ثالثا ـ ألقابه:
اللقب، ثالث أقسام العَلَم بعد الاسم والكنية، قال ابن مالك في ألفيّته:
واسما أتى، وكنيةً، ولقباوأخِّرن ذا إن سواه صحبا۱
يريد بهذا أنّه لا يجوز تقديم اللقب على الاسم أو الكنية بل لابدّ من تأخيره لغةً ، ولكن الصحيح عدم جواز تقديم اللقب على الاسم إن اجتمعا، وأمّا لو اجتمع مع الكنية فالأمر بالخيار، ولهذا اعترض شارحه بأنّه لو قال: «وأخِّرن ذا إن سواها صحبا» لم يرد عليه شيء.
والألقاب على كثرتها وتنوّعها ترجع إلى نوعين:
الأوّل ـ الألقاب المرغوب عنها، وهي كلّ ما كُرِه التلقيب به، كالأبرص، والأفطس والأثرم، ونحو هذا كثير. وقد سمّى القرآن الكريم هذا النوع من الألقاب بالاسم الفسوق ونهى عنه بقوله تعالى: «وَ لَا تَنَابَزُواْ بِالْأَلْقَـبِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ»۲ ، أي: لا تعيبوا إخوانكم المؤمنين. ويمكن إطلاق مثل هذه الألقاب على جهة التعريف بأصحابها لمن لا يعرفهم إلّا بها، وأمّا لقب الكذّاب، والمشعوذ، والدجّال، والمنافق، وغيرها من الألقاب الدّالة على خسَّةٍ ووضاعة، فهي من المنهي عنها أيضا، ولكن التزم الرجاليون بإطلاقها على بعض الرواة؛ لما في ذلك مع نفعٍ كبير يعود إلى الشريعة نفسها، بحفظها من عبث اُولئك الرواة.
والثاني ـ الألقاب المرغوب فيها، بحيث لا يأباها من عرف بها، وهي على أصناف كثيرة، وتعرف بحسبها، إذ قد تكون نسبة إلى صنعة كالصائغ، أو بلد كالقمّي والبصري، أو إلى أحد الأجداد كالحسيني لمن يتّصل عمود نسبه بالإمام السبط أبي عبداللّه الحسين عليه السلام ، أو نسبة إلى كمالات معيّنة كالمفكّر والعالم والمجدّد ۳ .
وبالجملة، فالألقاب كثيرة ومتنوّعة، إذ قد تدلّ على حرفة، أو صنعة، أو خِلقة، أو صفة، أو مكان، أو علم، أو قبيلة، أو عشيرة، ومنها ما يدلّ على قدح، أو مدح، ومنها ما لا يدلّ على شيء من ذلك.
وبهذا نعرف موقع ألقاب شيخنا محمّد بن يعقوب رحمه الله بين منظومة الألقاب، ودلالاتها اللغوية؛ إذ عُرِف قدس سره بألقاب كثيرة يمكن تصنيفها ـ بحسب ما دلّت عليه ـ على صنفين، وهما:
1.. شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك : ج ۱ ص ۱۱۹ ـ العَلَم.
2.. سورة الحجرات : ۱۱.
3.. وينبغي أن لا تطلق مثل هذه الألقاب الجليلة على أحد جزافا ما لم يكن لها أهلاً، وإلّا فهناك العشرات ممّن وصفوا بجلالة العلم ولقّبوا بمشيخة الإسلام وحفظ الدين، وهم في واقع عقائدهم كما قال تعالى: « وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ » لأنّهم ما بين مُجسِّم ومُشبِّه، تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.