77
حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني

حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
76

خامسا ـ تدخّل الأتراك في سياسة الدولة وتحكّمهم في مصير العبّاسيين:

ومن الاُمور البارزة في تاريخ هذا العصر، ظهور العنصر التركي وسيطرته على مقاليد الاُمور، الأمر الذي يعبّر لنا عن ضعف السلطة المركزية وتدهورها، وعدم جدّية القائمين على رأس الدولة؛ لانشغالهم بلهوهم ومجونهم كما مرّ، بحيث نتج عن هذا سيطرة الأتراك على الدولة وتدخّلهم المباشر في رسم سياستها، ويرجع تاريخ تدخّلهم في ذلك إلى عهد المعتصم (218 ـ 227 ه )؛ لأنّه أوّل من جلبهم إلى الديوان، ثمّ صار جلّ اعتماده عليهم في توطيد حكمه، فانخرطوا في صفوف الجيش، وترقّوا إلى الرتب والمناصب العالية، فقويت شوكتهم إلى أن تفرّدوا بالأمر غير تاركين لسادتهم الخلفاء ـ كما يقول غوستاف لوبون ـ سوى سلطة اسمية ۱ ، حتى أصبح (الخليفة) ـ فيما بعد ـ كالأسير بيد حرسه.
وقد عانى بنو العبّاس من العنصر التركي وبال ما جنته أيديهم، وذاقوا منهم الأمرين، حتى صار أمر البلاد بأيديهم يقتلون ويعزلون وينصّبون من شاءوا.
فقد قتلوا المتوكّل (232 ـ 247 ه )، مع وزيره الفتح بن خاقان شرّ قتلة كما مرّ.
وأمّا في عهد المستعين باللّه (247 ـ 252 ه )، فقد «غَلَب على التدبير والأمر والنهي أوتامش ابن اُخت بغا الكبير ۲ ، وكان المستعين أُلعوبة بيد وصيف، وبغا الكبير، وفيه يقول الشاعر:
خليفة في قفصبين وصيف وبغا
يقول ما قالا لهكما تقول الببغا۳
ثمّ خلعوه بعد ذلك، وبايعوا المعتزّ، ثمّ بدا لهم قتل المستعين فذبحه سعيد بن صالح الحاجب في شوال (سنة / 252 ه ) كما تذبح الشاة، وحمل رأسه إلى المعتزّ، وترك جثّته على قارعة الطريق ۴ .
وأمّا المعتزّ (252 ـ 255 ه )، فقد غُلِب على الأمر في عهده، وتفرّد بالتدبير صالح ابن وصيف ۵ ، وهو الذي خلع المعتزّ ۶ وقتله ۷ حيث أمر الأتراك بالهجوم عليه، فهجموا على المعتزّ، وجروا برجله، وضربوه بالدبابيس، وأقاموه في الشمس في يوم صائف شديد الحرّ، وهم يلطمون وجهه، ويقولون له اخلع نفسك، ثمّ أحضروا القاضي ابن أبي الشوارب والشهود، وخلعوه، ومنعوه الماء، حتى مات عطشا ۸ .
وأمّا المهتدي (255 ـ 256 ه ) فقد خلعه الأتراك، وهجموا على عسكره، فأسروه، وأخذوا يصفعونه، ويبزقون في وجهه، ثمّ دفعوه إلى رجل منهم فوطئ على خصيتيه حتى قتله ۹ ، وقيل: بَعَجُوه بخناجرهم حتى مات ۱۰ ، وقيل: مات بعد جرحه بيومين ۱۱ .
وأمّا المقتدر (295 ـ 320 ه ) فقد بايعه الأتراك وعزلوه ثمّ أعادوه أكثر من مرّة. فهم بعد قتل المهتدي بايعوا المقتدر وأبقوه في السلطة أربعة أشهر فقط، ثمّ عزلوه وذلك في (سنة / 296 ه ) وبايعوا أبا العبّاس بن المعتزّ، ولكنّهم بعد يوم وليلة فقط خلعوا ابن المعتزّ وحبسوه وأرجعوا المقتدر للسلطة، ثمّ قتلوا ابن المعتزّ، وفي (سنة / 317 ه ) خلعوا المقتدر أيضا وأزالوه عن سرير الملك وأخرجوه من دار الخلافة، وبايعوا أخاه القاهر باللّه وأجلسوه على سرير الملك، وسلّموا عليه بالخلافة، ولكنّهم بعد يومين فقط خلعوا القاهر باللّه وأرجعوا المقتدر ۱۲ ، ثمّ هجموا على المقتدر في (سنة / 320 ه ) بأمر مؤنس الخادم وتمكّنوا منه، فذبحوه بالسيف وشال بعض المغاربة رأسه على رمح وأخذوا يلعنونه، وبقيت جثّته ـ بعد أن سلبوا ما عليها ـ مكشوفة العورة حتى سترها بعض العامّة بالحشيش ۱۳ . ثمّ رجعوا للقاهر باللّه وبايعوه!
ولم يهنأ القاهر باللّه (320 ـ 322 ه ) بعد المقتدر بالسلطة؛ إذ سرعان ما خلعوه، وسملوا عينيه بمسمار محمي حتى سالتا على خدّيه، وبقي معزولاً خاملاً أعمى إلى أن مات (سنة / 339 ه ) أو (سنة / 338 ه ) ۱۴ ، وهو أوّل من سُملت عيناه من ملوك بني العبّاس. ثمّ صار فقس عيونهم عادّة فيما بعد.
وأمّا الراضي (322 ـ 329 ه ) فقد خلعه الأتراك وسملوا عينه ۱۵ .
وكذلك الحال مع من جاء بعده كالمتّقي (329 ـ 333 ه ) الذي سمل عينيه توزون التركي ۱۶ .
والمستكفي (333 ـ 334 ه ) الذي دخل البويهيون في زمانه إلى بغداد، وسمل عينيه معزّ الدولة البويهي بتحريض من المطيع للّه أوّل خلفاء بني العبّاس في عهد البويهيين ۱۷ وبمجيئه انتهى العصر العبّاسي الثاني.

