375
حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني

حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
374

26 ـ محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه (الشيخ الصدوق) :

أبو جعفر القمّي، الشيخ الصدوق، رئيس المحدّثين، وشيخ الإمامية وفقيههم ومحدّثهم ومتكلّمهم في زمانه، ولد في حدود (سنة / 306 ه ) بدعاء الإمام الحجّة عليه السلام ، ومات قدس سره (سنة / 381 ه ) ولا زال قبره شاخصا في الريّ يُزار.
وهو غني عن التعريف بعد الاتّفاق على تسميته بالصدوق، ولا أرى حاجة لنقل ما قاله علماء الشيعة في علوّ مقامه ومنزلته، ويكفي في ذلك ما ورد من كلمات بحقّه على لسان علماء العامّة.
فقد وصفوه ـ كالشيعة الإمامية ـ بالصدوق، وأشادوا بحفظه، وعلمه، وفقهه، وشهرته، قال السمعاني في الأنساب في ترجمته: «وأبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي، نزل بغداد ، وحدّث بها عن أبيه، وكان من شيوخ الشيعة، ومشهوري الرافضة، روى عنه محمّد بن طلحة النعالي، ويعقوب بن عبداللّه بن سعد القمّي» ۱ .
ومثل هذا نجده في تاريخ بغداد ، مع رواية الخطيب بسنده عن شيخنا الصدوق حديثا واحدا في ذيل ترجمته ۲ .
وقال الذهبي: «ابن بابويه، رأس الإمامية، أبو جعفر، محمّد ابن العلّامة علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي، صاحب التصانيف السائدة بين الرافضة، يضرب بحفظه المثل، يقال له ثلاث مائة مصنّف...، وكان أبوه من كبارهم ومصنّفيهم» ۳ .
وقال عمر رضا كحالة: «مفسّر، فقيه، اُصولي، محدّث، حافظ، عارف بالرجال، كان من أهل خراسان! وورد بغداد، وتوفّي بالريّ ، من تصانيفه الكثيرة...» ۴ .
وقال الزركلي الوهّابي: «محمّد بن علي بن الحسين بن موسى [بن] بابويه القمّي ، ويُعرَف بالشيخ الصدوق، محدّث إمامي كبير ، لم يُرَ في القمّيين مثله» ۵ .
كما ترجم له إسماعيل باشا البغدادي في هدية العارفين ، وأشار إلى بعض مؤلّفاته في إيضاح المكنون ۶ .
ووصفه فؤاد سزكين بالصدوق تارة، وبابن شيخ الشيعة في قم تارة اُخرى ، وثالثة بأنّه «أحد المؤلّفين الأربعة المشاهير في فقه الشيعة» ۷ .
وبهذا يتبيّن إجماع المسلمين على صدقه ووثاقته، بل حتى النصارى وصفوه بالصدوق أيضا ۸ ، والكلام عن منزلة الشيخ الصدوق وحياته العلمية وآثاره ودوره لا يسعه بحث كهذا ۹ .
والمعروف أنّ الشيخ الصدوق قد ولد قبل وفاة الكليني بأكثر من عشرين عاما، وخلوّ كتبه الواصلة إلينا من الرواية عن الكليني بلا واسطة لا تدلّ على عدم الرواية عنه مباشرة ولو بالإجازة مثلاً، ولو وصلتنا سائر كتبه المفقودة وهي تزيد على ما وصل إلينا منها زهاء عشرين ضِعْفا!! ۱۰ لوجدنا فيها أكثر ممّا رواه محدّثو الشيعة، عن الصدوق، عن ثقة الإسلام بلا واسطة.
قال الشيخ المفيد قدس سره: «أخبرني أبو القاسم جعفر بن محمّد بن قولويه، وأبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه جميعا؛ عن محمّد بن يعقوب الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عمرو بن عثمان، عن المفضّل بن صالح، عن زيد الشحّام، قال: سُئِل الصادق جعفر بن محمّد عليهماالسلام عن ذبيحة الذمّي؟ فقال عليه السلام : لا تأكلها ، سمّى أم لم يُسمِّ» ۱۱ ، وأورده في البحار عن كتاب ذبائح أهل الكتاب للشيخ المفيد سندا ومتنا ۱۲ ، ومثله في مستدرك الوسائل ۱۳ .
وفي مزار ابن المشهدي خبرٌ يدلّ على ذلك أيضا، رواه العلّامة النوري في مستدرك الوسائل في باب استحباب الصلاة يوم عاشوراء وكيفيّتها، بهذه الصورة:
«الشيخ محمّد بن المشهدي في مزاره، قال: أخبرني الشيخ الفقيه العالم ، عماد الدين محمّد بن أبي القاسم الطبري قراءة عليه وأنا أسمع ، في شهور سنة ثلاث وخمسين وخمسمائة بمشهد مولانا أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه، عن الشيخ الفقيه، أبي علي الحسن بن محمّد، عن والده الشيخ أبي جعفر رضى الله عنه، عن الشيخ المفيد أبي عبداللّه محمّد بن محمّد بن النعمان، عن ابن قولويه وأبي جعفر بن بابويه، عن محمّد بن يعقوب الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن ابن أبي عمير، عن عبداللّه بن سنان قال: دخلت على سيّدي أبي عبداللّه جعفر بن محمّد عليهماالسلام يوم عاشوراء... الخبر» ۱۴ .
وفي فضل الكوفة ومساجدها للشيخ محمّد بن جعفر المشهدي الحائري: «وأخبرني الشريف الجليل العالم ، أبو المكارم حمزة بن علي بن زهرة العلوي الحسيني الحلبي أدام اللّه عِزّة ، عند عودته من الحجّ في سنة أربع وسبعين وخمسمائة بمسجد السهلة، قال: حدّثني والدي علي بن زهرة، عن جَدّه، عن الشيخ محمّد بن علي بن بابويه، قال: حدّثنا الشيخ الفقيه محمّد بن يعقوب، قال: حدّثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، قال: حججت إلى بيت اللّه الحرام فنزلنا عند ورودنا الكوفة، فدخلنا مسجد السهلة، فإذا نحن بشخص راكع وساجد، فلمّا فرغ دعا بهذا الدعاء:
أنت اللّه لا إله إلّا أنت ـ إلى آخر الدعاء ـ فلمّا انفتل من الصلاة سبّح ثمّ دعا ، فقال: اللهمّ ربّ هذه البقعة الشريفة، وبحقّ من يعبدك فيها، قد علمت حوائجي، فصلّ على محمّد وآل محمّد واقضها، وقد أحصيت ذنوبي، فصلّ على محمّد وآل محمّد واغفرها لي، اللهمّ أحيني ما كانت الحياة خيرا لي، وأمتني إذا كانت الوفاة خيرا لي على موالاة أوليائك، ومعاداة أعدائك، وافعل بي ما أنت أهله ، يا أرحم الراحمين... ۱۵ ».
وبهذا يتبيّن سهو العلّامة النوري في خاتمة المستدرك في قوله بعدم رواية الشيخ الصدوق عن ثقة الإسلام الكليني قدّس اللّه سرّهما ۱۶ ، هذا في الوقت الذي أورد فيه العلّامة النوري نفسه عن كتاب المزار لابن المشهدي رواية الصدوق عن شيخه الكليني كما تقدّم!

