: «نعم، نبيّ من الأنبياء قال له قومه: إنّا لا نؤمن لك حتّى تعلّمنا بدء الخلق وآجالها، فأوحى اللّه ـ عزّ وجلّ ـ إلى غمامة فأمطرتهم، واستنقع حول الجبل ماءً صافيا، ثمّ أوحى اللّه ـ عزّ وجلّ ـ إلى الشمس والقمر والنجوم أن تجري في ذلك الماء، ثمّ أوحى اللّه إلى ذلك النبيّ عليه السلام أن يرتقي هو وقومه على الجبل، فارتقوا الجبل فقاموا على الماء حتّى عرفوا بدء الخلق وآجالهم بمجاري الشمس والقمر والنجوم وساعات الليل والنهار، وكان أحدهم يعلم من يموت، ومتى يمرض، ومن ذا الذي يولد له، ومن ذا الذي لا يولد له، فبقوا كذلك برهة من دهرهم، ثمّ إنّ داود عليه السلام قاتلهم على الكفر، فأخرجوا على داود عليه السلام في القتال من لم يحضر أجله ومن حضر أجله خلّفوه في بيوتهم، فكان يقتل أصحاب داود عليه السلام ، ولا يقتل من هؤلاء أحدٌ، فقال داود عليه السلام : ربِّ اُقاتل على طاعتك، ويُقاتل هؤلاء على معصيتك، يقتل أصحابي ولا يقتل من هؤلاء أحد، فأوحى اللّه ـ عزّ وجلّ ـ : إنّي كنت علّمتهم بدء الخلق والآجال، إنّما أخرجوا إليك من لم يحضر أجله ومن حضر أجله خلّفوه في بيوتهم، فمن ثمّ يقتل من أصحابك ولا يقتل منهم أحد. قال داود عليه السلام : يا ربِّ، ماذا علّمتهم؟ قال: على مجاري الشمس والقمر والنجوم وساعات الليل والنهار». قال: «فدعا اللّه ـ عزّ وجلّ ـ فحبس الشمس عليهم، فزاد في النهار واختلطت الزيادة بالليل والنهار، فلم يعرفوا قدر الزيادة فاختلط حسابهم». وقال عليّ عليه السلام : «فمن ثمّ كره النظر في علم النجوم». ۴۷
قال بعض الأفاضل:
هذا الحديث مع إرساله وضعفه يدلّ على أنّ لهذا العلم كانت حقيقة، فبطلت في الآن، وظاهر التعليل والتفريع أن تكون الكراهة هنا بمعنى الحرمة، انتهى. ۴۸
وفيه نظر.
منها: ما رواه في نهج البلاغة في ذيل خطبة الأشباح في صفة السماء: «وجعل شمسها آية مبصرة لنهارها، وقمرَها آية مَمْحوّة من ليلها ـ إلى أن قال: ـ وأجراها على أذلال تَسخيرها من ثَبات ثابتهاء ومسير سائرها، وهبوطها وصعودها، ونحوسها وسعودها». ۴۹
قال الجوهري: «يُقال: دَعْهُ على أذلاله، أي على حاله. واُمور اللّه جارية على أذلالها، أي على مجاريها وطرقها». ۵۰
أقول: فيه دلالة على أنّ للكواكب سعدا ونحسا، ولا يدلّ على إمكان إحاطة علم غير المعصوم بهما، فلا منافاة بينه وبين الأخبار السابقة.
منها: ما رواه ابن طاووس رحمه الله قال: رويت بعدّة طرق إلى يونس بن عبد الرحمن في جامعه الصغير قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : جُعلت فداك، أخبرني عن علم النجوم ما هو؟
قال: «هو علمٌ من علم الأنبياء».
