77
العنعنة

4 ـ صحيفة الإمام الرضا عليه السلام :

من مسانيد أهل البيت عليهم السلام المشهورة ، والّتي رواها الخاصّة والعامّة بأسانيد متضافرة وفيرة كثيرة جدّا ، وقع في طريقها المئات من أعلام المسلمين من الفريقين ۱ . والسند إلى الكتاب في النسخة المطبوعة هو :
أخبرنا أبو بكر ، محمّد بن عبد اللّه بن محمّد ، حَفَدَة العبّاس بن حمزة النيسابوريّ ، سنة سبع وثلاثين وثلاثمئة ، قال : حدّثنا أبو القاسم ، عبد اللّه بن أحمد بن عامر الطائي ، بالبصرة ، قال : حدّثني أبي ، سنة ستّين ومئتين ، قال : . . .
ومن هذا يبدأ السند بسلسلة الذَهَب ، المحتوي على أسماء الأئمّة الأطهار عليهم السلام ، وهو :
حدّثني عليّ بن موسى الرضا عليه السلام سنة أربع وتسعين ومئة ، قال : حدّثني أبي ، موسى بن جعفر ، قال : حدّثني أبي ، جعفر بن محمّد ، قال : حدّثني أبي ، محمّد بن عليّ ، قال : حدّثني أبي ، عليّ بن الحسين ، قال : حدّثني أبي ، الحسين بن عليّ ، قال : حدّثني أبي ، عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، قال : قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم : « يقول اللّه عزّ وجلّ : لا إله إلّا اللّه حصني ، فمن دخل حصني أمِنَ مِنْ عذابي » ۲ .
وعن هذا الكتاب وهذا السند ، قال موفّق الدين بن قدامة المقدسي ( ت620 ه ) بعد ذِكر الأئمّة عليهم السلام ، الباقر إلى الرضا عليهماالسلام ما نصّه : كلّهم أئمّة مرضيّون ، وفضائلهم كثيرة مشهورة ، وفي بعض رواياتهم عن آبائهم نسخة يرويها عليّ بن موسى ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر ، عن أبيه محمّد بن عليّ ، عن الحسين بن عليّ ، عن أبيه ، عن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم .
قال بعض أهل العلم : « لو قرئ هذا الإسناد على مجنونٍ لبرئ » ۳ .
أقول :
نُسب هذا القول إلى أحمد بن حنبل ۴ ، ونُسب إليه قوله لأبي الصلت الهروي أحد رواة الصحيفة : « يا أبا الصلت ، لو قرئ هذا الإسناد على المجانين لأفاقوا » ۵ ، ونُسب إلى أبي الصلت قوله : هذا سعوط المجانين ! هذا عطر الرجال ذوي الألباب ۶ .
وقد روى الحديث السيّد الشجريّ في أماليه ، فقال : وبه قال : أخبرنا أبو يعلى ، الخليل بن عبد اللّه بن أحمد ، الحافظ ، إملاءً من حفظه ، ولفظه ، قال : حدّثنا أبو الحسن ، أحمد بن محمّد بن عمر الزاهد ، ومحمّد بن عبد اللّه بن محمّد الحافظ ، جميعا ، بنيسابور ، قالا : حدّثنا أحمد بن محمّد بن هاشم البلاذري الحافظ ، قال : حدّثني الحسن بن عليّ بن محمّد ، إمام عصره عند الإمامية ، بمكّة ، قال : حدّثني أبي ، عليّ بن محمّد ، المفتي ، قال : حدّثني أبي ، محمّد بن عليّ ، السيّد المحجوب ، قال : حدّثني أبي ، عليّ بن موسى ، الرضا ۷ ، قال : حدّثني أبي ، جعفر بن محمّد ، الصادق ، قال : حدّثني أبي ، محمّد بن عليّ ، الباقر ، قال : حدّثني أبي ، عليّ بن الحسين ، زين العابدين ، قال : حدّثني أبي ، الحسين بن عليّ ، سيّد الشهداء ، قال : حدّثني أبي ، عليّ بن أبي طالب ، سيّد الأوصياء عليهم السلام ، قال : حدّثني محمّد صلى الله عليه و آله وسلم ، قال : « حدّثني جبرئيل ، سيّد الملائكة عليهم السلام عن اللّه ربّ الأرباب تعالى ، قال : إنّي أنا اللّه لا إله إلّا أنا ، فمن قالها دخل حصني ، ومن دخل حصني أمِنَ مِن عذابي » ۸ .
