51
حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني

حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
50

7 ـ المذهب الشيعي:

إنّ اتّفاق جميع من كتب في المقالات والفرق على أسبقيّة التشيّع على سائر المذاهب والفِرَق التي نشأت في الإسلام، واعتراف الكلّ على تشيّع سلمان المحمدي وإخوته كعمّار، والمقداد والهيثم بن التيهان وأبي رافع مولى النبي صلى الله عليه و آله ، وحجر بن عدي وغيرهم من الصحابة رضي اللّه تعالى عنهم، لهو دليل كاف على صدق ما تدّعيه الشيعة من عراقة مذهبها من جهة، وكونه المعبّر الواقعي عن مضمون رسالة الإسلام من جهة اُخرى، ومن هنا حمل التشيّع عناصر البقاء وأسباب الخلود على رغم العواصف العاتية التي وقفت حائلاً بوجه امتداده، وعملت جاهدة على تصفية رموزه ولو كان بعضهم سيّدا لشباب أهل الجنّة!!
ولكنّها سرعان ما انجلت وعادت سُبَّة على أهلها وعارا عليهم ولعنة تلحقهم أبد الآبدين، وزاد التشيّع إشراقا، ولم ينحصر في مراكز إشعاعه الاُولى، وكان مثله كالغيث أينما هطل اعشوشب مكانه وتفتّحت أزهاره.
وهكذا كان للضغط السياسي المتواصل على الشيعة دورا في امتداد التشيّع خارج رقعته الجغرافية، بحيث استطاع في الشرق أن يمصِّرَ مدنا ويبني دولة في الطالقان، وأن يؤسّس في الغرب الإسلامي دولة كبرى لا زال أزهر مصر يشهد على فضلها وآثارها.
وهذه التقدمة الخاطفة عن التشيّع لابدّ منها؛ لنرى كيف استطاع أن يشقّ طريقه إلى الريّ بعد أن عرفنا نصبها وعداوتها لأهل البيت عليهم السلام ، فضلاً عمّا كان فيها في بدايات عهدها الإسلامي من اتّجاهات مذهبية وطوائف مختلفة وفرق متعدّدة، وكلّها لا تدين بمذهب آل محمّد صلى الله عليه و آله ، زيادة على موقف السلطة المساند لهذا الإتّجاه أو ذاك ما خلا الشيعة؟
ومن ثمّ فإنّ انطلاقة شهرة الكليني طاب ثراه من تلك البلاد، ومباشرته تأليف الكافي الذي هو مرآة الشيعة فيها على ما عرفت من تاريخها، يجعلنا بأمسّ الحاجة إلى معرفة تاريخ التشيّع في بلاد الريّ ، فنقول:
كانت الصفة الغالبة لأهل الريّ قبل عصر الكليني هي الأموية السفيانية الناصبة، وما خلّفته في تلك البلاد من نصب وعداوة لأهل البيت عليهم السلام ، مع تفشّي الآراء المتطرّفة والأفكار المنحرفة والاتّجاهات الدخيلة على الإسلام، والفرق الكثيرة التي لا تدين بمذهب آل محمّد صلى الله عليه و آله .
ومع كلّ هذا لم يعدم الوجود الشيعي في الريّ ، وإنّما كان هناك بعض الشيعة من الرازيين الذين اعتنقوا التشيّع تأثّرا بمبادئه وواقعيّته التي عرفوها من خلال احتكاكهم بالشيعة في مواسم الحج أو التجارة وغيرها، وساعدهم على ذلك وجود بعض الموالي الشيعة من الفرس في الكوفة في زمان أمير المؤمنين عليه السلام ، هذا فضلاً عمّن سكن الريّ من شيعة العراق، ومن استوطنها من أبناء وأحفاد أهل البيت عليهم السلام الذين جاءوها هربا من تعسّف السلطات المتعاقبة في زمان دولة الطلقاء والعبّاسيين من بعد.
ويظهر من خلال بعض النصوص أنّ الشيعة من عرب وفرس في الريّ كانوا في تقيّة تامّة، إذ لم يحدّثنا تاريخ الريّ في العصر الأموي عن أيّة مظاهر شيعية، أو مناظرات فكرية بين الشيعة وغيرهم في تلك البلاد إبّان الحكم الأموي، بخلاف ما حصل بعد نهايتهم.
وممّا يدلّ على ضمور الفكر الشيعي في الريّ بتكتّم أصحابه وتقيّتهم للنجاة بأنفسهم في تلك الفترة، ما قاله الإمام الرضا عليه السلام ، قال: «سمعت أبي يقول: كنت عند أبي يوما فأتاه رجل، فقال: إنّي رجل من أهل الريّ ولي زكاة فإلى من أدفعها؟ قال: إلينا، فقال: أليس الصدقة محرّمة عليكم؟ فقال: بلى إذا دفعتها إلى شيعتنا فقد دفعتها إلينا، فقال: إنّي لا أعرف لها أحدا، فقال: انتظر بها إلى سنة، قال: فإن لم أصب بها أحدا، قال: اُنظر بها سنتين. حتى بلغ أربع سنين، ثمّ قال له: إن لم تصب لها أحدا فصرها صرارا واطرحها في البحر؛ فإن اللّه عزّ وجل حرّم أموالنا وأموال شيعتنا على عدوّنا» ۱ .
وهذا الخبر صريح بعدم معرفة هذا الرجل الرازي لأحد من الشيعة المستحقّين للزكاة من أهل الريّ ، ولا يعقل ثراء جميع شيعة الريّ وهم يخافون أن يتخطّفهم الطير.
وفي كتاب قضاء الحقوق لأبي علي بن طاهر الصوري خبرٌ طويل نقله العلّامة النوري يشير بكلّ وضوح إلى امتداد العمل بالتقيّة إلى زمان بني العبّاس بين شيعة أهل الريّ ، وخلاصة الخبر خوف أحد رجالات الشيعة من ولاة بعض كتّاب يحيى بن خالد في الريّ ، مع أنّ هذا الوالي كان على مذهب الشيعة، ولا علم للرجل الشيعي الرازي بذلك إلّا بعد حين ۲ .
وقد بلغ الأمر من تقيّة الشيعة في الريّ أنّ السيّد الجليل عبدالعظيم بن عبداللّه الحسني الذي سكن الريّ ، وكان من أجلّاء أصحاب الإمامين الهادي والعسكري عليهماالسلام، لم يعرفه أحد من شيعة الريّ إلى حين وفاته، حيث وجدوا في جيبه ـ وهو على المغتسل ـ رقعة يذكر فيها اسمه ونسبه! وكان رحمه الله يكثر من زيارة قبر حمزة بن موسى بن جعفر عليهماالسلام المدفون بالريّ ، ولا أحد يعرف من شيعة الريّ اسم الزائر والمزار!! ۳

1.. تهذيب الأحكام : ج ۴ ص ۵۲ ح ۱۳۹ (۱۰) باب ۱۳.

2.. مستدرك الوسائل : ج ۱۳ ص ۱۳۲ ح ۱۴۹۹۷ (۱۳) باب جواز الولاية من قبل الجائر لنفع المؤمنين .

3.. راجع ترجمة السيّد عبدالعظيم الحسني في رجال النجاشي : ص ۲۴۷ الرقم ۶۵۳ .

  • نام منبع :
    حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
    المؤلف :
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    الاولی
عدد المشاهدين : 305141
الصفحه من 532
طباعه  ارسل الي