قال: فقلت: أ كان عليّ بن أبي طالب عليه السلام يعلمه؟ فقال: «كان أعلم الناس به». ۵۱
منها: ما رواه السيّد أيضا في كتاب مسائل الصباح بن نضر الهندي، ورواية أبي العبّاس بن نوح، ومحمّد بن أحمد الصفواني، بالإسناد المتّصل فيه عن الريّان بن الصلت: أنّ الصباح سأل الرضا عليه السلام عن علم النجوم، فقال: «هو علمٌ في أصل صحيح، ذكروا [أنّ] أوّل كلّ من تكلّم في النجوم إدريس عليه السلام ، وكان ذو القرنين به ماهرا، وأصل هذا العلم من عند اللّه عزّ وجلّ، ويُقال: إنّ اللّه بعث المنجّم الذي يُقال له: «المشتري» إلى الأرض في صورة رجل، فأتى بلد العجم، فعلّمهم في حديثٍ طويل، فلم يستكملوا ذلك، فأتى بلد الهند، فعلّم رجلاً منهم، فمن هناك صار علم النجوم بها. وقد قال قوم: هو علمٌ من علم الأنبياء، وخصّوا به لأسبابٍ شتّى، فلم يتدرك المنجّمون الدقيق منها، فشابوا الحقّ بالكذب». ۵۲
أقول: آخر هذا الخبر صريح باختصاص هذا العلم بالأنبياء عليهم السلام ، وإن كان في بعض فقراته إشعارٌ بخلاف ذلك، لكن فيها شائبة من التقيّة، كما لا يخفى على مَن له معرفة بأساليب الأخبار الواردة عن أهل البيت عليهم السلام ، سيّما ورود هذا الخبر في زمن استيلاء المأمون وخوضه وولوعه بفنون الفلسفة، واهتمامه في ترويجها فيما بين الناس مشهور، وفي كتب السِّير مسطور.
منها: ما رواه السيّد المذكور في كتاب فرج المهموم عن كتاب نزهة الكرام وبستان العوام تأليف محمّد بن الحسين بن الحسن المرادي: أنّ هارون الرشيد أنفذ على موسى بن جعفر عليهماالسلام فأحضره، فلمّا حضر عنده قال: إنّ الناس ينسبونكم يا بني فاطمة إلى علم النجوم، وإنّ معرفتكم بها معرفةٌ جيّدة، وفقهاء العامّة يقولون: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله قال: إذا ذكر أصحابي فاسكتوا، وإذا ذكر القدر فاسكتوا، وإذا ذكر النجوم فاسكتوا، وأمير المؤمنين [عليٌّ ]كان أعلم الخلائق بعلم النجوم وأولادُه وذرّيّته، الذين تقول الشيعة بإمامتهم كانوا عارفين بها، فقال له الكاظم عليه السلام : هذا حديثٌ ضعيف، وإسناده مطعون فيه، واللّه ـ تبارك وتعالى ـ قد مدح النجوم، ولولا أنّ النجوم صحيحة ما مدحها اللّه عزّ وجلّ، والأنبياء عليهم السلام كانوا عاملين بها، وقد قال اللّه تعالى في حقّ إبراهيم خليل الرحمن: «وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ» ». ۵۳ وقال في موضعٍ آخر: «فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ»۵۴ ، وقال: «إدريس عليه السلام كان أعلم زمانه بالنجوم، واللّه تعالى قد أقسم بها وقال: «فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ* وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ»۵۵ ، وقال في موضعٍ [آخر]: «وَالنَّازِعَاتِ غَرْقا»۵۶ مع قوله: «فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرا»۵۷ ويعني بذلك اثني عشر برجا، وسبعة سيّارات، والذي يظهر بالليل والنهار [هي] بأمر اللّه عزّ وجلّ، وبعد علم القرآن ما يكون أشرف من علم النجوم، وهو علم الأنبياء والأوصياء وورثة الأنبياء، الذين قال اللّه عزّ وجلّ: «وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ»۵۸ ، ونحن نعرف هذا العلم وما ننكره».
فقال له هارون: باللّه عليك يا موسى، هذا العلم لا تظهروه عند الجهّال وعوامّ الناس حتّى لا يشقون عليك ويفتتن العوام به، وغطّ هذا العلم، وارجع إلى حرم جدّك. ۵۹
أقول: هذا الخبر مع إرسال سنده لا ينافي اختصاص هذا العلم بأهل العصمة عليهم السلام ، وفي قوله عليه السلام : «ونحن نعرف هذا العلم وما ننكره» إيماء إلى ذلك، كما لا يخفى.
منها: ما رواه السيّد عن كتاب معاوية بن حكيم، عن محمّد بن زياد، عن محمّد بن يحيى الخثعمي، قال: سألت أبا عبداللّه عليه السلام عن النجوم [أ] حقٌّ هي؟ قال لي: «نعم». فقلت له: وفي الأرض مَن يعلمها؟ قال: «نعم، في الأرض من يعلمها». ۶۰
أقول: الكلام في هذا الخبر كالكلام في سابقه.
