53
التّصحيف في متن الحديث

الوجوه البعيدة لتصحيح معناه، مع أنّه لو عالج التصحيف الطارئ عليه لم تكن له حاجة لذلك بالمرّة . ومن نماذج ذلك ما يلي:

النموذج الأوّل:

۲۳.۱) روي عن رسول اللّه‏ صلى‏ الله‏ عليه‏ و‏ آله الدعاء التالي عند دخول بلدٍ معيّن: اللَّهُمَّ إِنّي أَسأَلُكَ مِن خَيرِ هَذِهِ الأَرضِ وَخَيرِ ما جَمَعتَ فيها، وَأَعوذُ بِكَ مِن شَرِّها وَمِن شَرِّ ما جَمَعتَ فيها. اللَّهُمَّ ارزُقنا حَماها، وَأَعِذنا مِن وَباها، وَحَبِّبنا إِلى أَهلِها، وَحَبِّب صالِحي أَهلِها إِلَينا. ۱

فالمراد من قوله: «اللّهمَّ ارزُقنا حماها» غامض، فلابدّ من الرجوع إلى كلمات اللغويين في بيان معنى «الحمى» لنعرف المقصود من الدعاء الشريف ، فنقرأ فيما كتبه الخليل الفراهيدي في بيان معاني الجذر «حمى» ما يلي:
الحمى مقصور: موضع فيه كلأ يُحمى من الناس أن يرعى. وحميت القوم حماية ومحمية. وكلّ شيء دفعتَ عنه فقد حميتَه. وحميتُ من هذا الشيء أحمي منه حميةً، أي: أنفتُ أنفاً وغضباً. ۲
وقال ابن منظور في بيان معناها:
حَمى الشيءَ حَمياً وحِمىً وحِماية ومَحميَة: منعه ودفع عنه. وقال أبو حنيفة: حَمَيتُ الأرض حَمياً وحِميَةً وحِمايَةً وحِموَةً . الأخيرة نادرة. والحِميَة والحِمى: ما حُميَ من شيءٍ، يُمَدّ ويقصر، وتثنيته حِمَيان على القياس وحِمَوان على غير قياس. وكلأٌ حِمىً: مَحميٌّ.حَمى المَريضَ ما يضرّه حِميَةً: مَنَعَه إيّاه؛ واحتَمى هو من ذلك وتَحَمّى: امتنع. وإنّه لَرجُل

1.عمل اليوم والليلة لابن السني: ص ۱۸۶ ح ۵۲۷. ونظيره في المجموع: «إِذا وَقَعَ بَصَرُهُ عَلى قَريَتِهِ استحَبّ أَن يَقولَ: اللَّهُمَّ إِنّي أسألُكَ خَيرَها وَخَيرَ أَهلِها وَخَيرَ ما فيها، وَأَعوذُ بَكَ مِن شَرِّها وَشَرِّ أَهلِها وَشَرِّ ما فيها» . واستحبّ بعضهم أن يقول: اللَّهُمَّ اجعَل لَنا بِها قَراراً وَرِزقاً حَسَناً، اللَّهُمَّ ارزُقنا حماها وَأَعِذنا مِن وَباها وَحَبِّبنا إِلى أَهلِها وَحَبِّب صالِحي أَهلِها إِلَينا» المجموع: ج ۴ ص ۳۹۹.

2.ترتيب كتاب العين: ص ۲۰۰ «حمي» .


التّصحيف في متن الحديث
52

اسْمَ اللَّهِ فِى أَيَّامٍ مَّعْلُومَـتٍ » 1 ، قالَ : أَيّامُ العَشرِ، وَقَولِهِ: « وَاذْكُرُواْ اللَّهَ فِى أَيَّامٍ مَّعْدُودَ تٍ » 2
، قالَ : أَيّامُ التَّشريقِ. 3

وهذه الرواية وسابقتها واحدة بلا ريب ؛ لنفس القرائن السابقة، وإنّما خلط الراوي عن حمّاد بن عيسى أو أحد الذين جاؤوا من بعده بين آيتين بسبب تشابههما في بعض الكلمات.
وبهذا يتّضح أنّ منشأ الشبهة المشار إليها في مثل الروايتين السابقتين هو وجود روايات في مصادر حديثية شيعية تضمّنت في طيّاتها بعض الآيات القرآنية تختلف عن الآيات الموجودة في المصحف الشريف، وأنّ هذه الروايات قد وقع التصحيف في نقلها، ممّا صار مدعاة لتصوّر البعض بقول الشيعة بالتحريف.
أو فقل: إنّ الأساس الذي اعتمدته الشبهة في مثل الروايتين هو وجود هذه الروايات في المصادر الحديثية، مع أنّها مروية بشكلين، وقد اعتمد القائل على النقل الذي وقع فيه تصحيف، دون النقل الصحيح، مع أنّ الأُسلوب العلمي لإثبات الدعوى المذكورة هو إثبات أنّ اللفظ الصادر عن الإمام المعصوم هو المشتمل على الآية المحرّفة أوّلاً؛ إذ «العرش قبل النقش».

ه ـ غموض معنى الحديث

من جملة آثار التصحيف على الأحاديث الشريفة أنّه يُسدل عليها غطاء الغموض أحياناً، فيصير الحديث الواضح غامض المعنى؛ لعدم انسجام اللفظ الجديد مع العبارة، أو لعدم موافقته للسياق، أو غير ذلك ممّا يسبّب إبهام معنى الحديث، وهذا ما قد يتطلّب من الباحث بذل الجهد من أجل فهمه. بل قد يحاول البعض إبداء بعض

1.الحجّ: ۲۸.

2.البقرة: ۲۰۳.

3.تهذيب الأحكام: ج ۵ ص ۴۸۷ ح ۳۸۲، بصائر الدرجات: ص ۲۳۸ ح ۱۰، وسائل الشيعة: ج ۱۴ ص ۲۷۱ ح ۱۹۱۷۲ باب استحباب كثرة ذكر اللّه‏ في عشر ذي الحجّة وفي أيّام التشريق... .

  • نام منبع :
    التّصحيف في متن الحديث
    تعداد جلد :
    1
    ناشر :
    دارالحدیث، للطباعة و النشر
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1432 ق / 1390 ش
    نوبت چاپ :
    الاولی
    شمارگان :
    1000
    قیمت :
    45000 ریال
تعداد بازدید : 251751
صفحه از 277
پرینت  ارسال به