45
حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني

حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
44

3 ـ المعتزلة:

تأثّرت الريّ كغيرها من مدن الإسلام بآراء المدرستين الآتيتين، وهما:
1 ـ المدرسة السلفية، وهي المدرسة التي كانت تهدف إلى إحياء المفاهيم السلفية الموروثة عن السلف وتحكيمها في مناحي الحياة، ورفض المناظرة والجدل، ويمثّل هذه المدرسة الفقهاء والمحدّثون من العامّة، وقد بسطت هذه المدرسة نفوذها على مجمل الحركة الفكرية في بلاد الإسلام، إلّا في فترات محصورة ومحدودة ترجّحت فيها كفّة المدرسة الثانية.
2 ـ المدرسة العقلية، وهي المدرسة التي استخدمت المنهج العقلي في فهم وتحليل جملة من النصوص التي تستدعي التوفيق بين أحكام الشرع وأحكام العقل، وذلك باعتماد المنطق والفلسفة وعلم الكلام، وكان روّاد هذه المدرسة الشيعة والمعتزلة، حيث اعتمدوا المنهج العقلي في تفسير ما لم يرد فيه أثر صحيح، ممّا كان لهذا أثره الواضح في توافق الشيعة مع المعتزلة في كثير من الآراء بينهما على الرغم ممّا بين الإثنين من فوارق في مجال نظرتهم إلى العقل من جهة صلاحيّته للاستقلال بالحكم أو باعتباره طريقا موصولاً للعلم به.
لقد كان الصراع بين المدرستين يشتدّ تارة ويخفّ أو يتلاشى تارةً أُخرى، بحسب مواقف السلطة ومبتنياتها الفكرية، ولهذا نجد في عهد المأمون العبّاسي (198 ـ 218 ه ) انتعاش المدرسة العقلية لميله نحوها كما هو معلوم، وكذلك الحال في عهد ولده المعتصم (218 ـ 227 ه )، ثمّ الواثق (227 ـ 332 ه )، ولمّا جاء المتوكّل باللّه العبّاسي (232 ـ 247 ه ) أظهر ميله نحو المدرسة السلفية، وأرغم الناس على التسليم والتقليد، ونهاهم عن المناظرة والجدل وعمّم ذلك على جميع بلاد الإسلام ۱ . وقد سار على نهجه المعتمد (256 ـ 279 ه )، والمعتضد (279 ـ 289 ه ) ۲ .
وممّن عرف من رجال المدرسة السلفية في بلاد الريّ ، الفضل بن غانم الخزاعي قاضي الريّ لهارون الرشيد الذي كان داعية للفكر السلفي ، ولم يجب المعتزلة ومن وافقهم من رجال الدولة العبّاسية إلى القول بخلق القرآن ۳ .
ومن أنصار المعتزلة في الريّ قاضيها جعفر بن عيسى بن عبداللّه بن الحسن بن أبي الحسن البصري (ت / 219 ه )، حيث كان يدعو الناس إلى القول بخلق القرآن أيّام المحنة ببغداد، ولهذا ترك السلفيون حديثه ۴ ووصفوه بالجهمية ۵ لهذه العلّة لا غير!!
وصفوة القول أنّ الفكر السلفي الجامد الذي قضى على حريّة الفكر، واضطهاد المفكّرين لم يستطع القضاء على المدرسة العقلية وإن حارب المعتزلة والشيعة بلا هوادة.
ويكفي إنّ أشهر المعتزلة القاضي عبدالجبّار المعتزلي المولود بالريّ (سنة / 325 ه )، قبل وفاة ثقة الإسلام الكليني رحمه اللهبأربع سنين ، قد تقلّد منصب قاضي القضاة في الريّ ، ولا زالت شبهته في الاستصحاب التي أوقعها في الريّ تدور على ألسنة العلماء ۶ .

1.. راجع : تاريخ اليعقوبي : ج ۲ ص ۴۸۴ ـ ۴۸۵، والتنبيه والإشراف : ص ۳۱۴، ومروج الذهب: ج ۴ ص ۸۶ .

2.. البداية والنهاية : ج ۱۱ ص ۷۴ ، تاريخ الخلفاء : ص ۲۹۴ و۲۹۹.

3.. الرحلة في طلب الحديث : ص ۲۰۳.

4.. الجرح والتعديل : ج ۲ ص ۴۸۶ الرقم ۱۹۸۲.

5.. ميزان الاعتدال : ج ۱ ص ۴۱۳ الرقم ۱۵۱۵.

6.. راجع : تحريرات في الاُصول : ج ۲ ص ۲۶۴، وخلاصة شبهته : أنّ مَن صلّى مع الطهارة المستصحبة ثمّ انكشف خلافه يعيد ولا يجزئ مع امتثاله الأمر الاستصحابي.

  • نام منبع :
    حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
    المؤلف :
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    الاولی
عدد المشاهدين : 305104
الصفحه من 532
طباعه  ارسل الي