منها: ما رواه السيّد عن الكتاب المذكور مرسلاً عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال: «في السماء أربعة نجوم ما يعلمها إلّا أهل بيتٍ من العرب وأهل بيتٍ من الهند، يعرفون منهما نجما واحدا، فلذلك قام حسابهم». ۶۱
أقول: أنت خبير بأنّ كون أهل بيت من الهند عارفا بنجمٍ واحد من الأربعة، لا يدلّ على إحاطة علمهم بالنجوم وكونهم كاملين فيها، بل يدلّ على خلاف ذلك، وأيضا لا دلالة فيه على جواز النظر فيها، والعمل بها، والإخبار بأحكامها.
منها: ما رواه السيّد عن كتاب الدلائل لعبداللّه بن جعفر الحميري، بإسناده عن بيّاع السابري، قال: قلت لأبي عبداللّه عليه السلام : إنّ لي في النظرة في النجوم لذّة، وهي معيبة عند الناس، فإن كان فيها إثم تركت ذلك، وإن لم يكن فيها إثم فإنّ لي فيها لذّة؟
قال: فقال: «تعدّ الطّوالع؟»
قلت: نعم، فعددتها له.
فقال: «كم تسقى الشمس من نورها القمر؟»
قلت: هذا شيء لم أسمعه قطّ.
فقال: «وكم تسقى الزهرة الشمس من نورها؟»
قلت: ولا هذا.
قال: «فكم تسقى الشمس من اللّوح المحفوظ من نوره؟».
قلت: وهذا شيءٌ ما أسمعه قطّ.
قال: فقال: «هذا شيء إذا عرفه الرجل عرف أوسط قصبة في الاجمة». ثمّ قال: «ليس يعلم النجوم إلّا أهل بيتٍ من قريش وأهل بيت من الهند». ۶۲
منها: ما رواه السيّد من كتاب التجمّل، بإسناده عن حفص بن البختري، قال: ذكرت النجوم عند أبي عبداللّه عليه السلام فقال: «ما يعلمها إلّا أهل بيت بالهند وأهل بيت من العرب». ۶۳
منها: ما رواه السيّد من الكتاب المذكور عن محمّد وهارون ابني أبي سهل، أنّهما كتبا إلى أبي عبداللّه عليه السلام : أنّ أبانا وجدّنا كانا ينظران في النجوم، فهل يحلّ النظر فيها؟ قال: «نعم». ۶۴
وفيه أيضا أنّهما كتبا إليه: نحن وُلد نوبخت المنجّم، وقد كتبنا إليك: هل يحلّ النظر فيها؟ فكتبت: نعم. والمنجِّمون يختلفون في صفة الفلك؛ فبعضهم يقول: إنّ الفلك فيه النجوم والشمس والقمر معلّق [بالسماء] وهو دون السماء، وهو الذي يدور بالنجوم والشمس والقمر، وأنّها لا تتحرّك ولا تدور. و[بعضهم] يقولون: دوران الفلك تحت الأرض، وإنّ الشمس تدور مع الفلك تحت الأرض فتغيب في المغرب تحت الأرض، وتطلع بالغداة من المشرق، فكتب عليه السلام : «نعم، ما لم يخرج من التوحيد». ۶۵
أقول: الظاهر أنّ المراد بالنجوم في هذا الخبر علم الهيئة، لا الأحكام النجومي، فيدلّ على جواز النظر في الهيئة ما لم يخلّ بالتوحيد.
منها: ما رواه السيّد عن الكتاب المذكور هكذا: أبو محمّد، عن الحسن بن عمر، عن أبيه، ۶۶ عن أبي عبداللّه عليه السلام في قوله تعالى: «يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ» ، ۶۷ قال: «كان القمر منحوسا بزحل». ۶۸
هذا الخبر يدلّ على نحوسة بعض أوضاع الكواكب ونظراتها، ولا يدلّ على نحوسة زحل، فلا ينافي ما مرّ من خبر أبان بن تغلب.
