89
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج1

هذه المصادر القديمة ووجوه الاشتراك التاريخيّة إلى جانب المحافظة على معايير نقد النصوص والإسناد التاريخي ، أساسنا في تقييم اعتبار الكتب المؤلّفة وسنديّتها في العصور اللّاحقة .
وبما أنّ حادثة عاشوراء تمثّل أحد الأحداث الدمويّة في تاريخ إمامة الشيعة ، فإنّ من اللّازم تقييم الروايات والمصادر المرتبطة بعاشوراء بمعيار عصمة الإمام عليه السلام أيضاً ، واتّخاذ السيرة السلوكيّة لأئمّة الشيعة معياراً في تقييم ما ينسب إليهم .
وعلى هذا الأساس ، فإنّ الكتب والمصادر التي لم تستخدم اُسلوب النقد في عرضها للنقول التاريخية ، ولم تطابق تلك النقول مع المصادر التاريخيّة المعتمدة ، أو لم تلحظ اختلافها مع سيرة الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه وكراماتهم ومنزلتهم وطبيعة شخصيّاتهم ؛ فهي في نظرنا مبتلاة بالضعف وخارجة من دائرة الاعتبار والنقل والاستناد ، فكلّما تضمّن الكتاب عددا أكبر من الروايات الفاقدة للأصل والسند أو غير المنسجمة مع كرامة هذه الشخصيّات الكريمة والأبيّة ، فإنّ ذلك يزيد من ضعف الكتاب ، وكلّما كانت أمثال هذه الروايات فيه أقلّ فهو يتمتّع بقيمة أكبر .
وهذا يعني أنّ نقدنا في هذا المجال يتوجّه إلى محتوى الكتاب لا إلى مؤلّفه ، ذلك أنّ بعض مؤلّفي هذا النوع من الكتب هم من الذين بادروا إلى التأليف بدافع إعجابهم بهذه الملحمة التاريخية وشخصيّة الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه، وتقديراً لتضحياتهم ، وكتبوا في مجال يختلف اختلافاً أساسيّاً عن ثقافتهم العلميّة، مثل: الفقه وتفسير القرآن ، دون أن يكون تخصّصهم الأصلي هو التاريخ والسيرة .
وبعبارة اُخرى فإنّ الإحساس بالمسؤوليّة تجاه الإمام الحسين عليه السلام قد امتزج مع الحماس الذي يعتري كلّ إنسان عند دراسة نهضة عاشوراء ، فدفعهم هذا الإحساس إلى التساهل في التعامل مع الروايات العديمة الأساس أحيانا ، ممّا أدّى بهم أحيانا إلى


موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج1
88

ثانياً: المصادر غير الصالحة للاعتماد

تعتبر حادثة عاشوراء من الأحداث التاريخيّة العجيبة ، فقد وقف عدد قليل من الأبطال أمام حشود اُولئك القَتَلة القساة حتّى اللحظات الأخيرة من حياتهم والقطرات الأخيرة من دمائهم ، وضحّوا بكلّ شيء من أجل محبوبهم . وقد حيّرت هذه المقاومة الشجاعة والتضحية البطوليّة العقول من اُولى لحظات حدوثها وحتّى الآن ، واجتذبت إليها الألسنة والأقلام .
وقد كان المؤرّخون وكتّاب السير من أوائل الأشخاص الذين عمدوا إلى رواية هذه الحادثة مع الكثير من الأحداث المرتبطة بها والحوادث الجزئيّة ، وحتّى اُولئك المؤرّخين المرتبطين بنظام الحكم، والذين كانوا يعتاشون على مائدة الاُمويّين ، فإنّهم لم يستطيعوا أن يتجاهلوا بطولات وتضحيات وملاحم ذلك العدد القليل في الظاهر، والذي يعادل في الواقع إنسانيّة كلّ البشر ، أو أن يستروها تماما بغياهب غيوم التوجيه والتحريف .
وقد روت كتب التاريخ والسيرة ـ سواء الشيعيّة أو السنّية ، بل وحتّى غير الإسلاميّة ـ واقعة عاشوراء باعتبارها منعطفاً وحدثاً تاريخيّا مسلّماً به ، وذكرت أركانها ووقائعها الرئيسة باعتبارها من المشهورات والمتواترات والمسلّمات التاريخيّة ، وإن اختلفت في ذكر تفاصيلها وجزئيّاتها ، كأيّ واقعة تاريخيّة اُخرى ، إمّا باقترانها بنقص بعض أحداثها أو المبالغة في آخر منها ، في حين أنّ من المتوقّع حدوث تغيير وتحريف أكثر على مرّ الزمان والابتعاد عن أصل الحادثة ، وهي الملاحظة التي تدلّل على قاعدة لزوم الرجوع إلى المصادر القديمة الأقرب إلى الحادثة التاريخيّة .
ولحسن الحظّ فإنّ المصادر التاريخيّة القديمة وكتب السيرة تناولت حادثة عاشوراء وكربلاء بشكل بلغ من الدقّة والتفصيل بحيث تظهر ـ بمقارنة بعضها مع البعض ـ الأخطاءُ والاشتباهات التي هي من سجايا البشر ، كما تظهر التغييرات المُغرضة في بعضها ، وتشكّل

  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج1
    سایر پدیدآورندگان :
    المساعدون : الطباطبائي نژاد،سيد محمود؛ السيّد طبائي،سيد روح الله
    تاریخ انتشار :
    1389
عدد المشاهدين : 258480
الصفحه من 426
طباعه  ارسل الي