العبارة أوّلاً، إن خيراً فخيراً وإن شرّاً فشرّاً، وهذا ينافي ما مرّ من أنّ أبا حنيفة عبّر رؤيا محمّد بن مسلم على خلاف ما هو في الواقع، ثمّ عبّرها أبو عبد اللَّه عليه السلام بما هو في الواقع، وقد وقع ما عبّره عليه السلام،۱ ولا يمكن الجمع بينهما بأنّ الرؤيا لأوّل عابرٍ إذا أصاب وجه العبارة، وإلّا فهي لمن أصابها بعده، بل الجمع بينهما أنّ ذلك محمول على الإيجاب الجزئي؛ إذ قد يؤثّر التعبير في النفس قبضاً أو انبساطاً من باب التطيّر أو التفاؤل، فيؤثّر لأجل ذلك كما قال نظير ذلك [في المسحور] من قال السحر لا حقيقة له، وقد ورد في بعض الروايات أنّ الطيرة لا أثر لها،۲ مع أنّه ورد في بعضها كيفيّة الاستعاذة منها؛ ليتخلّص من شرّها من يجد في نفسه منها شيئاً.۳
وبالجملة: لأمثال ذلك قد يكون تأثيراً في النفوس، وقد لا يكون، لا يقال: الرؤيا لا تغيّرها عبارة عابر، وكيف يغيّر ما جاءت نسخته من اللّوح المحفوظ بفعل أحد، أو قوله: لأنّا نقول ذلك ممنوع؛ إذ يمحو اللَّه ما يشاء ويثبت.
وبالجملة: تغييرها مثل البلايا والأمراض ونحوهما بالدّعاء والصّدقة، فإن قلت: قد سمعت هذه المرأة تعبير رؤياها من النبيّ صلى اللَّه عليه وآله مرّتين، فلِمَ قصّت على رجل أعسر؟ قلت: بعثها ذلك طلب السرور والشغف؛ لظنّها أنّ ذلك الرجل يعبّر لها كما عبّر لها النبيّ صلى اللَّه عليه وآله، أو اعتقدت أنّ الرؤيا الواحدة قد يختلف تعبيرها بحسب الأوقات المختلفة، أو كان قصدها مجرّد الإخبار دون الاستعبار.۴
متن الحديث الثامن والعشرين والخمسمائة
۰.عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا ، عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ ؛ وَعَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، عَنْ أَبِيهِ جَمِيعاً ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَالِبٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ :
عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام :«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ يَقُولُ : إِنَّ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ تُرِفُّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ عَلى رَأْسِ صَاحِبِهَا حَتّى يُعَبِّرَهَا لِنَفْسِهِ ، أَوْ يُعَبِّرَهَا لَهُ مِثْلُهُ ، فَإِذَا عُبِّرَتْ لَزِمَتِ الْأَرْضَ ، فَلَا تَقُصُّوا رُؤْيَاكُمْ إِلَّا عَلى مَنْ يَعْقِلُ» .
1.الكافي، ج ۸، ص ۲۹۲، ح ۴۴۷.
2.الكافي، ج ۸، ص ۱۹۶، ح ۲۳۴؛ دعائم الإسلام، ج ۲، ص ۱۴۱، ح ۴۹۵.
3.راجع: مكارم الأخلاق، ص ۳۵۰.
4.قاله المحقّق المازندراني رحمة اللَّه عليه في شرحه، ج ۱۲، ص ۴۷۶ مع اختلاف في اللفظ.