منها: ما رواه محمّد بن شهرآشوب في كتاب المناقب مرسلاً عن أبي بصير، قال: رأيت رجلاً يسأل أبا عبداللّه عليه السلام عن النجوم، فلمّا خرج من عنده قلت له: هذا علمٌ له أصل؟ قال: «نعم». قلت: حدِّثني عنه؟ قال: «اُحدّثك عنه [بالصعب] يا سعد، ولا اُحدّثك بالنحس، إنّ اللّه ـ جلّ اسمه ـ فرض صلاة الفجر لأوّل ساعة، فهو فرض، وهي سعد، وفرض الظهر لسبع ساعات وهو فرض، وهي سعد، وجعل العصر لتسع ساعات، وهو فرض، وهي سعد». ۶۹
قال بعض الأفاضل: «يدلّ هذا الخبر على أنّ له أصل، ولا ينبغي طلبه وتحصيله والنظر فيه إلّا بقدر ما يعلم به أوقات الفرائض». ۷۰
أقول: هذه جملة من الأخبار الوارده في هذا الباب، وتركنا بعضها خوفا من الإطناب، ونرجو من اللّه سبحانه أن يكون فيما أوردناه هنا مع ما يتعلّق بكلّ منها غنىً وكفاية لطالبي الحقّ والصواب، ولنذكر نبذة من مذهب الأصحاب لتكون تبصرةً وذكرى لاُولي الألباب.
قال الشيخ المفيد ـ قدّس اللّه روحه ـ في كتاب المقالات على ما نقل عنه السيّد ابن طاووس رحمه الله:
أقول: إنّ الشمس والقمر وسائر النجوم أجسام ناريّة، لا حياة لها ولا موت، خلقها اللّه تعالى لينتفع بها عباده، وجعلها زينة لسماواته، وآية من آياته، كما قال سبحانه: «هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّه ُ ذَلِكَ إِلَا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْايَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»۷۱ ، وقال تعالى: «وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ»۷۲ ، وقال تعالى: «وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ»۷۳ ، فأمّا الأحكام على الكائنات بدلالتها والكلام على مدلول حركاتها، فإنّ العقل لا يمنع منه، ولسنا ندفع أن يكون اللّه تعالى أعلمه بعض أنبيائه وجعله علما له على صدقه، ۷۴ غير انّا لا نقطع عليه، ولا نعتقد استمراره في الناس إلى هذه الغاية، وأمّا ما نجده من أحكام المنجِّمين في هذا الوقت وإصابة بعضهم فيه، فإنّه لا ينكر أن يكون ذلك بضرب من التجربة وبدليل عادة، وقد يختلف أحيانا، ويخطئ المعتمد عليه كثيرا، ولا تصحّ إصابته فيه أبدا؛ لأنّه ليس بجارٍ مجرى دلائل العقول ولا براهين الكتاب و[لا ]أخبار الرسول صلى الله عليه و آله ، وهذا مذهب جمهور المتكلِّمين من متكلِّمي أهل العدل، وإليه ذهب بنو نوبخت ـ رحمهم اللّه ـ من الإماميّة، وأبو القاسم، وأبو عليّ من المعتزلة، انتهى. ۷۵
وقال السيّد المرتضى رضى الله عنه في جواب المسائل السلّاريّة بعدما أبطل كونها مؤثّرة بالأدلّة والبراهين:
وأمّا الوجه الآخر، وهو أن يكون اللّه تعالى أجرى العادة بأن يفعل أفعالاً مخصوصة عند طلوع كوكب أو غروبه واتّصاله أو مفارقته. وقد بيّنا أنّ ذلك ليس بمذهب المنجِّمين البتّة، وإنّما يتجمّلون الآن بالظاهر، وأنّه قد كان جائزا أن يجري اللّه العادة بذلك، لكن لا طريق إلى العلم بأنّ ذلك قد وقع وثبت.
ومن أين لنا طريق أنّ اللّه تعالى أجرى العادة بأن يكون زحل والمرّيخ إذا كان في درجة الطالع كان نحسا، وأنّ المشتري إذا كان كذلك كان سعدا؟! وأيّ سمع مقطوع به جاء بذلك؟! وأيّ بنيّ خبّر به واستفيد من جهته؟! فإن عوّلوا في ذلك على التجربة بأنّا جرّبنا ذلك ومن كان قبلنا، فوجدناه على هذه الصفة، وإذا لم يكن موجبا فيجب أن يكون معتادا. قلنا: ومن سلّم لكم صحّة هذه التجربة وانتظامها واطّرادها، وقد رأينا خطأكم فيها أكثر من صوابكم، وصدقكم أقلّ من كذبكم، فألّا نسبتم الصحّة إذا اتّفقت منكم إلى الاتّفاق الذي يقع من المخمّن والمرجّم. فقد رأينا من يصيب من هؤلاء أكثر ممّا يخطئ، وهو على غير أصلٍ معتمد ولا قاعدة صحيحة.