وقد روى الصدوق هذا الحديث في العيون عن عبد السلام أبي الصلت الهروي ، وبلفظ « حدّثني » إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، قال : سمعتُ النبيّ صلّى اللّه عليه يقول : سمعتُ جبرئيل يقول : قال اللّه جلّ جلاله : . . . الحديث ۹ .
ورواه ثالثا ، بلفظ حديث البلاذري السابق .
ورواه رابعا ، بسنده عن إسحاق بن راهوَيْه ، قال : لمّا وافى أبو الحسن الرضا عليه السلام نيسابور ، وأراد أن يخرجَ منها إلى المأمون ، اجتمع عليه أصحاب الحديث فقالوا له : يابن رسول اللّه ، ترحَلُ عنّا ولا تحدّثنا بحديثٍ فنستفيده منك ؟ ! وكان قد قَعَدَ في العمارية ، فأطلعَ رأسه ، وقال : سمعتُ أبي ، موسى بن جعفر يقول : سمعتُ أبي ، جعفر بن محمّد يقول : سمعتُ أبي ، محمّد بن عليّ يقول : سمعتُ أبي ، عليّ بن الحسين يقول : سمعتُ أبي ، الحسين بن عليّ يقول : سمعتُ أبي ، أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام يقول : سمعتُ النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم يقول : [ سمعتُ جبرئيل يقول : ] ۱۰ . سمعتُ اللّه عزّ وجلّ ، يقول : . . . ۱۱ .
وروى مثله نسقا : الطبريّ الإماميّ ۱۲ .
وبسند الصحيفة ، نقل الخطيب البغدادي بعض أحاديث الصحيفة ، مع لفظ الأداء « حدّثني » في جميع الوسائط ۱۳ .
ومع اتّفاق الناقلين لهذا الحديث على إيراده بألفاظ الأداء « حدّثني » أو « سمعتُ » في طول السند ، إلّا أنّ المنقول عن الحاكم النيسابوري في تاريخ نيسابور أنّه رواه بالعنعنة ، وأنّ الإمام الرضا عليه السلام قال : حدّثني أبي موسى الكاظم ، عن أبيه جعفر الصادق ، عن أبيه محمّد الباقر ، عن أبيه زين العابدين ، عن أبيه شهيد كربلاء ، عن أبيه عليّ المرتضى ، قال : حدّثني حبيبي وقرّة عيني رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلمقال : حدّثني جبرئيل عليه السلام ، قال : حدّثني ربّ العزّة سبحانه وتعالى ، قال : « لا إله إلّا اللّه حصني . . . » الحديث ۱۴ .
ثمّ إنّ الموجود في الصحيفة بعد الحديث الأوّل هو قوله : « وبإسناده » ، وأورد باقي أحاديث الصحيفة وهي 204 حديثا مكتفيا في أدائها بهذا اللفظ ، وهذا يدلّ على أنّ جميع أسانيد الصحيفة واردة بهذا السند المحتوي على ألفاظ الأداء « حدّثني » أو « سمعتُ » .
إلّا أنّ المؤلّفين الّذين نقلوا كثيرا من أحاديث الصحيفة في كتبهم أبدلوا ألفاظ الأداء ب « العنعنة » .
فالحديث الثالث في الصحيفة : وهو : « الإيمان إقرار باللسان ، ومعرفة بالقلب ، وعمل بالأركان » ورد كذلك بالألفاظ فيها ۱۵ وفي غيرها ۱۶ ، إلّا أنّ الصدوق أورده بالعنعنة ۱۷ .
والحديث الثالث والعشرون : ومتنه : « إنّ اللّه تعالى لَيغضب لغضب فاطمة ، ويرضى لرضاها » .
رواه الطبري الإماميّ بسند الصحيفة ، وبلفظ « حدّثني » ۱۸ ، وكذلك 2الأعلامالحموي الشافعيّ، 2الحموي الشافعيّ ۱۹ ، والخوارزميّ الحنفيّ ۲۰ ، بينما رواه أبو حمزة الثُماليّ عن الإمام الباقر عليه السلام معنعنا عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ۲۱ .
والحديث 114 من الصحيفة : رواه الشهيد الأوّل بسند الغازيّ ، عن الإمام الرضا عليه السلام معنعنا عن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم ۲۲ ، ومثله ابن زهرة الحلبي في أربعينه ، مقتصرا على قوله : « عن الرضا ، عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم » ۲۳ .
وهكذا يتبيّن أنّ العدول من ألفاظ الأداء إلى العنعنة ، كان أمرا متعارفا ، وأنّ الأمر لا يتفاوت من هذه الناحية ، فالعنعنة تؤدّي وظيفة الألفاظ الأُخرى ، سواء .

