۱۲۲۷.الفتوح :اُدخِلَ مُسلِمُ بنُ عَقيلٍ عَلى عُبَيدِ اللّه ِ بنِ زِيادٍ ، فَقالَ لَهُ الحَرَسِيُّ : سَلِّم عَلَى الأَميرِ ، فَقالَ لَهُ مُسلِمٌ : اُسكُت لا اُمَّ لَكَ ! ما لَكَ ولِلكَلامِ ، وَاللّه ِ لَيسَ هُوَ لي بِأَميرٍ فَاُسَلِّمَ عَلَيهِ ، واُخرى : فَما يَنفَعُنِي السَّلامُ عَلَيهِ وهُوَ يُريدُ قَتلي ؟ فَإِنِ استَبقاني فَسَيَكثُرُ عَلَيهِ سَلامي .
فَقالَ لَهُ عُبَيدُ اللّه ِ بنُ زِيادٍ : لا عَلَيكَ ، سَلَّمتَ أم لَم تُسَلِّم فَإِنَّكَ مَقتولٌ .
فَقالَ مُسلِمُ بنُ عَقيلٍ : إن قَتَلتَني فَقَد قَتَلَ شَرٌّ مِنكَ مَن كانَ خَيرا مِنّي .
فَقالَ ابنُ زِيادٍ : يا شاقُّ يا عاقُّ ! خَرَجتَ عَلى إمامِكَ ، وشَقَقتَ عَصَا المُسلِمينَ ، وألقَحتَ الفِتنَةَ !
فَقالَ مُسلِمٌ : كَذَبتَ يَابنَ زِيادٍ ! وَاللّه ِ ما كانَ مُعاوِيَةُ خَليفَةً بِإِجماعِ الاُمَّةِ ، بَل تَغَلَّبَ عَلى وَصِيِّ النَّبِيِّ بِالحيلَةِ ، وأخَذَ عَنهُ الخِلافَةَ بِالغَصبِ ، وكَذلِكَ ابنُهُ يَزيدُ . وأمَّا الفِتنَةُ ، فَإِنَّكَ ألقَحتَها ، أنتَ وأبوكَ زِيادُ بنُ ۱
عِلاجٍ مِن بَني ثَقيفٍ ، وأنَا أرجو أن يَرزُقَنِي اللّه ُ الشَّهادَةَ عَلى يَدَي شَرِّ بَرِيَّتِهِ ، فَوَاللّه ِ ما خالَفتُ ولا كَفَرتُ ولا بَدَّلتُ ، وإنَّما أنَا في طاعَةِ أميرِ المُؤمِنينَ الحُسينِ بنِ عَلِيٍّ ابنِ فاطِمَةَ بِنتِ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، ونَحنُ أولى بِالخِلافَةِ مِن مُعاوِيَةَ وَابنِهِ وآلِ زِيادٍ .
فَقالَ ابنُ زِيادٍ : يا فاسِقُ ! ألَم تَكُن تَشرَبُ الخَمرَ فِي المَدينَةِ ؟
فَقالَ مُسلِمُ بنُ عَقيلٍ : أحَقُّ وَاللّه ِ بِشُربِ الخَمرِ مِنّي مَن يَقتُلُ النَّفسَ الحَرامَ ، وهُوَ في ذلِكَ يَلهو ويَلعَبُ كَأَنَّهُ لَم يَسمَع شَيئا !
فَقالَ لَهُ ابنُ زِيادٍ : يا فاسِقُ ! مَنَّتكَ نَفسُكَ أمرا أحالَكَ اللّه ُ دونَهُ ، وجَعَلَهُ لِأَهلِهِ .
فَقالَ مُسلِمُ بنُ عَقيلٍ : ومَن أهلُهُ يَابنَ مَرجانَةَ ؟
فَقالَ : أهلُهُ يَزيدُ ومُعاوِيَةُ .
فَقالَ مُسلِمُ بنُ عَقيلٍ : اَلحَمدُ للّه ِِ ، كَفى بِاللّه ِ حَكَما بَينَنا وبَينَكُم .
