125
التّصحيف في متن الحديث

لغيره فإنّ عجمته وعدم قدرته على أداء الحروف والكلمات بشكلها الصحيح سبب لوقوع التصحيف في الحديث. نعم معرفة الصحيح في مثل هذه الأحاديث أصعب من غيره؛ لأنّ منشأ التصحيف هو الراوي الأصلي للحديث، فلا يمكننا مقارنته بنسخة أُخرى له ، ولعلّ من نماذجه روايات عمّار بن موسى الساباطي ۱
، التي يختلف الكثير منها عن روايات غيره.
وفي القرنين الثالث والرابع بدأ المحدّثون في قمّ وبلاد الري وغيرها من بلاد فارس بنشر الحديث وتدوينه، فنشأت مدرسة حديثية عظيمة في قمّ برز فيها محدّثون كبار ، في طليعتهم شيخ المحدّثين أبو جعفر الكليني قدس‏سره( ت 328 ه )، والشيخ الصدوق قدس‏سره ( ت 381 ه ) من الشيعة.
كما كتب محدّثون من السنّة مثل البخاري ( ت 256 ه )، ومسلم بن الحجّاج النيسابوري ( ت 261 ه )، وابن ماجة القزويني ( ت 275 ه )، والحافظ أبو داود السجستاني ( ت 275 ه )، صحاحهم المعروفة ، وهم جميعاً من غير العرب، والبلاد التي سمعوا فيها الحديث هي إيران وتوابعها مثل بخارى.
وأمّا في عصرنا الحاضر فإنّ المسلمين من غير العرب كثيرون، كالإيرانيين والأفغانيين والباكستان والهنود وغيرهم، فنشر التراث الحديثي في هذه البلدان هو الآخر مظنّة للتصحيف بسبب العجمة؛ وذلك أنّ أبناء هذه البلدان لا يجيدون العربية.
والذي يراجع اللغة الفارسية يجد أنّ 28 حرفاً من حروفها هي نفس الحروف العربية، إلّا أنّهم يتلفّظونها بصوت آخر؛ فهم يلفظون الحروف التالية: «الذال، الزاي، الظاء، الضاد» بصوت واحد وهو الزاي، كما يلفظون «الثاء، السين» سيناً، و«الحاء، والهاء» هاءً. فإذا اشتمل الحديث على كلمة فيها أحد الحروف المذكورة وكان ناقله أعجمياً، كان مظنّة للتصحيف. وإليك فيما يلي بعض النماذج:

1.الساباطي نسبة إلى ساباط كسرى، بالمدائن موضع معروف، انظر: معجم البلدان: ج ۳ ص ۱۶۶.


التّصحيف في متن الحديث
124

وَهوَ مَعَ ذَلِكَ لا يَرى لِعَليِّ بنِ أَبي طالِبٍ عليه ‏السلام حَقَّهُ، وَلا يَعرِفُ لَهُ مِنَ الإِسلامِ مَحَلَّهُ... . ۱

فإنّ الخاء والقاف متقاربتا المخرج مع اتّحاد الكلمتين في بقية الحروف، ممّا صار سبباً لوقوع الناقل في التصحيف.

ب ـ عجمة الراوي أو الناسخ

الذي يراجع التأريخ الإسلامي يجد أنّ بدء الإسلام وإن كان في الحجاز، لكنّه سرعان ما اتّسع فشمل البلاد الكثيرة والمناطق المختلفة، بعد مرور عقود قليلة. من جانب آخر فإنّ القوانين والأعراف السائدة على المجتمع آنذاك تختلف في بعض جهاتها عمّا هي عليه اليوم، فشريحة من المجتمع آنذاك تشكّلها طبقة العبيد والموالي، وهؤلاء يتمّ استرقاقهم بعد وقوعهم أسرى حرب، ولهذا فإنّ غالبهم لم يكونوا من العرب، بل كانوا من الفرس والترك والروم والحبشة وغيرهم.
فلمّا جاء الدين الإسلامي واجه مجتمعاً يسوده نظام جائر ، فحاول رفع الظلم عن هذه الطبقة من المجتمع والمسمّاة بالعبيد، فسنّ لهم حقوقاً وأحكاماً خاصّة، وفرض على مواليهم أحكاماً تحول دون ظلمهم؛ كعدم السماح لهم بقتل عبيدهم. كما سنّ بعض الأحكام التي تجتثّ جذور العبودية من المجتمع، فجعل العقوبة على بعض المحرّمات تحرير رقبة ۲ . فلمّا رأى العبيد احترام الإسلام للإنسانية وحقوق الإنسان ودفاعه عن المظلوم والضعيف ، مالت قلوبهم إليه، فدخل فيه عدد من الموالي الذين هم من غير العرب.
وبعد اتّساع رقعة البلاد الإسلامية إلى بلاد فارس وغيرها ودخول الفرس وغير العرب في الإسلام ، ازداد عدد الرواة غير العرب، فإذا أراد أحدهم رواية حديث

1.عدّة الداعي: ص ۱۰۴، تفسير الإمام العسكري: ص ۴۰ ح ۱۷، تنبيه الخواطر: ج ۲ ص ۹۶.

2.نظير ما أوجبه على من أفطر متعمّداً في شهر رمضان، حيث جعل إحدى كفّاراته تحرير رقبة مؤمنة.

  • نام منبع :
    التّصحيف في متن الحديث
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث، للطباعة و النشر
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1432 ق / 1390 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
    شمارگان :
    1000
    قیمت :
    45000 ریال
تعداد بازدید : 252988
صفحه از 277
پرینت  ارسال به