ثالثا ـ كتاب رسائل الأئمّة عليهم السلام :
ذكره النجاشي في مؤلّفات الكليني ۱ ، وسمّاه الشيخ الطوسي بكتاب الرسائل ۲ وصُحِّف في معالم العلماء إلى كتاب (الوسائل) ۳ .ويعتبر هذا الكتاب من كتب الكليني المفقودة أيضا، وهو كما يبدو من اسمه خصّص لجمع رسائل الأئمّة عليهم السلام إلى أصحابهم، أو أبنائهم.وقد روى الشيخ في كتاب الغيبة قائلاً: «روى محمّد بن يعقوب، قال: خرج إلى العمري في توقيع طويل اختصرناه: ونحن نبرأ إلى اللّه تعالى من ابن هلال لا رحمه اللّه وممّن لا يبرأ منه، فاعلم الإسحاقي وأهل بلده ممّا أعلمناك من حال هذا الفاجر، وجميع من كان سألك ويسألك عنه» ۴ .وهذا النص المذكور لا وجود له في الكافي، والظاهر أخذه من كتاب رسائل الأئمّة عليهم السلام للشيخ الكليني رحمه الله.ونقل السيّد ابن طاووس (ت / 664 ه ) طرفا من هذا الكتاب مشيرا إليه صراحة حيثما ورد النقل منه، وقد قال في أحد اقتباساته منه: «قد روى الشيخ المتّفق على ثقته وأمانته محمّد بن يعقوب الكليني تغمّده اللّه جلّ جلاله برحمته رسالة مولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام إلى جدّك ۵ الحسن ولده سلام اللّه ـ جلّ جلاله ـ عليهما، وروى رسالة اُخرى مختصرة عن خطّ علي عليه السلام إلى ولده محمّد بن الحنفية رضوان اللّه ـ جلّ جلاله ـ عليه، وذكر الرسالتين في كتاب الرسائل ، ووجدنا في نسخة قديمة يوشك أن يكون كتابتها في زمان حياة محمّد بن يعقوب رحمة اللّه عليه» ۶ .ويبدو أنّ السيّد ابن طاووس كان متأثّرا بهذا الكتاب مفضّلاً له على ما عداه من كتب بهذا المجال فقال: «ورأيت يا ولدي بين رواية الحسن بن عبداللّه العسكري مصنّف كتاب (الزواجر والمواعظ) الذي قدّمناه وبين الشيخ محمّد بن يعقوب في رسالة أبيك أمير المؤمنين علي عليه السلام إلى ولده تفاوتا، فنحن نوردها برواية محمّد بن يعقوب فهو أجمل وأفضل ۷ فيما قصدناه. فذكر محمّد بن يعقوب الكليني في كتاب الرسائل بإسناده إلى أبي جعفر بن عنبسة، عن عباد بن زياد الأسدي، عن عمر بن أبي المقدام، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال: لمّا أقبل أمير المؤمنين عليه السلام من صفّين كتب إلى ابنه الحسن عليه السلام : بسم اللّه الرحمن الرحيم، من الوالد الفاني المقرّ للزمان، المدبر للعمر، المستسلم للدهر، الذام الدنيا، والساكن مساكن الموتى، الظاعن عنها غدا، إلى الولد المؤمل ما لا يدرك، السالك سبيل من قد هلك... » ۸ .وفي كتاب فتح الأبواب للسيّد ابن طاووس أيضا ورد النقل الصريح من هذا الكتاب بقوله: «قال محمّد بن يعقوب الكليني فيما صنّفه من كتاب رسائل الأئمّة صلوات اللّه عليهم، فيما يختصّ بمولانا الجواد صلوات اللّه عليه. فقال: ومن كتاب إلى علي بن أسباط : بسم اللّه الرحمن الرحيم، وفهمت ما ذكرت من أمر بناتك...» ۹ .ويبدو أنّ الكليني رحمه اللّه تعالى قد نقل من كتابه الرسائل بعضا من رسائل الأئمّة عليهم السلام إلى كتابه الكافي كما يتّضح من رواية معظم الكتاب المبعوث إلى علي بن أسباط، عن عِدّة من أصحابنا عن سهل بن زياد. ومحمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد جميعا؛ عن علي بن مهزيار، قال: كتب علي بن أسباط إلى أبي جعفر عليه السلام . ثمّ ذكر مثلما ورد عن ابن طاووس في نقله من كتاب الرسائل المذكور ۱۰ ممّا يحتمل معه أن تكون رسائل الأئمّة عليهم السلام التي تضمّن بعضها الكافي لاسيّما في الروضة مأخوذة من كتابه الرسائل، هذا إذا علمنا أنّ كتاب الكافي هو آخر كتبه تأليفا.