279
حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني

أسباب هجرة الكليني إلى بغداد:

لم تكن هجرة الكليني قدس سرهمن الريّ إلى بغداد هجرة مجهولة السبب ۱ ، ولا تأثّرا بالمنهج العقلي الذي عُرِفت به المدرسة البغدادية دون مدرسة قم، بتقريب أنّ الكليني روى في الكافي عن سهل بن زياد ـ الذي اُخرِج من قم إلى الريّ ثمّ رحل إلى بغداد ـ أكثر من ألف حديث، في حين لم يكثر عنه أرباب مدرسة قم النقلية كالشيخ الصدوق مثلاً؛ ولهذا اختار الكليني ـ كما يزعمون ـ بغداد دون قم! ۲ كما لم تكن هجرة الكليني إلى بغداد بدوافع سياسية من قبل البويهيين، ولم يتّصل برجال تلك الدولة ولم يرهم، ولم يسع لتوطيد سلطانهم لا في إيران ولا في العراق أبدا، كما توهّمه صاحب كتاب (الكليني والكافي) ۳ .وكلّ ما ذكروه في هذا بيّن الفساد، والصحيح في المقام هو أنّ اختيار ثقة الإسلام الكليني ـ تغمّده اللّه تعالى بواسع رحمته ـ لبغداد دون غيرها، إنّما هو لاعتبارات علمية محضة، فبغداد في عصره عاصمة للدولة الإسلامية، ومركز الحضارة، وملتقى علماء المذاهب من شتّى المدن والأمصار، ومستوطن السفراء الأربعة رضوان اللّه تعالى عليهم ، وهذا ما يرشّحها إلى احتلال موقع الصدارة في قائمة انتخاب الكليني لحواظر العلم والدين التي يمكن نشر الفكر الإمامي على نطاق واسع فيها.ومن ثمّ فهو لم يغادر الريّ في نعومة أظفاره، بل غادرها بعد تجوال طويل في بلاد إيران، وقف خلاله على ما في جعبة القميّين وغيرهم من حديث الآل عليهم السلام ، فكان لابدّ من الانتقال إلى العراق والاستقرار ببغداد؛ لتكون منطلقه إلى مدن العراق والبلاد المجاورة كالشام والحجاز، خصوصا وأنّ أرض السواد تمثّل مركز الثقل الأعظم لتراث أهل البيت عليهم السلام ، إذ لا يوجد في الأئمّة الإثني عشر عليهم السلام إماما قط لم يدخل العراق طوعا أو كرها، وبالتالي وجود ستّة مراقد مقدّسة لآل اللّه عليهم السلام موزّعة على ربوع أرض السواد التي تتوسّطها بغداد، هذا فضلاً عن كون تلامذة أهل البيت عليهم السلام من العراقيين هم أكثر بكثير من تلامذتهم عليهم السلام في جميع بلاد الإسلام، بل لا توجد نسبة بينهما أصلاً. فالتشيّع وإن كان حجازي المَنْبَتِ والولادة، إلّا إنّه كوفي الثمرة، عراقي الشهرة. فكيف لا يكون العراق ـ بالنسبة للكليني ـ مقصوداً إذن؟ومن جهة اُخرى ، فإنّ شهرة الكليني في الحديث الشريف لا يختلف فيها إثنان، وسعيه الدؤوب إلى إتمام ما بدأ به في الريّ ، يتطلّب الرحلة التي هي من مميّزات وخصائص المحدّثين في ذلك الزمان، ولا شكّ بأنّ الرحلة إلى بغداد أولى من غيرها للاعتبارات العلمية التي امتازت بها بغداد في عصر الكليني بالذات.ويبدو أنّ شبهة الهجرة السياسية إلى عاصمة الدولة العبّاسية قد اعتمدت على مقولة دخول الكليني إلى بغداد بوقت متأخّر من عمره الشريف، وارتبطت بها ارتباطا وثيقا!وقد عرفت فساد تلك المقولة لِما تقدّم من أنّ ثقة الإسلام هاجر إلى العراق قبل دخول البويهيين إلى الريّ بأكثر من عشرين سنة، أي في الوقت الذي لم تظهر للبويهيين فيه أيّة شهرة أو سلطة سياسية.ومع افتراض صحّة تلك المقولة جدلاً، فإنّ تلك الشبهة التي تمكّنت من ذهن صاحبها شبهة داحضة أيضا، وتدلّ على جهلٍ عظيم بتاريخ نشوء الدولة البويهية؛ لما تقدّم في الفصل الأوّل من أنّ البويهيين لم يدخلوا الريّ إلّا في (سنة / 330 ه ) أي بعد هجرة الكليني منها ـ على وفق تلك المقولة ـ بثلاث سنين، كما أنّهم لم يدخلوا إلى بغداد إلّا في (سنة / 334 ه )، أي بعد وفاة الكليني بخمس سنين.وبهذا يتّضح الأمر جليّا في خصوص كون رحلة ثقة الإسلام إلى بغداد رحلة علمية، كما هو الحال في رحلة الكثير من علماء الشيعة وغيرهم إلى بغداد.ومن تصفّح تاريخ بغداد وجد المئات من الشيعة وغيرهم ممّن وفدوا إلى بغداد ـ في عصر الكليني أو ما قاربه ـ واستقرّوا بها إلى حين وفاتهم. فهل يقال عنهم بأنّهم كانوا ـ بهجرتهم إلى بغداد ـ دعاةً لبني بويه من أجل توطيد سلطانهم؟!

1.. كما قال بهذا الشيخ واعظ زاده الخراساني في مقدّمة تحقيقه كتاب الرسائل العشر للشيخ الطوسي: ص ۱۷.

2.. كما في بحوث حول روايات الكافي : ص ۱۲ ، نشر دار الهجرة ، قم / ۱۴۱۵ ه .

3.. راجع : الكليني والكافي : ص ۲۶۶، مؤسّسة النشر الإسلامي، قم / ۱۴۱۶ ه .


حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
278
  • نام منبع :
    حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
    المؤلف :
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    الاولی
عدد المشاهدين : 308863
الصفحه من 532
طباعه  ارسل الي