تحليل حول تقييم سفر الإمام الحسين عليه السّلام إلى العراق وثورة الكوفة
بعد خروج الإمام الحسين عليه السلام من المدينة في الثالث من شعبان وحتّى الثامن من ذي الحجّة سنة 60 للهجرة ، توقّف في مكّة حوالي أربعة أشهر وخمسة أيّام ، وبعد استلام كتاب مسلم بن عقيل عليه السلام من الكوفة والذي كان يفيد استعداد أهل الكوفة للدفاع عنه مقابل حكومة يزيد ، وكذلك بعد الإحساس بالخطر الأكيد من جانب عمّال السلطة في مراسم الحجّ ، غادر مكّة في الثامن من ذي الحجّة متّجهاً إلى الكوفة . وبعد أن قطع ركب الإمام عليه السلام حوالي 28 منزلاً ، ووصل موضعاً يدعى «الشِّراف» ، على بعد مسافة تبلغ حوالي 160 كيلومتراً عن الكوفة ۱ ، مال عن طريق الكوفة باتّجاه اليسار ؛ وذلك عند مشاهدته جيش الحرّ ، وواجه هذا الجيش في «ذو حَسَم» .
وعندما حال الحرّ دون سير ركب الإمام عليه السلام باتّجاه الكوفة أو عودته ، واصل الإمام عليه السلام و أصحابه مع جيش الحرّ طريقهم في اتّجاهٍ نصف دائري تقريباً ، ووصل ركب الإمام عليه السلام كربلاء أخيراً في الثاني من محرّم سنة 61 للهجرة بعد اجتياز 34 منزلاً و 1447 كيلومتراً ۲ خلال 25 يوماً ، وكان الإمام وأصحابه في كربلاء من الثاني وحتّى العاشر من المحرّم ، حيث وقعت حادثة عاشوراء الأليمة .
واستناداً إلى الروايات المتقدّمة في هذا الفصل ، فقد قبل الإمام عليه السلام دعوة أهل الكوفة واتّجه إلى هذه المدينة ، ثمّ سار نحو كربلاء وهو يلوّح بشكل متكرّر بشهادته هو و أهل بيته وأصحابه ، بل ويصرّح بها ، وذلك رغم منع الحكومة الاُموية له بشكل أكيد ، حيث كانت تمنعه عن السفر إلى الكوفة بشكل مباشر وغير مباشر ، وبعد أن رفض مقترحات البعض من المحبّين له ، الذين كانوا يلحّون عليه في أن ينثني عن عزمه ، مصوّرين له مخاطر هذا السفر ، إلّا أنّه استجاب لدعوة أهل الكوفة وسار إليها ، وقد أخبر في عدّة مواضع بشهادته وشهادة أهل بيته وأصحابه عند توجّهه إلى كربلاء . وعند انطلاقه من مكّة نحو العراق كتب إلى بني هاشم قائلاً :
مَن لَحِقَ بِيَ استُشهِدَ ، ومَن تَخَلَّفَ عَنّي لَم يَبلُغِ الفَتحَ . ۳
وتتبادر إلى الأذهان في هذا المجال عدّة تساؤلات لابدّ من إجابتها، وهي:
1 . هل كان اختيار الكوفة كقاعدة للثورة ضدّ حكومة يزيد عملاً صحيحاً من الناحية السياسية ، وهل يثق سياسيّ كبير مثل الإمام عليه السلام بالكوفيّين رغم مواقفهم السابقة مع أبيه وأخيه الأكبر ، ويعتمد على وعودهم بالدفاع عنه في مقابل حكومة بني اُمية ، ليتّخذ من الكوفة قاعدة للنهضة ضدّ نظام الحكم؟
وبتعبير أكثر وضوحاً : ألم يكن الإمام عليه السلام يعلم بما كان الآخرون يقولونه بشأن المخاطر التي تكتنف سفره إلى الكوفة؟ وأخيراً ، ألم يكن الإمام عليه السلام يعلم أنّ الجوّ العامّ لتأييده والذي كان يسود هذه المدينة قبل قدوم ابن زياد إلى الكوفة هو جوٌّ مفتعلٌ ؟
2 . هل كان جميع الذين وجّهوا الدعوة إلى الإمام الحسين عليه السلام من شيعته وأتباعه في
العقيدة حقّاً ، وهل كان الأمر كما ظنّ البعض ۴ من أنّه انخدع بشيعته الذين وعدوه بالنصرة ، ولكنّهم لم يتركوا الدفاع عنه فحسب ، بل هبّوا لمحاربته ، وبذلك فإنّ الشيعة أنفسهم هم السبب الرئيس في مأساة عاشوراء؟
أم أنّ مفهوم «الشيعة» في ذلك العصر مفهوم يختلف عن المفهوم الحالي له ، وأنّ الأشخاص الذين خذلوا الإمام كان تشيّعهم له تشيّعا سياسياً واجتماعياً ، لا عقيدياً وحقيقياً؟
3 . ماهي أسباب إقبال أهل الكوفة على النهضة الحسينية وإدبارهم عنها ؟ وماهي عوامل فشلها؟
1.راجع : الخريطة رقم ۳ في آخر هذه المجلّد .
2.راجع : الخريطة رقم ۳ في آخر هذا المجلّد .
3.راجع : ص ۳۱۳ (كتاب الإمام عليه السلام إلى بني هاشم يخبرهم بالمستقبل) .
4.منهم عبداللّه بن عبدالعزيز في كتابه : «مَن قَتَل الحسين عليه السلام » حيث يقول فيه : إنّ أهل الكوفة هم الذين كتبوا إلى الحسين عليه السلام وطلبوا منه المجيء ، وما لبثوا أن خذلوا رسوله مسلم بن عقيل وغدروا به ، ثمّ جاء الدور على الحسين لينال منهم ما ناله مسلم بن عقيل ، وليس الحسين الوحيد الذي غدر به الشيعة ، بل غدروا قبله بأبيه وأخيه ، ثمّ من بعده أئمّة أهل البيت ـ رضي اللّه عنهم ـ (مَن قَتَل الحسين عليه السلام : ص ۱۱۸) .