فإن قلتم: سبب خطأ المنجّم زلل دخل عليه في أخذ الطالع أوّل سير الكواكب.
قلنا: ولِمَ لا كانت أصابته سببها الاتّفاق والتخمين، وإنّما كان يصحّ لكم هذا التأويل والتخريج لو كان على صحّة أحكام النجوم دليلٌ قاطع هو غير إصابة المنجّم، فأمّا إذا كان دليل صحّة الأحكام الإصابة، فألّا كان دليل فسادها الخطأ [فما أحدهما في المقابلة إلّا كصاحبه].
[و]ممّا أفحم به القائلون بصحّة الأحكام، ولم يتحصّل عنه منهم جواب، إن قيل لهم في شيء بعينه: خذوا الطالع، واحكموا هل يؤخذ أو يُترك، فإن حكموا إمّا بالأخذ أو الترك خُولفوا خلاف ما خبّروا به، وقد أعضلتهم هذه المسألة والتعريف.
ثمّ قال رحمه الله ما معناه: إنّ معجزات الأنبياء عليهم السلام إخبارهم بالغيوب، فكيف يقدر عليها غيرهم؟ فيصير ذلك مانعا أن يكون ذلك معجزا لهم.
ثمّ قال رحمه الله:
والفرق بين ذلك وبين ما يخبرون به من تأثير الكواكب في أجسامنا، فالفرق بين الأمرين أنّ الكسوفات واقترانات الكواكب وانفصالها طريقه الحساب وسير الكواكب، وله اُصول صحيحة وقواعد سديدة. وليس كذلك ما يدّعونه من تأثير الكواكب الخير والشرّ والنفع والضرّ.
ولو لم يكن في الفرق بين الأمرين إلّا الإصابة الدائمة المتّصلة في الكسوفات وما يجري مجراها، فلا يكاد يبيّن [فيهما ]خطأ البتّة، فإنّ الخطأ المعهود الدائم إنّما هو في الأحكام الباقية، حتّى أنّ الصواب هو العزيز فيها، وممّا يتّفق فيها من إصابة فقد يتّفق من المخمّن أكثر منه، فحمل أحد الأمرين على الآخر قلّة دين وحياء. ۷۶
وقال رضى الله عنه في كتاب الغرر والدرر نحوا من ذلك وأشبع القول فيه، وقال في تضاعيف ما استدلّ به على عدم كون الكواكب مؤثّرة:
وأقوى من ذلك كلّه في نفي كون الفلك وما فيه من شمس وقمر وكوكب أحياءا، السمع والإجماع، وأنّه لا خلاف بين المسلمين في ارتفاع الحياة عن الفلك وما يشتمل عليه من الكواكب، وأنّها مسخّرة مدبّرة مصرّفة، وذلك معلوم من دين رسول اللّه صلى الله عليه و آله ضرورة. ۷۷
وقال في آخر كلامه:
قد أجمع المسلمون قديما وحديثا على تكذيب المنجّمين والشهادة بفساد مذاهبهم وبطلان أحكامهم، ومعلوم من دين الرسول صلى الله عليه و آله ضرورة التكذيب بما يدّعيه المنجّمون، والإزراء عليهم والتعجيز لهم، وفي الروايات عنه صلى الله عليه و آله من ذلك ما لا يُحصى كثرةً، وكذا عن علماء أهل البيت عليهم السلام وخيار أصحابه، فما زالوا يبرؤون من مذاهب المنجّمين ويعدّونها ضلالاً ومحالاً، وما اشتهر هذه الشهرة في دين الإسلام كيف يغتر بخلافه منتسب إلى الملّة، ومصلّ إلى القبلة، انتهى. ۷۸
وأمّا السيّد ابن طاووس رحمه الله فقد عمل في هذا الباب رسالة، وبالغ فيها في الإنكار على كون النجوم ذوات إرادة أو فاعلة أو مؤثّرة، واستدلّ عليه بدلائل، ونقل كلام جماعة من الأفاضل تأييدا لما ذهب إليه، لكن أثبت كونها علامات ودلالات على ما يحدث من الحوادث والكائنات، بحيث يجوز للقادر الحكيم أن يغيّرها ويبدّلها لأسبابٍ ودواعي على وفق إرادته وحكمته، وجوّز تعليمها وتعلّمها والنظر فيها. ۷۹
وقال العلّامة رحمه الله في كتاب منتهى المطلب:
التنجيم حرام، وكذا تعلّم النجوم مع اعتقاد أنّها مؤثّرة، أو أنّ لها مدخلاً في التأثير بالنفع والضرّ.