1.. الأنساب : ج ۱۰ ص ۴۸۷.

2.. تاريخ بغداد : ج ۳ ص ۸۹ الرقم ۱۰۷۸.

3.. سير أعلام النبلاء : ج ۱۶ ص ۳۰۳ ـ ۳۰۴ الرقم ۲۱۲.

4.. معجم المؤلّفين : ج ۱۱ ص ۳ .

5.. الأعلام : ج ۶ ص ۲۷۴ .

6.. هدية العارفين : ج ۲ ص ۵۲ (المجلّد السادس من كشف الظنون). إيضاح المكنون : ج ۱ ص ۱۳۳ و ۳۸۱ (المجلّد الرابع من كشف الظنون) .

7.. تاريخ التراث العربي : المجلّد الأوّل، الجزء الثالث: ص ۳۰۱ الرقم ۴۴.

8.. راجع: معجم المطبوعات / يوسف إليان سركيس : ج ۱ ص ۴۳.

9.. راجع ما كتبناه حول هذا الموضوع بعنوان: مع الصدوق وكتابه الفقيه : ص ۱۰۷ ـ ۱۷۷، بحث منشور في مجلة علوم الحديث، العدد الثاني، إصدار كليّة علوم الحديث، طهران / ۱۴۱۸ ه .

10.. الواصل إلينا من كتب الشيخ الصدوق الثلاثمائة: كتاب الأمالي ، وإكمال الدين وإتمام النعمة ، والتوحيد ، وثواب الأعمال ، والخصال ، وصفات الشيعة ، وعقاب الأعمال ، وعلل الشرائع ، وعيون أخبار الرضا عليه السلام ، وفضائل الأشهر الثلاثة (رجب وشعبان ورمضان)، وفضائل الشيعة ، ومشيخة من لا يحضره الفقيه، ومعاني الأخبار ، والمقنع ، ومن لا يحضره الفقيه ، والهداية ، وأمّا كتاب النبوّة فهو مجموع من هذه الكتب وغيرها بمجلّد واحد، في حين أحال الشيخ الصدوق نفسه في كتابه الخصال : ص ۲۸۰ ح ۲۵ باب الخمسة إلى الجزء الرابع من كتاب النبوّة !

11.. ذبائح أهل الكتاب : ص ۲۷ مطبوع ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد ـ في المجلّد التاسع، والحديث المذكور رواه ثقة الإسلام في كتاب الكافي : ج ۶ ص ۲۳۸ ح ۱ باب ذبائح أهل الكتاب من كتاب الذبائح، والشيخ في التهذيب : ج ۹ ص ۶۵ ح ۲۷۶ باب الذبائح والأطعمة وما يحلّ من ذلك وما يحرم منه، والإستبصار : ج ۴ ص ۸۲ ح ۳۰۹ باب ذبائح الكفّار.

12.. بحار الأنوار : ج ۶۳ ص ۱۳ .

13.. مستدرك الوسائل : ج ۱۶ ص ۱۴۹ ح ۱۹۴۲۷ (۳) باب تحريم ذبائح الكفّار من أهل الكتاب وغيرهم.

14.. المصدر السابق : ج ۶ ص ۲۷۹ ح ۶۸۴۴ (۱) باب استحباب الصلاة يوم عاشوراء وكيفيّتها.

15.. فضل الكوفة ومساجده : ص ۴۹ (ذكر الصلاة في زوايا المسجد المعروف بمسجد السهلة) .

16.. راجع: خاتمة مستدرك الوسائل : ج ۳ ص ۵۲۷ ـ الفائدة الرابعة. طبع مؤسّسة آل البيت عليهم السلام ، قم.

  • نام منبع :
    حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
    المؤلف :
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    الاولی
عدد المشاهدين : 305213
الصفحه من 532
طباعه  ارسل الي