1.لاحظ الأسانيد والرواة لهذه الصحيفة في مختلف الطبقات وعلى مرّ العصور حتّى عصرنا هذا ، في مقدّمة طبعة مدرسة الإمام المهديّ عليه السلام في قمّ سنة ۱۴۰۸ ه ، وقد استدركنا عليه بطرقٍ مهمّة وأسانيد كثيرة .

2.صحيفة الإمام الرضا عليه السلام : ص ۷۸ ـ ۷۹ رقم ۱ .

3.التبيين في أنساب القرشيّين : ص ۱۳۳ ؛ ولاحظ : تذكرة الخواصّ لسبط ابن الجوزي .

4.لاحظ : الصواعق المحرقة : ص ۱۲۲ ؛ ونور الأبصار : ص ۱۴۳ .

5.أمالي الشيخ المفيد : ۲۷۵ ؛ وأمالي الشيخ الطوسي : ۲۵ ؛ ونُسب الكلام إلى أبي الصلت نفسه في سنن ابن ماجة : ج۱ ص ۲۶ ح ۲۵ ؛ وإلى بعض السلف في حلية الأولياء لأبي نُعيم : ج۳ ص ۱۹۲ .

6.أمالي الطوسي : ص ۴۴۹ .

7.في المصدر : « الرضى » وهذا إملاء علماء اليمن ، يكتبون الكلمة بألف مقصورة .

8.الأمالي الخميسية : ج۱ ص ۴۱ ؛ ولاحظ : عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج۲ ص ۱۳۵ ح ۳ ؛ ورواه الحموي في فرائد السمطين : ج۲ ص ۱۸۹ ح ۴۶۶ .

9.عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج۲ ص ۱۳۴ ح ۱ ب ۳۷ .

10.ما بين المعقوفتين ليس في رواية الصدوق .

11.عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج۲ ص ۱۳۵ ح ۴ .

12.بشارة المصطفى لشيعة المرتضى : ص ۲۶۹ .

13.الفقيه والمتفقّه : ج۲ ص ۳۲ و ۱۵۵ ، وهذا المورد الثاني هو الحديث السابع من أحاديث الصحيفة .

14.نقله الرافعي في التدوين في تاريخ قزوين : ج۲ ص ۲۱۴ ترجمة أحمد بن عليّ بن عبد الرحيم الرازي .

15.صحيفة الإمام الرضا عليه السلام : ص ۸۱ ح ۳ .

16.عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج۲ ص ۲۲۶ ۲۲۸ ح ۱ و ۲ و ۳ و ۶ .

17.المصدر السابق : ج۲ ص ۲۲۶ ـ ۲۲۸ ح ۱ و ۲ و ۳ و ۶ ؛ ولاحظ : أمالي الطوسي : ص ۱۴۸ ـ ۱۴۹ ح ۱۰۰۱ ـ ۱۰۰۴ .

18.بشارة المصطفى : ص ۲۰۸ بداية الجزء السابع .

19.فرائد السمطين : ج۲ ص ۴۶ ح ۳۷۸ .

20.مقتل الحسين عليه السلام : ج۱ ص ۵۱ ـ ۵۲ .

21.أمالي المفيد : ص ۹۴ ـ ۹۵ رقم ۴ .

22.الأربعون حديثا للشهيد الأوّل : ص ۱۹ .

23.المصدر السابق في حقوق الإخوان : ص ۴۰ .


العنعنة
76
  • نام منبع :
    العنعنة
    المؤلف :
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    الاولی
عدد المشاهدين : 93574
الصفحه من 173
طباعه  ارسل الي