هذا وقد روى النصّ المذكور كلّ من الحرّ العاملي ۱۱ والمجلسي ۱۲ من كتاب رسائل الأئمّة عليهم السلام للشيخ الكليني، والظاهر من كلام الفيلسوف الربّاني صدر المتألّهين الشيرازي (ت / 1050 ه ) في شرح اُصول الكافي، أنّ كتاب رسائل الأئمّة عليهم السلام لثقة الإسلام الكليني قد وصل إلى عصره، بل اعتمده أيضا، حيث قال: «روى محمّد بن يعقوب الكليني رحمه الله في كتاب الرسائل بإسناده عن سنان بن طريف ، عن أبي عبداللّه عليه السلام ، قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يكتب هذه الخطبة إلى أكابر الصحابة وفيها كلام رسول اللّه صلى الله عليه و آله :بسم اللّه الرحمن الرحيم
إلى المقرّبين في الأظلّة، الممتحنين بالبلية، المسارعين في الطاعة ـ ثمّ نقل من هذه الخطبة الشيء الكثير ـ إلى أن قال الشيرازي ـ : من كلام طويل أخذنا منه مواضع الحاجة» ۱۳ . وهذا الكلام صريح على وصول كتاب الرسائل إلى عصر صدر المتألّهين، ووقوفه عليه مع النقل المباشر منه بلا واسطة.وقد قمت أخيرا بمحاولة جمع ما تفرّق من هذا الكتاب وتحقيقه وتخريجه، وبلغت فيه زهاء خمسين صفحة، وحالت دون إتمامه ظروف قاسية، وفي النيّة العودة إليه بعد اتمام بعض المشاريع العلمية، وما التوفيق إلّا من عند اللّه .هذا.. وقد قال ابن أبي الحديد المعتزلي في شرح النهج : «وروى محمّد بن يعقوب الكليني، قال: استصرخ أمير المؤمنين عليه السلام الناس عُقيب غارة الضحّاك بن قيس الفهري على أطراف أعماله، فتقاعدوا عنه، فخطبهم، فقال: ما عزّت دعوة من دعاكم، ولا استراح قلب من قاساكم...» ۱۴ .وهذه الخطبة غير موجودة في الكافي، ممّا يُحتمل أخذها من هذا الكتاب المفقود وإن كان في خصوص الرسائل لا الخُطب، إذ ربّما اقتضت المناسبة ذكرها فيه.
1.. رجال النجاشي : ص ۳۷۷ الرقم ۱۰۲۶.
2.. فهرست الشيخ الطوسي : ص ۲۱۰ الرقم ۶۰۲ (۱۷).
3.. معالم العلماء : ص ۹۹ الرقم ۶۶۶ .
4.. كتاب الغيبة للطوسي : ص ۳۵۳ ح ۳۱۳ (السفراء الممدوحون في زمان الغيبة)، وعنه في بحار الأنوار : ج ۵۰ ص ۳۰۷ ح ۳ .
5.. يرجع الضمير المخاطب إلى ولده صفيّالدين محمّد.
6.. كشف المحجّة لثمرة المهجة : ص ۱۵۸ ـ ۱۵۹ .
7.. جاء في مقدّمة اُصول الكافي للاُستاذ الدكتور حسين علي محفوظ : ج ۱ ص ۲۶ عند حديثه عن كتاب الكافي عند الإمامية: «... وهو عندهم (أجمل وأفضل) من سائر اُصول الأحاديث» مشيرا بالهامش الذي وضعه بعد عبارة أجمل وأفضل المذكورة في النصّ السابق إلى كتاب كشف المحجّة لابن طاووس ص: ۱۵۹، وقد اتّضح من النصّ أعلاه أنّ هذه العبارة (أجمل وأفضل) أُطلقت على كتاب الرسائل لا كتاب الكافي ، ولكن جاء ذلك سهوا من قلم اُستاذنا الكبير محفوظ، ومن أدبه الجمّ أنّه اطّلع على هذه الملاحظة في رسالتي للماجستير حول الكافي التي أعددتها (سنة / ۱۴۰۹ ه ) في العراق حول الكافي ، فأبدى ارتياحه الشديد إليها وشكرني عليها .
8.. كشف المحجّة : ص ۱۵۹، وقد نقل منه في ص ۱۷۳ و ۱۸۹ بهذا الاسم ، إلّا أنّه نقل منه في ص: ۱۵۳ بعنوان: الوسائل ، والظاهر وقوع التصحيف من الناسخ.
9.. فتح الأبواب بين ذوي الألباب وبين ربّ الأرباب في الاستخارات : ص ۱۴۳ ـ ۱۴۴.
10.. فروع الكافي : ج ۵ ص ۳۴۷ ح ۲ باب ۲۴ من كتاب النكاح.
11.. وسائل الشيعة : ج ۲۰ ص ۷۶ ح ۲۵۰۷۳ (۱) باب ۲۸ من أبواب مقدّمات النكاح وآدابه.
12.. بحار الأنوار : ج ۹۱ ص ۲۶۴ ح ۱۸.
13.. شرح اُصول الكافي / صدر المتألّهين الشيرازي : ج ۲ ص ۶۱۲ ـ ۶۱۵.
14.. شرح نهج البلاغة : ج ۲ ص ۱۱۷ شرح الخطبة رقم (۲۹) بعنوان: «غارة الضحّاك بن قيس ونُتف من أخباره».