75
حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني

رابعا ـ تدخّل النساء والخدم والجواري في السلطة:

يرجع تاريخ تدخّل النساء في شؤون الدولة العبّاسية إلى عصرها الأوّل، وتحديدا إلى زمان الخيزران زوجة المهدي العبّاسي (158 ـ 169 ه ) التي تدخّلت في شؤون دولته، واستولت على زمام الاُمور في عهد ابنه الهادي (169 ـ 170 ه ) ۱ ، وكذلك في هذا العصر حيث تدخّلت قبيحة اُمّ المعتزّ (252 ـ 255 ه ) في شؤون الدولة ۲ . قال المسعودي في المعتزّ : «يؤثر اللذات، ويعدم الرأي، تدبّره اُمّه قبيحة وغيرها، وغُلِب على أُموره، وقُهِرَ في سلطانه» ۳ .
وأمّا في عهد المقتدر (295 ـ 320 ه ) فقد استفحل أمر النساء والخدم، قال المسعودي واصفا دولته: «غلب على الأمر النساء والخدم وغيرهم، فذهب ما كان في خزائن الخلافة من الأموال والعدد بسوء التدبير الواقع في المملكة، فأدّاه ذلك إلى سفك دمه، واضطربت الاُمور بعده، وزال كثير من رسوم الخلافة» ۴ .
وقال ابن الطقطقي: «واعلم أنّ دولة المقتدر كانت ذات تخليط كثير؛ لصغر سنّه، ولاستيلاء اُمّه، ونسائه، وخدمه عليه. كانت دولته تدور اُمورها على تدبير النساء والخدم، وهو مشغول بلذّته، فخربت الدنيا في أيّامه، وخلت بيوت الأموال، واختفت الكلمة» ۵ .
وقال السيوطي: «صار الأمر والنهي لحرم الخليفة ولنسائه، لركاكته، وآل الأمر إلى أن أمرت اُمّ المقتدر بمثل القهرمانة ۶ أن تجلس للمظالم وتنظر في رقاع الناس كلّ جمعة، فكانت تجلس وتحضر القضاة والأعيان وتبرز التواقيع وعليها خطّها» ۷ .
وقد صرّح بهذا المسعودي واليافعي، قالا: «غلبت النساء على الملك والتدبير، حتى أنّ جارية لأمّه تعرف بثمل القهرمانة كانت تجلس للنظر في مظالم الخاصّة والعامّة، ويحضرها الوزير، والكاتب، والقضاة، وأهل العلم» ۸ . وقد ذكر مسكويه ما كان لقهرمانات البلاط العبّاسي من دور كبير في رسم سياسة الدولة ومعالمها ۹ .

1.. تاريخ الطبري : ج ۶ ص ۴۲۱ ـ ۴۲۲ ، فتوح البلدان : ج ۲ ص ۳۳۶ .

2.. المصدر السابق : ج ۷ ص ۵۲۴ ، ۵۲۵ ، ۵۲۶ ، ۵۲۹ ، ۵۳۹ ، ۵۴۰ .

3.. التنبيه والإشراف : ص ۳۱۶ .

4.. المصدر السابق : ص ۳۲۸.

5.. الفخري في الآداب السلطانية : ص ۲۶۲ .

6.. الصواب: بثمل ـ بتقديم الثاء على الميم ـ القهرمانة، وكانت جارية لاُمّ المقتدر، عن المسعودي واليافعي.

7.. تاريخ الخلفاء : ص ۳۰۵ ـ ۳۰۶.

8.. التنبيه والإشراف : ص ۳۲۸، مرآة الجنان : ج ۲ ص ۱۸۴.

9.. تجارب الاُمم : ج ۱ ص ۴۴.


حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
74

ثالثا ـ مجيء الصبيان إلى الحكم:

ومن آفات هذا العصر التي أدّت إلى انتكاسات سياسية خطيرة، مجيء صبيان إلى السلطة حتى صاروا اُلعوبة بيد النساء والأتراك والوزراء والجند وغيرهم من رجال الدولة، نظير المعتزّ (252 ـ 255 ه ) الذي كان عمره يوم بويع له بالخلافة تسع عشرة سنة ۱ وكذلك الحال مع المقتدر باللّه (295 ـ 320 ه ) الذي كان عمره يوم وُلي الخلافة ثلاث عشرة سنة، وشهرا واحدا، وعشرين يوما ۲ ؛ ولهذا استصباه الوزير العبّاس بن الحسن، حتى صار اُلعوبة بيده، وقد حكى السيوطي عن الذهبي قوله: «اختلّ النظام كثيرا في أيّام المقتدر؛ لصغره» ۳ ، وقال المسعودي: «أفضت الخلافة إليه وهو صغير، غرٌّ، ترفٌ، لم يعان الاُمور، ولا وقف على أحوال الملك، فكان الاُمراء والوزراء، والكتّاب يدبّرون الاُمور ليس له في ذلك حلٌّ ولا عقد، ولا يوصف بتدبير ولا سياسة» ۴ . وكان صبيّا سفيها، فرّق خزينة الدولة على حظاياه وأصحابه حتى أنفدها ۵ .

1.. تاريخ الخلفاء : ص ۲۸۷.

2.. تاريخ الطبري : ج ۱۰ ص ۱۲۹ .

3.. تاريخ الخلفاء : ص ۳۱۰.

4.. التنبيه والإشراف : ص ۳۲۸.

5.. البداية والنهاية : ج ۱۱ ص ۱۱۹ .

  • نام منبع :
    حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
    المؤلف :
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    الاولی
عدد المشاهدين : 305277
الصفحه من 532
طباعه  ارسل الي