۱۱۳۱.تاريخ اليعقوبي :قَدِمَ عُبَيدُ اللّه ِ بنُ زِيادٍ الكوفَةَ ، وبِها مُسلِمُ بنُ عَقيلٍ قَد نَزَلَ عَلى هانِئ بنِ عُروَةَ ، وهانِئٌ شَديدُ العِلَّةِ ، وكانَ صَديقا لاِبنِ زِيادٍ .
فَلَمّا قَدِمَ ابنُ زِيادٍ الكوفَةَ اُخبِرَ بِعِلَّةِ هانِئٍ ، فَأَتاهُ لِيَعودَهُ ، فَقالَ هانِئٌ لِمُسلِمِ بنِ عَقيلٍ وأصحابِهِ ـ وهُم جَماعَةٌ ـ : إذا جَلَسَ ابنُ زِيادٍ عِندي وتَمَكَّنَ ، فَإِنّي سَأَقولُ : «اِسقوني» ، فَاخرُجوا فَاقتُلوهُ .
فَأدخَلَهُمُ البَيتَ وجَلَسَ فِي الرِّواقِ ۱ ، وأتاهُ عُبَيدُ اللّه ِ بنُ زِيادٍ يَعودُهُ ، فَلَمّا تَمَكَّنَ ، قالَ هانِئُ بنُ عُروَةَ : اِسقوني ! فَلَم يَخرُجوا ، فَقالَ : اِسقوني ، ما يُؤَخِّرُكُم ؟ ثُمَّ قالَ : اِسقوني ، ولَو كانَت فيهِ نَفسي ، فَفَهِمَ ابنُ زِيادٍ ، فَقامَ فَخَرَجَ مِن عِندِهِ ، ووَجَّهَ بالشُّرَطِ يَطلبُونَ مُسلِما ، وخَرَجَ وأصحابُهُ وهُوَ لا يَشُكَّ في وَفاءِ القَومِ وصِحَّةِ نِيّاتِهِم ، فَقاتَلَ [مُسلِمٌ ]عُبَيدَ اللّه ِ ، فَأَخَذوهُ فَقَتَلَهُ عُبَيدُ اللّه ِ ، وجَرَّ بِرِجلِهِ فِي السّوقِ ، وقَتَلَ هانِئَ بنَ عُروَةَ لِنُزولِ مُسلِمٍ مَنزِلَهُ ، وإعانَتِهِ إيّاهُ . ۲
۱۱۳۲.البداية والنهاية :تَحَوَّلَ مُسلِمُ بنُ عَقيلٍ إلى دارِ هانِئِ بنِ حميدِ بنِ عُروَةَ المُرادِيِّ ، ثُمَّ إلى دارِ شَريكِ بنِ الأَعوَرِ ـ وكانَ مِنَ الاُمَراءِ الأَكابِرِ ـ وبَلَغَهُ أنَّ عُبَيدَ اللّه ِ يُريدُ عِيادَتَهُ ، فَبَعَثَ إلى هانِئٍ يَقولُ لَهُ : اِبعَث مُسلِمَ بنَ عَقيلٍ حَتّى يَكونَ في داري لِيَقتُلَ عُبَيدَ اللّه ِ إذا جاءَ يَعودُني . فَبَعَثَهُ إلَيهِ ، فَقالَ لَهُ شَريكٌ : كُن أنتَ فِي الخِباءِ ، فَإِذا جَلَسَ عُبَيدُ اللّه ِ ، فَإِنّي أطلُبُ الماءَ ـ وهِيَ إشارَتي إلَيكَ ـ فَاخرُج فَاقتُلهُ .
فَلَمّا جاءَ عُبَيدُ اللّه ِ جَلَسَ عَلى فِراشِ شَريكٍ ، وعِندَهُ هانِئُ بنُ عُروَةَ ، وقامَ مِن بَينِ يَدَيهِ غُلامٌ يُقالُ لَهُ مِهرانُ ، فَتَحَدَّثَ عِندَهُ ساعَةً ، ثُمَّ قالَ شَريكٌ : اِسقوني ، فَتَجَبَّنَ مُسلِمٌ عَن قَتلِهِ ، وخَرَجَت جارِيَةٌ بِكوزٍ مِن ماءٍ فَوَجَدَت مُسلِما فِي الخِباءِ ، فَاستَحيَت ورَجَعَت بِالماءِ ثَلاثا ، ثُمَّ قالَ : اِسقوني ولَو كانَ فيهِ ذَهابُ نَفسي ، أتَحمونَني مِنَ الماءِ ؟ فَفَهِمَ مِهرانُ الغَدرَ ، فَغَمَزَ مَولاهُ ، فَنَهَضَ سَريعا وخَرَجَ .
فَقالَ شَريكٌ : أيُّهَا الأَميرُ ! إنّي اُريدُ أن اُوصِيَ إلَيكَ ، فَقالَ : سَأَعودُ !
فَخَرَجَ بِهِ مَولاهُ فَأَركَبَهُ وطَرَّدَ بِهِ ـ أي ساقَ بِهِ ـ وجَعَلَ يَقولُ لَهُ مَولاهُ : إنَّ القَومَ أرادوا قَتلَكَ ، فَقالَ : وَيحَكَ ، إنّي بِهِم لَرَفيقٌ ، فَما بالُهُم ؟ !
وقالَ شَريكٌ لِمُسلِمٍ : ما مَنَعَكَ أن تَخرُجَ فَتَقتُلَهُ ؟ قالَ : حَديثٌ بَلَغَني عَن رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله أنَّهُ قالَ : الإيمانُ ضِدُّ الفَتكِ ، لا يَفتِكُ مُؤمِنٌ ، وكَرِهتُ أن أقتُلَهُ في بَيتِكَ .
فَقالَ : أما لَو قَتَلتَهُ لَجَلَستَ فِي القَصرِ ، لَم يَستَعِدَّ مِنهُ أحَدٌ ، ولَيُكفَيَنَّكَ أمرُ البَصرَةِ ، ولَو قَتَلتَهُ لَقَتَلتَ ظالِما فاجِرا . وماتَ شَريكٌ بَعدَ ثَلاثٍ . ۳