فَقالَ ابنُ زِيادٍ ـ لَعَنَهُ اللّه ُ ـ : أتَظُنُّ أنَّ لَكَ مِنَ الأَمرِ شَيئا ؟
فَقالَ مُسلِمُ بنُ عَقيلٍ : لا وَاللّه ِ ما هُوَ الظَّنُّ ولكِنَّهُ اليَقينُ .
فَقالَ ابنُ زِيادٍ : قَتَلَنِي اللّه ُ إن لَم أقتُلكَ .
فَقالَ مُسلِمٌ : إنَّكَ لا تَدَعُ سوءَ القِتلَةِ ، وقُبحَ المُثلَةِ ، وخُبثَ السَّريرَةِ ، وَاللّه ِ لَو كانَ مَعي عَشرَةٌ مِمَّن أثِقُ بِهِم ، وقَدَرتُ عَلى شَربَةٍ مِن ماءٍ ، لَطالَ عَلَيكَ أن تراني في هذَا القَصرِ ، ولكن إن كُنتَ عَزَمتَ عَلى قَتلي ـ ولا بُدَّ لَكَ مِن ذلِكَ ـ فَأَقِم إلَيَّ رَجُلاً مِن قُرَيشٍ اُوصي إلَيهِ بِما اُريدُ .
فَوَثَبَ إلَيهِ عُمَرُ بنُ سَعدِ بنِ أبي وَقّاصٍ ، فَقالَ : أوصِ إلَيَّ بِما تُريدُ يَابنَ عَقيلٍ .
فَقالَ : اُوصيكَ ونَفسي بِتَقوَى اللّه ِ ؛ فَإِنَّ التَّقوى فيهَا الدَّركُ لِكُلِّ خَيرٍ ، وقَد عَلِمتَ ما بَيني وبَينَكَ مِنَ القَرابَةِ ، ولي إلَيكَ حاجَةٌ ، وقَد يَجِبُ عَلَيكَ لِقَرابَتي أن تَقضِيَ حاجَتي .
قالَ : فَقالَ ابنُ زِيادٍ : يَجِبُ ۲ يا عُمَرُ أن تَقضِيَ حاجَةَ ابنِ عَمِّكَ وإن كانَ مُسرِفا عَلى نَفسِهِ ؛ فَإِنَّهُ مَقتولٌ لا مَحالَةَ .
فَقالَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ : قُل ما أحبَبتَ يَابنَ عَقيلٍ .
فَقالَ مُسلِمٌ ـ رَحِمَهُ اللّه ُ ـ : حاجَتي إلَيكَ أن تَشتَرِيَ فَرَسي وسِلاحي مِن هؤُلاءِ القَومِ فَتَبيعَهُ ، وتَقضِيَ عَنّي سَبعَمِئَةِ دِرهَمٍ استَدَنتُها في مِصرِكُم ، وأن تَستَوهِبَ جُثَّتي إذا قَتَلَني هذا وتُوارِيَني فِي التُّرابِ ، وأن تَكتُبَ إلَى الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ عليه السلام ألّا يَقدَمَ فَيَنزِلَ بِهِ ما نَزَلَ بي .
قالَ : فَالتَفَتَ عُمَرُ بنُ سَعدٍ إلى عُبَيدِ اللّه ِ بنِ زِيادٍ ، فَقالَ : أيُّهَا الأَميرُ ، إنَّهُ يَقولُ كَذا وكَذا .
فَقالَ ابنُ زِيادٍ : أمّا ما ذَكَرتَ ـ يَابنَ عَقيلٍ ـ مِن أمرِ دَينِكَ فَإِنَّما هُوَ مالُكَ يُقضى بِهِ دَينُكَ ، ولَسنا نَمنَعُكَ أن تَصنَعَ فيهِ ما أحبَبتَ . وأمّا جَسَدُكَ إذا نَحنُ قَتَلناكَ فَالخَيارُ في ذلِكَ لَنا ، ولَسنا نُبالي ما صَنَعَ اللّه ُ بِجُثَّتِكَ . وأمَّا الحُسَينُ فَإِن لَم يُرِدنا لَم نُرِدهُ ، وإن أرادَنا لَم نَكُفَّ عَنهُ . ولكِنّي اُريدُ أن تُخبِرَني يَابنَ عَقيلٍ ، بِماذا أتَيتَ إلى هذَا البَلَدِ ؟ شَتّتت أمرَهُم ، وفَرَّقتَ كَلِمَتَهُم ، ورَمَيتَ بَعضَهُم عَلى بَعضٍ؟!