1.. حضارة العرب : ص ۱۷۷ .

2.. التنبيه والإشراف : ص ۳۱۵.

3.. تاريخ ابن خلدون : ج ۱ ص ۲۵، تاريخ الخلفاء : ص ۲۸۷ .

4.. تاريخ الطبري : ج ۹ ص ۳۴۸ و ۳۶۳ و ۳۸۹ ـ ۳۹۰ ، تاريخ اليعقوبي : ج ۲ ص ۴۹۹، التنبيه والإشراف : ص ۳۱۵ ـ ۳۱۶، مروج الذهب : ج ۴ ص ۱۶۴ ، الكامل في التاريخ : ج ۶ ص ۱۸۵ و ۱۹۹ ، البداية والنهاية : ج ۱۱ ص ۲۱ ، تاريخ مختصر الدول : ص ۱۲۹، تاريخ الخلفاء : ص ۲۸۸ .

5.. التنبيه والإشراف : ص ۳۱۶ .

6.. تاريخ اليعقوبي : ج ۲ ص ۵۰۴ .

7.. مرآة الجنان : ج ۲ ص ۱۲۳ .

8.. تاريخ الطبري : ج ۹ ص ۳۸۹ ـ ۳۹۰ ، البداية والنهاية : ج ۱۱ ص ۲۱ ، تاريخ مختصر الدول : ص ۱۲۹، تاريخ الخلفاء : ص ۲۸۸ .

9.. تاريخ الطبرى¨ : ج ۹ ص ۴۵۶ و ۴۵۸ ، التنبيه والإشراف : ص ۳۱۸، الكامل في التاريخ : ج ۶ ص ۲۲۰.

10.. مروج الذهب : ج ۴ ص ۱۸۶ .

11.. تاريخ اليعقوبي : ج ۲ ص ۵۰۶ .

12.. التنبيه والإشراف : ص ۳۱۷ ، الكامل في التاريخ : ج ۶ ص ۴۴۱ و ج ۷ ص ۴۹، مرآة الجنان : ج ۲ ص ۲۰۳، وانظر: أخبار الراضي والمتّقي باللّه : ص ۱ وتاريخ الطبري : ج ۱۰ ص ۱۴۰ والبداية والنهاية : ج ۱۱ ص ۱۲۱ و۱۲۳، وتاريخ مختصر الدول : ص ۱۳۶ وتاريخ الخلفاء : ص ۳۰۴ .

13.. راجع : الكامل في التاريخ : ج ۷ ص ۷۳ ومرآة الجنان : ج ۲ ص ۲۰۹ وتاريخ مختصر الدول : ص ۱۳۸ والبداية والنهاية : ج ۱۱ ص ۱۹۰ ـ ۱۹۲، وانظر كذلك: مروج الذهب : ج ۴ ص ۳۰۶ والتنبيه والإشراف : ص ۳۲۷.

14.. التنبيه والإشراف : ص ۳۳۹، الكامل في التاريخ : ج ۷ ص ۹۶، البداية والنهاية : ج ۱۱ ص ۲۰۱، تاريخ مختصر الدول : ص ۱۴۲، مرآة الجنان : ج ۲ ص ۲۱۳ ـ ۲۱۴ .

15.. تاريخ الخلفاء : ص ۳۱۷.

16.. التنبيه والإشراف : ص ۳۴۴، مروج الذهب : ج ۴ ص ۳۳۹، الكامل في التاريخ : ج ۷ ص ۱۸۶ ـ ۱۸۷، مرآة الجنان : ج ۲ ص ۲۳۴ .

17.. الكامل في التاريخ : ج ۷ ص ۲۰۷.

  • نام منبع :
    حياة الشيخ محمد بن يعقوب الكليني
    المؤلف :
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث با همکاری سازمان اوقاف و امور خیریه
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1387
    نوبت چاپ :
    الاولی
عدد المشاهدين : 305155
الصفحه من 532
طباعه  ارسل الي