۱۲۱۰.مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي :أرسَلَ إلَيهِ [أي إلى عُبَيدِ اللّه ِ بنِ زِيادٍ] مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ : أيُّهَا الأَميرُ ! أتَظُنُّ أنَّكَ بَعَثتَني إلى بَقّالٍ مِن بَقاقيلِ الكوفَةِ ، أو جُرمُقانِيٍّ مِن جَرامِقَةِ الحيرَةِ ! أفَلا تَعلَمُ ـ أيُّهَا الأَميرُ ـ أنَّكَ بَعَثتَني إلى أسَدٍ ضِرغامٍ ، وبَطَلٍ هُمامٍ ، في كَفِّهِ سَيفٌ حُسامٌ ، يَقطُرُ مِنهُ المَوتُ الزُّؤامُ ؟!
فَأَرسَلَ إلَيهِ ابنُ زِيادٍ : أن أعطِهِ الأَمانَ ، فَإِنَّكَ لَن تَقدِرَ عَلَيهِ إلّا بِالأَمانِ المُؤَكَّدِ بِالأَيمانِ ؛ فَجَعَلَ مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ يُناديهِ : وَيحَكَ يَابنَ عَقيلٍ ! لا تَقتُل نَفسَكَ ، لَكَ الأَمانُ ، فَيَقولُ مُسلِمٌ : لا حاجَةَ لي في أمانِ الغَدَرةِ الفَجَرَةِ ، ويُنشِدُ :
أقسَمتُ لا اُقتَلُ إلّا حُرّاوإنَ رَأَيتُ المَوتَ شَيئا مُرّا
كلُّ امرِئٍ يَوما مُلاقٍ شَرّارَدَّ شُعاعَ النَّفسِ فَاستَقَرّا
أضرِبُكُم ولا أخافُ ضُرّاضَربَ هُمامٍ يَستَهينُ الدَّهرا
ويَخلِطُ البارِدَ سُخنا مُرّاولا اُقيمُ لِلأَمانِ قَدرا
أخافُ أن اُخدَعَ أو اُغَرّا
فَناداهُ مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ : وَيحَكَ يا مُسلِمُ ! إنَّكَ لَن تُغَرَّ ولَن تُخدَعَ ، وَالقَومُ لَيسوا بِقاتِليكَ ، فَلا تَقتُل نَفسَكَ ، فَلَم يَلتَفِت إلَيهِ ، فَجَعَلَ يُقاتِلُهُم حَتّى اُثخِنَ بِالجِراحِ ، وضَعُفَ عَنِ الكِفاحِ ، وتَكاثَروا عَلَيهِ مِن كُلِّ جانِبٍ ، وجَعَلوا يَرمونَهُ بِالنَّبلِ وَالحِجارَةِ .
فَقالَ مُسلِمٌ ، وَيلَكُم ! ما لَكُم تَرمونّي بِالحِجارَةِ كَما تُرمَى الكُفّارُ ، وأنَا مِن أهلِ بَيتِ النَّبِيِّ المُختارِ ؟ ! وَيلَكُم ! أما تَرعَونَ حَقَّ رَسولِ اللّه ِ ، ولا حَقَّ قُرباهُ ؟ ثُمَّ حَمَلَ عَلَيهِم ـ في ضَعفِهِ ـ فَهَزَمَهُم وكَسَرَهُم فِي الدُّروبِ وَالسِّكَكِ .
ثُمَّ رَجَعَ وأسنَدَ ظَهرَهُ عَلى بابِ دارٍ مِن تِلكَ الدّورِ ، ورَجَعَ القَومُ إلَيهِ ، فَصاحَ بِهِم مُحَمَّدُ بنُ الأَشعَثِ : ذَروهُ حَتّى اُكَلِّمَهُ بِما اُريدُ ، فَدَنا مِنهُ وقالَ : وَيحَكَ يَابنَ عَقيلٍ ! لا تَقتُل نَفسَكَ ، أنتَ آمِنٌ ودَمُكَ في عُنُقي ، وأنتَ في ذِمَّتي .
فَقالَ مُسلِمٌ : أتَظُنُّ يَابنَ الأَشعَثِ أنّي اُعطي بِيَدي وأنَا أقدِرُ عَلَى القِتالِ ؟! لا وَاللّه ِ لا يَكونُ ذلِكَ أبَدا . ثُمَّ حَمَلَ عَلَيهِ فَأَلحَقَهُ بِأَصحابِهِ ، ثُمَّ رَجَعَ إلى مَوضِعِهِ وهُوَ يَقولُ : اللّهُمَّ إنَّ العَطَشَ قَد بَلَغَ مِنّي ، فَلَم يَجتَرِئ أحَدٌ أن يَسقِيَهُ الماءَ ويَدنُوَ مِنهُ .
فَقالَ ابنُ الأَشعَثِ لِأَصحابِهِ : إنَّ هذا لَهُوَ العارُ وَالشَّنارُ ۱ ، أتَجزَعونَ مِن رَجُلٍ واحِدٍ هذَا الجَزَعَ ؟ اِحمِلوا عَلَيهِ بِأَجمَعِكُم حَملَةَ رَجُلٍ واحِدٍ . فَحَمَلوا عَلَيهِ وحَمَلَ عَلَيهِم ، وقَصَدَهُ رَجُلٌ مِن أهلِ الكوفَةِ يُقالُ لَهُ بُكَيرُ بنُ حُمرانَ الأَحمَرِيُّ ، فَاختَلَفا بِضَربَتَينِ : ضَرَبَهُ بُكَيرٌ عَلى شَفَتِهِ العُليا ، وضَرَبَهُ مُسلِمٌ فَبَلَغَتِ الضَّربَةُ جَوفَهُ فَأَسقَطَهُ قَتيلاً. ۲
وطُعِنَ [مُسلِمٌ] مِن وَرائِهِ فَسَقَطَ إلَى الأَرضِ ، فَاُخِذَ أسيرا ، ثُمَّ اُخِذَ فَرَسُهُ وسِلاحُهُ ، وتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِن بَني سُلَيمٍ يُقالُ لَهُ عُبَيدُ اللّه ِ بنُ العَبّاسِ ، فَأَخَذَ عِمامَتَهُ. ۳
1.الشَّنار : أقبح العيب والعار (لسان العرب : ج ۴ ص ۴۳۰ «شنر») .
2.وبما أنّ النقول المشهورة تفيد بأنّ مسلماً استشهد على يد بكير بن حُمران ، فإنّ بكيراً هذا لم يُقتل ـ على مايبدو ـ على يد مسلم ، بل جُرح (راجع : ص ۱۸۷ «الفصل الرابع / شهادة مسلم بن عقيل») .
3.مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : ج ۱ ص ۲۰۹ .