الصنف الثاني ـ الألقاب العلميّة:
وهي تلك الألقاب التي عبّرت عن شخصيّة الكليني العلميّة، ومنزلته بين علماء الإسلام، ودرجة حفظه، ووثاقته، وصدقه، وجلالته، ويمكن تقسيم تلك الألقاب على قسمين، وهما:
القسم الأوّل ـ الألقاب العلميّة التي أطلقها علماء العامّة على الكليني:
وُصِفَ الكليني على لسان الكثير من علماء العامّة بأوصاف علمية لا تقلّ عمّا وصفه به علماء الإمامية، ومن تلك الأوصاف العلمية الكثيرة التي صارت علما للكليني دون سواه، بحيث لو أطلقت لما عرف منها غيره، بلا حاجة إلى قرينة تدلّ عليه هو لقب (المجدّد) يعني: مجدّد المذهب الإمامي على رأس المائة الثالثة.
وأوّل من أطلق هذا على الكليني من علماء العامّة هو أبو السعادات مبارك بن محمّد ابن الأثير الجزري (ت / 606 ه )، وتابعه عليه غيره كما سيأتي في أقوالهم بحقّ الكليني في آخر المطاف.
القسم الثاني ـ الألقاب العلمية التي أطلقها علماء الإمامية على الكليني:
لمّا كان الكليني رحمه الله على حدّ تعبير العلماء ـ هو: «.. في العلم، والفقه، والحديث، والثقة، والورع، وجلالة الشأن، وعظم القدر، وعلوّ المنزلة، وسموّ الرتبة، أشهر من أن يحيط به قلم، ويستوفيه رقم» ۱ فلا غرو إذن من أن يوصف بما يليق بشأنه، وينسجم مع عطائه وتضحياته. ولكثرة تداول بعض تلك الأوصاف صارت علما للكليني مثل: (رئيس المحدّثين) الذي تردّد على لسان العلماء كثيرا، إذ وصفه بذلك المحقّق الداماد (ت / 1041 ه )، وشرف الدين الشولستاني (ت / بعد سنة / 1063 ه )، والخليل بن غازي القزويني (ت / 1089 ه )، والفيض الكاشاني (ت / 1091 ه )، والمحقّق الخونساري (ت / 1099 ه ) والمحقّق البحراني الماحوزي (ت / 1121 ه )، ومحمّد المشهدي القمّي (ت / 1125 ه )، والميرزا جعفر الطباطبائي الحائري (ت / 1132 ه )، والفاضل الهندي (ت / 1137 ه )، والسيّد بحر العلوم (ت / 1212 ه ) وعبدالنبي الكاظمي (ت / 1256 ه )، والشيخ الأنصاري (ت / 1281 ه )، والكنتوري (ت / 1286 ه )، والملّا هادي السبزواري (ت / 1300 ه )، والسيّد علي البروجردي (ت / 1313 ه )، وأخيرا الإمام الخميني قدس سره(ت / 1409 ه ) ۲ .
إلّا أنّ شهرة الشيخ الصدوق (ت / 381 ه ) بهذا اللقب جعلته ينصرف إليه عند الإطلاق، خصوصا مع قلّة استعماله بحقّ الكليني في الكتابات المعاصرة من جهة، وغلبة لقبه العلمي الآخر عليه من جهة اُخرى، وهو لقب (ثِقة الإسلام) الذي صار علما للكليني رحمه الله، دون سواه من علماء المسلمين، فكلّما قيل: (ثقة الإسلام) مع انعدام القرينة على إرادة شخصٍ آخر، فالمراد به الكليني لا غير.
أمّا أوّل من أطلق هذا اللقب على الكليني فهو مردّد بين إثنين، لم يسبقهما أحد فيما أعلم.
أوّلهما: الشهيد الثالث القاضي نور اللّه التستري (ت / 1019 ه ) حيث أطلق كلمة (ثقة الإسلام) على الكليني في كتابه: مجالس المؤمنين ۳ .
والثاني: بهاء الدين العاملي (ت / 1031 ه )، إذ جاء في إجازته المحرّرة في (سنة / 1015 ه ) للمولى صفيّ الدين القمّي ذِكْر الكافي مع توصيف مؤلّفه بثقة الإسلام ۴ ، ولم أقف على تاريخ تأليف كتاب مجالس المؤمنين ، ليتّضح لي من هو السابق منهما إلى ذلك.
ثمّ اشتهر هذا اللقب بعد زمان الشيخ البهائي شهرةً واسعة جدّا، وبصورة لا تجد معها كتابا لعلماء الإمامية ذُكِرَ فيه الكليني رحمه الله خاليا من وصفه بثقة الإسلام.
وأمّا عن دلالة لفظ (ثقة الإسلام) فليس كما ذكره السيّد محمّد سرور الواعظ الحسيني في تقريرات بحث السيّد الخوئي قدس سره؛ إذ جاء في هذا الكتاب ما هذا لفظه: «وحيث أنّ المراد من الثقة في الأخبار هو المعنى اللغوي، لا ما هو المصطلح عليه عند المحدّثين، فإنّهم يطلقون الثقة على الإمامي العدل، ومنه إطلاقهم (ثقة الإسلام) على الكليني رحمه الله، فالنسبة بين العادل والموثوق به عموم من وجه، إذ قد يكون الراوي عادلاً غير موثوق به لكثرة خطئه وسهوه، وقد يكون موثّقا غير عادل، بمعنى أنّه ضابط حافظ متحرّز عن الكذب، إلّا أنّه فاسق من غير ناحية الكذب كما يوجد كثيرا، وقد يكون عادلاً موثّقا»! ۵
1.. تنقيح المقال : ج ۳ ص ۲۰۲ .
2.. راجع أقوالهم في الفصل الأخير من هذا البحث .
3.. مجالس المؤمنين : ج ۱ ص ۴۵۲ .
4.. بحار الأنوار : ج ۱۰۹ ص ۱۴۷.
5.. مصباح الاُصول/ تقريرات عن السيّدالخوئي بقلم السيّد محمّد سرور الواعظ الحسيني : ج ۲ ص ۱۹۴.