وبالجملة: كلّ من لم يعتقد ربط الحركات النفسانيّة والطبيعيّة بالحركات الفلكيّة والاتّصالات [الكوكبيّة] كامز، وأخذ الاُجرة على ذلك حرام، وأمّا من يتعلّم النجوم ليعرف قدم سير الكواكب وبعده وأحواله من الربيع والخريف وغيرهما فإنّه لا بأس به. ۸۰
ونحوه قال في التحرير ۸۱ والقواعد. ۸۲
وقال الشهيد رحمه الله في قواعده: كلّ من اعتقد في الكواكب أنّها مدبّرة لهذا العالم، وموجدة ما فيه، فلا ريب أنّه كافر. وإن اعتقد أنّها تفعل الآثار المنسوبة إليها، واللّه سبحانه هو المؤثّر الأعظم، كما يقوله أهل العدل، فهو مخطئ؛ إذ لا حياة لهذه الكواكب ثابتة بدليل عقلي ولا نقلي. وبعض الأشعريّة يكفّرون هذا، كما يكفّرون الأوّل. ۸۳ وأوردوا على أنفسهم عدم إكفار المعتزلة، وكلّ من قال بفعل العبد. وفرّقوا بأنّ الإنسان وغيره من الحيوان يوجد فعله مع أنّ التذلّل ظاهر عليه، ۸۴ فلا يحصل منه اهتضام لجانب الربوبيّة، بخلاف الكواكب؛ فإنّها غائبة عنه، فربما أدّى ذلك إلى اعتقاد استقلالها وفتح باب الكفر.
وأمّا ما يُقال من أنّ استناد الأفعال إليها كاستناد الإحراق إلى النار وغيرها من العاديّات؛ بمعنى أنّ اللّه تعالى أجرى عادته أنّها إذا كانت [على شكل ]مخصوص، أووضع مخصوص، تفعل ما ينسب إليها، ويكون ربط المسبّبات بها كربط مسبّبات الأدوية والأغذية بها مجازا، باعتبار الربط العادي، لا الفعل الحقيقي، فهذا لا يكفر معتقده، ولكنّه مخطئ أيضا، وإن كان أقلّ خطأً من الأوّل؛ لأنّ وقوع هذه الآثار عندها ليس بدائم ولا أكثري، انتهى. ۸۵
وقد نقلنا كلامه رحمه اللهمن الدروس في ضمن شرح الحديث، فتذكّر.
وقال المحقّق الشيخ عليّ رحمه الله:
التنجيم: الإخبار عن أحكام النجوم باعتبار الحركات الفلكيّة والاتّصالات الكوكبيّة التي مرجعها إلى القياس والتخمين ـ إلى أن قال: ـ وقد ورد عن صاحب الشرع النهي عن تعلّم النجوم بأبلغ وجوهه، حتّى قال أمير المؤمنين عليه السلام : «إيّاكم وتعلّم النجوم إلّا ما يهتدى به في برٍّ أو بحر؛ فإنّها تدعو إلى الكهانة، والمنجّم كالكاهن، والكاهن كالساحر، والساحر كالكافر، والكافر في النار». ۸۶
إذا تقرّر ذلك فاعلم أنّ التنجيم مع اعتقاد أنّ للنجوم تأثيرا في الموجودات السفليّة ولو على جهة المدخليّة حرام، وكذا تعلّم النجوم على هذا الوجه، بل هذا الاعتقاد كفرٌ في نفسه، نعوذ باللّه منه.
أمّا التنجيم لا على هذا الوجه مع التحرّز عن الكذب فإنّه جائز، فقد ثبت كراهيّة التزويج وسفر الحجّ في العقرب، وذلك من هذا القبيل. نعم، هو مكروه، لأنّه ينجرّ إلى الاعتقاد الفاسد، وقد ورد النهي عنه مطلقا حسما للمادّة. ۸۷
وقال الشيخ البهائي رحمه الله:
ما يدّعيه المنجّمون من ارتباط بعض الحوادث السفليّة بالأجرام العلويّة إن زعموا أنّ تلك الأجرام هي العلّة المؤثّرة في تلك الحوادث بالاستقلال، أو أنّها شريكة في التأثير، فهذا لا يحلّ للمسلم اعتقاده. وعلم النجوم المبتني على هذا كفر، والعياذ باللّه ، وعلى هذا حمل ما ورد في الحديث من التحذير من علم النجوم والنهي عن اعتقاد صحّته.