فَقالَ مُسلِمُ بنُ عَقيلٍ : لَستُ لِذلِكَ أتَيتُ هذَا البَلَدَ ، ولكِنَّكُم أظهَرتُمُ المُنكَرَ ودَفَنتُمُ المَعروفَ ، وتَأَمَّرتُم عَلَى النّاسِ مِن غَيرِ رِضى ، وحَمَلتُموهُم عَلى غَيرِ ما أمَرَكُمُ اللّه ُ بِهِ ، وعَمِلتُم فيهِم بِأَعمالِ كِسرى وقَيصَرَ ، فَأَتَيناهُم لِنَأمُرَ فيهِم بِالمَعروفِ ، ونَنهاهُم عَنِ المُنكَرِ ، ونَدعوَهُم إلى حُكمِ الكِتابِ وَالسُّنَّةِ ، وكُنّا أهلَ ذلِكَ ، ولَم تَزَلِ الخِلافَةُ لَنا مُنذُ قُتِلَ أميرُ المُؤمِنينَ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ عليه السلام ، ولا تَزالُ الخِلافَةُ لَنا ، فَإِنّا قُهِرنا عَلَيها ، لِأَنَّكُم أوَّلُ مَن خَرَجَ عَلى إمامِ هُدىً ، وشَقَّ عَصَا المُسلِمينَ ، وأخَذَ هذَا الأَمرَ غَصبا ، ونازَعَ أهلَهُ بِالظُّلمِ وَالعُدوانِ ، ولا نَعلَمُ لَنا ولَكُم مَثَلاً إلّا قَولَ اللّه ِ تَبارَكَ وتَعالى : «وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَـلَمُواْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ »۳ .
قالَ : فَجَعَلَ ابنُ زِيادٍ يَشتِمُ عَلِيّا وَالحَسَنَ وَالحُسَينَ عليهم السلام .
فَقالَ لَهُ مُسلِمٌ : أنتَ وأبوكَ أحَقُّ بِالشَّتيمَةِ مِنهُم ، فَاقضِ ما أنتَ قاضٍ ! فَنَحنُ أهلُ بَيتٍ مُوَكَّلٌ بِنَا البَلاءُ .
فَقالَ عُبَيدُ اللّه ِ بنُ زِيادٍ : اِلحَقوا بِهِ إلى أعلَى القَصرِ ، فَاضرِبوا عُنُقَهُ ، وألحِقوا رَأسَهُ جَسَدَهُ .
فَقالَ مُسلِمٌ ـ رَحِمَهُ اللّه ُ ـ : أمَا وَاللّه ِ يَا بنَ زِيادٍ ! لَو كُنتَ مِن قُرَيشٍ ، أو كانَ بَيني وبَينَكَ رَحِمٌ أو قَرابَةٌ لَما قَتَلتَني ، ولكِنَّكَ ابنُ أبيكَ ۴ . ۵
1.في مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : «زياد بن عبيد ...» ، وفي بعض النقول التي ستأتي لاحقا : «وأبوك زياد بن عبيدٍ عبدُ بني علاجٍ من ثقيف» .
2.في المصدر : «لا يجب» وهو خطأ ، والصواب ما أثبتناه ، وقريب منه ما في مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي .
3.الشعراء : ۲۲۷ .
4.عبيد اللّه هو ابن زياد، ولا يعلم جدّه أي أبو زياد، ولهذا يقال له : زياد بن أبيه، فقال له مسلم على سبيل الكناية: إنّك ابن أبيك، فنسبك غير معلوم.
5.الفتوح : ج ۵ ص ۵۵ ، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزمي : ج ۱ ص ۲۱۱ نحوه .