وقفة عند الرواية التي تفيد التخطيط لاغتيال ابن زياد
من القضايا التي تستحقّ التأمّل في أحداث الكوفة قبل استشهاد مسلم عليه السلام ، هي موضوع رواية التخطيط لاغتيال ابن زياد . واستناداً إلى الروايات التي مرّت ، فقد طُرح هذا الاقتراح على مسلم من قبل شريك بن الأعور ، أو هاني بن عروة ، أو عمارة بن عبيد ، وقد وافق عليه وتقرّر أن ينفّذ مسلم هذا المخطّط ـ مع ثلاثين رجلاً مسلحاً ـ عندما يأتي ابن زياد لعيادة هاني ، أو شريك بن الأعور .
فجاء ابن زياد لعيادة شريك بن الأعور أو هاني ، وهيّأ الأرضية لتنفيذ مخطّط الاغتيال ، ولكنّ مسلماً امتنع في اللحظة الأخيرة عن تنفيذه .
وتختلف الروايات بشأن الإجابة على السؤال حول سبب عدم نجاح مسلم في اغتيال ابن زياد ، حيث تدلّ بعض الروايات على أنّ ابن زياد اكتشف من خلال بعض القرائن مخطّط اغتياله، فغادر المكان من فوره . ۱
وتصرّح بعض الروايات بأن امرأة في دار هاني حالت دون أن يقدم مسلم على الاغتيال . ۲
وتفيد بعض الروايات بأنّ مسلماً قال فيإجابته على السؤال حول سبب عدم إقدامه على اغتيال ابن زياد أنّ هناك أمرين منعاه من التنفيذ ، أحدهما : أنّ هاني لم يكن يرغب في أن يتمّ ذلك في داره ، والآخر : الحديث الذي نقل عن النبيّ صلى الله عليه و آله :
إنَّ الإيمانَ قَيَّدَ الفَتكَ ، ولا يَفتِكُ مُؤمِنٌ . ۳
وقد جاء في بعض الروايات أنّ مسلماً ذكر أنّ سبب امتناعه هو الحديث المشار إليه فحسب . ۴
وجاء في رواية اُخرى أنّ مسلماً اعتبر أنّ سبب امتناعه إنّما هو كراهة هاني لذلك . ۵
وجاء في نقل آخر أنّ مسلماً أشار إلى عاملين لتبرير عمله : الأوّل حديث «الفتك» ، والآخر أنّه لم يكن يرغب في أن يتمّ هذا العمل في دار شريك بن الأعور . ۶
ومن خلال التأمّل في هذه الروايات المتناقضة ، فإنّ الملاحظة الاُولى التي تتبادر إلى الذهن هي كونها منتحلة كلّها ، للأسباب التالية :
أوّلاً : مجيء ابن زياد إلى بيوت محبّي مسلم يعني وضع نفسه في معرض الخطر ، وإذا أخذنا بنظر الاعتبار الدهاء السياسي لابن زياد وأوضاع الكوفة المتأزّمة، فإنّه لايمكن تصديق وقوع هذا التصرّف غير المحتاط من قبله ، خاصّة وإنّه كان يعلم من خلال جاسوسه أنّ مسلماً مختبئ في دار هاني .
ثانياً : تعدّ السرّية أهمّ شروط تنفيذ مخطّط الاغتيال ، وهذا المعنى يتنافى مع تواجد ثلاثين رجلاً لا ضرورة لجلبهم لاغتيال شخص واحد .
ثالثاً : إذا كان مخطّط اغتيال ابن زياد حقيقياً ، فإنّ التدبير السياسي والأمني كان يقتضي أن يوكل تنفيذه إلى شخص غير مسلم الذي كان يتولّى قيادة ثورة الكوفة .
وعلى هذا الأساس يمكن القول : إنّ مخطّط اغتيال ابن زياد كان مفتعلاً ومنتحلاً من قبله هو نفسه وأعوانه ، بهدف تبرير إقدامهم ضدّ مسلم عليه السلام وزعماء القبائل الموالين له .
وإذا لم نأخذ بالتحليل المذكور واعتبرنا المخطّط المذكور حقيقياً ، فإنّ الرواية الثانية والتيتفيد اكتشاف ابن زياد للمخطّط عن طريق القرائن ، أو الرواية الثالثة التي تصرّح بأنّ امرأة حالت دون تنفيذه في دار هاني ، أقرب إلى الصحّة .
وأمّا صحّة الروايات الاُخرى التي تفيد أنّ مسلماً عليه السلام انثنى عن عزمه على قتل ابن زياد عند تذكّره لحديث «الفتك» فإنّها مستبعدة للغاية ، بل يمكن القول إنّها إهانة لمسلم عليه السلام . وهل يمكن القول : إنّ سفير الإمام عليه السلام لم يكن يعلم بحكم المخطّط المذكور عند التصميم له ، ثمّ ينثني عن عزمه عند تنفيذه لتذكّره حديث «الفتك»؟!
على أنّ سائر ماجاء في الروايات المذكورة في سبب امتناع مسلم عليه السلام عن تنفيذ مخطّط الاغتيال ، يبلغ من الوهن والضعف حدّاً يجعله لا يستحقّ النقد .
وممّا يجدر ذكره أنّ البلاذري ذكر رواية اُخرى حول محاولة اغتيال ابن زياد على يد عمّار بن أبي سلامة ، ولكنّه فشل هو الآخر ، وهذا هو نصّ الرواية :
وهمّ عمار بن أبي سلامة الدالاني أن يفتك بعبيد اللّه بن زياد في عسكره بالنخيلة ۷ فلم يمكنه ذلك ، فلطف حتّى لحق بالحسين عليه السلام فقُتل معه . ۸
1.راجع : ص۹۸ ح۱۱۲۱ وص۱۰۵ ح۱۱۲۸ وص۱۰۷ ح۱۱۳۱ و ۱۱۳۲ .
2.راجع : ص۱۰۳ ح۱۱۲۵ .
3.جاء في الكامل في التاريخ : ج۲ ص۵۳۸ : «فلا يفتك مؤمن بمؤمن» وراجع : ص۱۰۰ ح۱۱۲۲ وص۱۰۳ ح۱۱۲۴ .
4.راجع : ص۱۰۴ ح۱۱۲۶ .
5.راجع : ص۱۰۵ ح۱۱۲۹ .
6.راجع : ص۱۰۷ ح۱۱۳۲ .
7.راجع : الخريطة الرقم ۴ في آخر المجلّد ۴ .
8.أنساب الأشراف : ج ۳ ص ۳۸۸ .