وإن قالوا: إنّ اتّصالات تلك الأجرام وما يعرض لها من الأوضاع علامات على بعض حوادث هذا العالم ممّا يوجده اللّه سبحانه بقدرته وإرادته، كما أنّ حركات النبض واختلافات أوضاعه علامات يستدلّ بها الطبيب على ما يعرض للبدن من قرب الصحّة واشتداد المرض ونحو ذلك، وكما يستدلّ باختلاج [بعض] الأعضاء على بعض الأحوال المستقبلة، فهذا لا مانع منه، ولا حرج في اعتقاده. وما روي من صحّة علم النجوم وجواز تعلّمه محمولٌ على هذا المعنى، انتهى. ۸۸
ثمّ اعلم يا أخي ـ وفّقك اللّه للرّشاد والسداد ـ أنّ ما رويناه من الأخبار، منه آياتٌ محكمات هُن اُمّ الكتاب، واُخر متشابهات، فإن أمعنت النظر في محكماته، ورددت إليها متشابهاته، واتّبعت سبيل المؤمنين، ولم تشقّ عصا المسلمين، وقلت «لَا أُحِبُّ الْافِلِينَ»،۸۹ و «يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِى ءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ* إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ»۹۰ كنت من المتّقين الموحِّدين، الذين طوبى لهم وحسن مآب، «جَنَّـتِ عَدْنٍ مُّفَتَّحَةً لَّهُمُ الْأَبْوَ بُ» ، ۹۱ وأمّا «الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَـبَهَ مِنْهُ ابْتِغَآءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَآءَ تَأْوِيلِهِ» ، ۹۲ بل «عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * أَجَعَلَ الْالِهَةَ إِلَها وَاحِدا إِنَّ هَذَا لَشَىْ ءٌ عُجَابٌ * وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَىْ ءٌ يُرَادُ* مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْاخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَا اخْتِلَاقٌ» ، ۹۳«أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ* أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ* جُندٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنْ الْأَحْزَابِ * كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ* وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأَيْكَةِ أُوْلَئِكَ الْأَحْزَابُ* إِنْ كُلٌّ إِلَا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ» . ۹۴
1.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج ۱۲، ص ۲۵۶ و ۲۵۷.
2.الدروس الشرعيّة، ج ۳، ص ۱۶۵.
3.الصحاح، ج ۱، ص ۱۱۰ ـ ۱۱۲ (حسب) مع التلخيص.
4.القاموس المحيط، ج ۳، ص ۵۹ (طلع).
5.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۹۵.
6.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج ۱۲، ص ۲۵۷.
7.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۹۵.
8.الصحاح، ج ۳، ص ۱۳۰۲ (وقع).
9.القاموس المحيط، ج ۱، ص ۱۱۶ (قصب).
10.قاله المحقّق المازندراني رحمه الله في شرحه، ج ۱۲، ص ۲۵۷.
11.لقمان (۳۱): ۳۴.
12.لم نعثر على الحديث في الخصال، ولكن رواه في أماليه، ص ۴۱۵، المجلس ۶۴، ح ۱۶.
13.نهج البلاغة، ص ۱۰۵، الكلام ۷۹.
14.الاحتجاج، ج ۱، ص ۲۳۹.
15.. الحجرات (۴۹): ۱۱.
16.الخصال، ج ۲، ص ۴۸۹، ح ۶۸.
17.الاحتجاج، ج ۲، ص ۳۵۲.
18.القاموس المحيط، ج ۲، ص ۳۸ (زجر).
19.القاموس المحيط، ج ۳، ص ۱۷۹ (عوف).
20.الاحتجاج، ج ۲، ص ۹۳.
21.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۴۷۰.
22.الخصال، ج ۱، ص ۶۲، ح ۸۷.
23.الخصال، ج ۱، ص ۲۲۶، ح ۶۰.
24.قاله العلّامة المجلسي رحمه اللهفي مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۴۷۰.
25.الخصال، ج ۱، ص ۴۱۷، ح ۱۰.
26.الخصال، ج ۱، ص ۲۹۷، ح ۶۷.
27.نفس المصدر، ذيل الحديث.
28.في المصدر: «صنعتك».
29.فتح الأبواب، ص ۱۹۸.
30.فرج المهموم، ص ۸۷.
