169
التّصحيف في متن الحديث

ح ـ الاستعمال اللغوي

ذكرنا سابقاً أنّ اللغة ظاهرة اجتماعية وليست ظاهرة فردية ۱ ، وأنّ لغة الحديث هي اللغة السائدة بين أبناء المجتمع، وليست لغة أُخرى كما هو واضح لمن ألقى نظرة على الأحاديث المأثورة عن النبي وآله عليهم ‏السلام .
من جهةٍ أُخرى فإنّ أبناء اللغة العربية يستخدمون في كلامهم التشبيه والأمثال كثيراً، فإذا استُخدمت هذه التشبيهات أو الأمثال في الحديث الشريف ولم تكن منسجمة مع الأمثال العربية المعروفة آنذاك أو التشبيهات الرائجة في ذلك الوقت، فهو من العلامات الدالّة على وقوع التصحيف في متنه، ومن نماذج ذلك:

النموذج الأوّل:

۲۲۸.۱) في الفردوس عن النبي صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله : مَثَلُكُم أَيُّها الأُمَّةُ كَمَثَلِ عَسكَرٍ قَد سارَ أَوَّلُهُم وَنودِيَ بِالرَّحيلِ، فَما أَسرَعَ ما يَلحَقُ آخِرُهُم بِأَوَّلِهِم، وَاللّه‏ِ ما الدُّنيا مِنَ الآخِرَةِ إِلّا كَنَفحَةِ أَرنَبٍ، الجِدَّ الجِدَّ عِبادَ اللّه‏ِ، وَاستَعينوا بِاللّه‏ِ رَبِّكُم . ۲

فالتشبيه بنفحة الأرنب غير منسجم مع اللغة؛ إذ ورد في معنى النفح والنفحة ما يلي:
نَفَحَتِ الدابة تَنفَح نَفحاً وهي نَفوحٌ: رَمحت برجلها ورمت بحدّ حافرها ودَفَعَت. وقيل: النَّفحُ بالرِّجل الواحدة، والرَّمحُ بالرجلين معاً. الجوهري: نَفَحَتِ الناقةُ: ضربت برجلها. وفي حديث شُرَيح: أنّه أبطل النَّفحَ؛ أَراد نَفحَ الدابة برجلها وهو رَفسُها، كان لا يُلزم صاحبها شيئاً . ۳
وهذا المعنى لا يناسب التشبيه، إذ المراد به كما يبدو من السياق بيان سرعة الوثوب، مع أنّ الأرنب لا يرمح برجله كي يضرب به المثل في هذا الجانب، وهذا

1.فلو عاش الإنسان وحيداً في الغابات مثلاً لم تكن له حاجة إلى اللغة؛ لأنّ الهدف من اللغة هو بثّ ما في النفس من حوائج وغيرها للآخرين، فإذا لم يكن أحد لم تكن حاجة للكلام والبيان وصارت اللغة فاقدة المعنى.

2.الفردوس: ج ۴ ص ۱۴۸ ح ۶۴۵۶ كنز العمّال: ج ۱۵ ص ۷۹۷ ح ۴۳۱۶۳، ميزان الحكمة: ج ۴ ص ۲۸۱۹ ح ۱۸۴۳۳.

3.لسان العرب: ج ۲ ص ۶۲۲ «نفح»، وانظر أيضاً: ترتيب كتاب العين: ص ۸۱۸ «نفح».


التّصحيف في متن الحديث
168

منظور في هذا المجال قائلاً:
المُحاوَرَة: المجاوبة، والتَّحاوُرُ: التجاوب. وتقول: كلّمته فما أحار إليَّ جواباً، وما رجع إليَّ حَويراً ولا حَويرَةً ولا مَحورَةً ولا حِواراً؛ أي ما ردّ جواباً. واستحاره؛ أي استنطقه. وهم يَتَحاوَرون؛ أي يتراجعون‏الكلام. والمُحاوَرَةُ: مراجعة المنطق والكلام في المخاطبة، وقد حاوره . ۱
ومن الواضح أنّ المحاورة والتجاوب في الكلام من ضروريات الزيارة والتواصل، والواقع الخارجي يشهد بأنّ التحاور لا يحدث القطيعة، مع أنّ الحديث أمر بالزيارة ونهى عن المحاورة ، مع أنّ الزيارة من دون كلام وتحاور فاقدة للفائدة والمحتوى.
وإذا ما راجعنا النصّ في المصادر الأُخرى وجدناه كالتالي:

۲۲۶.۳) في مستدرك الوسائل نقلاً عن الجعفريات: أَخبَرَنا عَبدُ اللّه‏ِ، أَخبَرَنا مُحَمَّدٌ، حَدَّثَني موسى قالَ: حَدَّثَنا أَبي عَن أَبيهِ، عَن جَدِّهِ جَعفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَن أَبيهِ، عَن جَدِّهِ عَليِّ بنِ الحُسَينِ، عَن أَبيهِ، عَن عَليٍّ عليهم ‏السلام قالَ: قالَ رَسولُ اللّه‏ِ صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله : يا أَهلَ القَرابَةِ، تَزاوَروا وَلا تَجاوَروا، وَتَهادَوا؛ فَإِنَّ الهَديَّةَ تَسُلُّ السَّخيمَةَ، وَالزّيارَةَ تُثبِتُ المَوَدَّةَ . ۲

۲۲۷.۴) وفي مستدرك الوسائل أَيضاً: وَعَنهُ عليه ‏السلام أَنَّهُ قالَ: يا أَهلَ القَرابَةِ، تَزاوَروا وَلا تَتَجاوَروا، وَتَهادَوا؛ فَإِنَّ الزّيارَةَ تَزيدُ في المَوَدَّةِ، وَالتَّجاوُرَ يُحدِثُ القَطيعَةَ، وَالهَديَّةَ تَسُلُّ الشَّحناءَ . ۳

و هو متن منسجم مع الواقع الخارجي؛ فالمجاورة سبب لكثرة الاحتكاك بين الأفراد من جانب، كما أنّها سبب لظهور بعض العيوب الكامنة من جانب آخر، وكلاهما داع للقطيعة كما لا يخفى.

1.لسان العرب: ج ۴ ص ۲۱۷ «حور».

2.مستدرك الوسائل: ج ۱۳ ص ۲۰۳ ح ۱۵۱۰۹ نقلاً عن الجعفريات.

3.مستدرك الوسائل: ج ۱۳ ص ۲۰۵ ح ۱۵۱۱۸.

  • نام منبع :
    التّصحيف في متن الحديث
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث، للطباعة و النشر
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1432 ق / 1390 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
    شمارگان :
    1000
    قیمت :
    45000 ریال
تعداد بازدید : 252998
صفحه از 277
پرینت  ارسال به