۱۲۰۹.الفتوح :أرسَلَ إلَيهِ [أي إلى مُحَمَّدِ بنِ الأَشعَثِ] عُبَيدُ اللّه ِ بنُ زِيادٍ أن أعطِهِ الأَمانَ ؛ فَإِنَّكَ لَن تَقدِرَ عَلَيهِ إلّا بِالأَمانِ . فَجَعَلَ مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ يَقولُ : وَيحَكَ يَابن عَقيلٍ ! لا تَقتُل نَفسَكَ ، لَكَ الأَمانُ ، ومُسلِمُ بنُ عَقيلٍ يَقولُ : لا حاجَةَ إلى أمانِ الغَدَرَةِ ، ثُمَّ جَعَلَ يُقاتِلُهُم وهُوَ يَقولُ :
أقسَمتُ لا اُقتَلُ إلّا حُرّاولَو وَجَدتُ المَوتَ كَأسا مُرّا
أكرَه أن اُخدَعَ أو اُغَرّاكُلُّ امرِى ءٍ يَوما يُلاقي شَرّا
أضرِبُكُم ولا أخافُ ضُرّا
قالَ : فَناداهُ مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ وقالَ : وَيحَكَ يَابنَ عَقيلٍ ! إنَّكَ لا تُكذَبُ ولا تُغَرُّ ، القَومُ لَيسوا بِقاتِليكَ فَلا تَقتُل نَفسَكَ .
قالَ : فَلَم يَلتَفِت مُسلِمُ بنُ عَقيلٍ ـ رَحِمَهُ اللّه ُ ـ إلى كَلامِ ابنِ الأَشعَثِ ، وجَعَلَ يُقاتِلُ حَتّى اُثخِنَ بِالجِراحِ ، وضَعُفَ عَنِ القِتالِ ، وتَكاثَروا عَلَيهِ فَجَعَلوا يَرمونَهُ بِالنَّبلِ وَالحِجارَةِ ، فَقالَ مُسلِمٌ : وَيلَكُم ! ما لَكُم تَرمونَني بِالحِجارَةِ كَما تُرمَى الكُفّارُ ، وأنَا مِن أهلِ بَيتِ الأَنبِياءِ الأَبرارِ ؟ ! وَيلَكُم ! أما تَرعَونَ حَقَّ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله وذُرِّيَّتِهِ ؟
قالَ : ثُمَّ حَمَلَ عَلَيهِم ـ عَلى ضَعفِهِ ـ فَكَسَرَهُم وفَرَّقَهُم فِي الدُّروبِ ، ثُمَّ رَجَعَ وأسنَدَ ظَهرَهُ إلى بابِ دارٍ هُناكَ ، فَرَجَعَ القَومُ إلَيهِ فَصاحَ بِهِم مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ : ذَروهُ حَتّى اُكَلِّمَهُ بِما يُريدُ .
قالَ : ثُمَّ دَنا مِنهُ ابنُ الأَشعَثِ حَتّى وَقَفَ قُبالَتَهُ ، وقالَ : وَيلَكَ يَابنَ عَقيلٍ ، لا تَقتُل نَفسَكَ ، أنتَ آمِنٌ ودَمُكَ في عُنُقي . فَقالَ لَهُ مُسلِمٌ : أتَظُنُّ يَابنَ الأَشعَثِ أنّي اُعطي بِيَدي أبَدا وأنَا أقدِرُ عَلَى القِتالِ ؟ لا وَاللّه ِ ، لا كانَ ذلِكَ أبَدا ، ثُمَّ حَمَلَ عَلَيهِ حَتّى ألحَقَهُ بِأَصحابِهِ . ثُمَّ رَجَعَ مَوضِعَهُ فَوَقَفَ وقالَ : اللّهُمَّ إنَّ العَطَشَ قَد بَلَغَ مِنّي .
قالَ : فَلَم يَجسُر أحَدٌ أن يَسِقيَهُ الماءَ ولا قَرُبَ مِنهُ ، فَأَقبَلَ ابنُ الأَشعَثِ عَلى أصحابِهِ وقالَ : وَيلَكُم ! إنَّ هذا لَهُوَ العارُ وَالفَشَلُ أن تَجزَعوا مِن رَجُلٍ واحِدٍ هذا الجَزَعَ ، اِحمِلوا عَلَيهِ بِأَجمَعِكُم حَملَةً واحِدَةً .
قالَ : فَحَمَلوا عَلَيهِ وحَمَلَ عَلَيهِم ، فَقَصَدَهُ مِن أهلِ الكوفَةِ رَجُلٌ يُقالُ لَهُ بُكَيرُ بنُ حُمرانَ الأَحمَرِيُّ ، فَاختَلَفا بِضَربَتَينِ : فَضَرَبَهُ بُكَيرٌ ضَربَةً عَلى شَفَتِهِ العُليا ، وضَرَبَهُ مُسلِمُ بنُ عَقيلٍ ضَرَبةً فَسَقَطَ إلَى الأَرضِ قَتيلاً ؛ قالَ : فَطُعِنَ [مُسلِمٌ ]مِن وَرائِهِ طَعنَةً فَسَقَطَ إلَى الأَرضِ ، فَاُخِذَ أسيرا ، ثُمَّ اُخِذَ فَرَسُهُ وسِلاحُهُ .
وتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِن بَني سُلَيمانَ ، يُقالُ لَهُ : عُبَيدُ اللّه ِ بنُ العَبّاسِ ، فَأَخَذَ عِمامَتَهُ. ۱