31.فرج المهموم، ص ۹۳.
32.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۴۷۴.
33.فرج المهموم، ص ۱۱۴.
34.الفقيه، ج ۲، ص ۲۶۹، ح ۲۴۰۶.
35.الفقيه، ج ۲، ص ۲۶۹، ح ۲۴۰۶.
36.قاله المحقّق الفيض رحمه الله في الوافي، ج ۲۶، ص ۵۲۱.
37.تفسير القمّي، ج ۲، ص ۳۴۹.
38.الصحاح، ج ۱، ص ۷۹ (نوأ).
39.معاني الأخبار، ص ۳۲۶، ح ۱.
40.. يوسف (۱۲): ۱۰۶.
41.في المصدر: «يقولون نمطر «بدل» يمطرون».
42.تفسير العيّاشي، ج ۲، ص ۱۹۹، ح ۹۱.
43.الكافي، ج ۴، ص ۶، ح ۹.
44.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۴۸۰.
45.فرج المهموم، ص ۲۴.
46.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۴۷۰.
47.فرج المهموم، ص ۲۲ (مع اختلاف في بعض الألفاظ).
48.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۴۷۳.
49.نهج البلاغة، ص ۱۲۷، الخطبة ۹۱.
50.الصحاح، ج ۴، ص ۱۷۰۲ (ذلل).
51.فرج المهموم، ص ۲۳.
52.فرج المهموم، ص ۹۴.
53.. الأنعام (۶): ۷۵.
54.. الصافّات (۳۷): ۸۸ ـ ۸۹.
55.. الواقعة (۵۶): ۷۵ ـ ۷۶.
56.. النازعات (۷۹): ۱.
57.. النازعات (۷۹): ۵.
58.. النحل (۱۶): ۱۶.
59.فرج المهموم، ص ۱۰۸ (مع تلخيص واختلاف في اللفظ).
60.فرج المهموم، ص ۹۱.
61.فرج المهموم، ص ۹۱.
62.فرج المهموم، ص ۹۷.
63.فرج المهموم، ص ۱۰۰.
64.فرج المهموم، ص ۱۰۰.
65.فرج المهموم، ص ۱۰۰.
66.في المصدر: - «عن أبيه».
67.. القمر : ۱۹.
68.فرج المهموم، ص ۱۰۰ و ۱۰۱.
69.المناقب، ج ۴، ص ۲۶۵.
70.قاله العلّامة المجلسي رحمه الله في مرآة العقول، ج ۲۶، ص ۴۷۷.
71.. يونس (۱۰): ۵.
72.. النحل (۱۶): ۱۶.
73.. فصّلت (۴۱): ۱۲.
74.في المصدر: - «ولسنا ـ إلى قوله: - على صدقه».
75.اوائل المقالات، ص ۲۶۴؛ فرج المهموم، ص ۳۸.
76.رسائل المرتضى، ج ۲، ص ۳۰۴ ـ ۳۱۱.
77.نقل عنه العلّامة المجلسي رحمه الله في بحار الأنوار، ج ۵۵، ص ۲۸۲ ـ ۲۹۰.
78.بحار الأنوار، ج ۵۵، ص ۲۸۹.
79.اُنظر: فرج المهموم، ص ۱ ـ ۲۶۰.
80.منتهى المطلب، ج ۲، ص ۱۰۱۴.
81.اُنظر: تحرير الأحكام، ج ۲، ص ۲۶۱.
82.اُنظر: قواعد الأحكام، ج ۲، ص ۹.
83.حكي عن بعض الفقهاء المعاصرين للشيخ عزّ الدين بن عبد السلام (م ۶۶۰ه). اُنظر: الفروق اللغويّة، ج ۱، ص ۱۲۶.
84.في المصدر: «التذلّل والعبوديّة ظاهرة عليه».
85.القواعد والفوائد، ج ۲، ص ۳۵ و ۳۶.
86.نهج البلاغة، ج ۱، ص ۱۲۹، الكلام ۷۹.
87.جامع المقاصد، ج ۴، ص ۳۲.
88.الحديقة الهلاليّة، ص ۱۳۹ و ۱۴۰.
89.الأنعام (۶): ۷۶.
90.الأنعام (۶): ۷۸ و ۷۹.
91.ص (۳۸): ۵۰.
92.آل عمران (۳): ۷.
93.ص (۳۸): ۴ ـ ۷.
94.ص (۳۸): ۹ ـ ۱۴.