1
أسباب اتّخاذ الكوفة قاعدةً للثورة
من أجل تقييم سفر الإمام الحسين عليه السلام إلى العراق واختيار الكوفة قاعدة للثورة ، يجب الالتفات إلى أنّ الهدف من ثورته عليه السلام كان بالدرجة الاُولى الإطاحة بحكومة يزيد ، وتأسيس الحكومة الإسلامية في حالة نصرة الناس له ، ثمّ بالدرجة الثانية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وفضح الحكومة الاُموية وزلزلة قواعدها ، والحيلولة دون زوال القيم الإسلامية ، وأخيراً إتمام الحجّة على المسلمين ، حتّى وإن كان ثمن تحقيق هذه الأهداف هو شهادته وشهادة أهل بيته وأصحابه وسبي عياله وذراريه . ۱
وقد كانت الكوفة آنذاك تتميّز بخصوصيات تجعلها أفضل مكان في العالم الإسلامي لتحقيق أهداف الإمام الحسين عليه السلام ، وهي :
أوّلاً . الموقع السياسي والعسكري
تأسّست مدينة الكوفة في السنة السابعة عشرة من الهجرة بواسطة الخليفة الثاني وعلى يد سعد بن أبي وقاص ؛ بهدف إقامة معسكر كبير ، ومن أجل قيادة الفتوح الإسلامية وتوسيعها ۲ . ۳
وأمر عمر بأن تبلغ مساحة مسجد المدينة حدّاً بحيث يتّسع لجميع أفراد الجيش ، ولذلك فقد بُني المسجد على ضوء هذا الأمر ، وكان يتّسع لأربعين ألفاً . ۴
وممّا يجدر ذكره أنّ «زياد بن أبيه» الذي اُوكلت إليه إمارة الكوفة من قبل معاوية ، بادر إلى توسيع مسجد الكوفة حتّى أصبح يتّسع لستّين ألفاً . ۵
وبسبب الموقع الحسّاس الذي كانت تتمتّع به مدينة الكوفة ، فقدكان يسكنها في صدر الإسلام عدد ملفت للنظر من شيوخ القبائل والقادة العسكريّين الكبار وخيرة المقاتلين ؛ ولذلك فعندما خرج الإمام علي عليه السلام من المدينة متوجّهاً إلى العراق من أجل القضاء على فتنة الناكثين ، لم يكن يصطحب معه سوى سبعمئة مقاتل ۶ من المهاجرين والأنصار ، فيما التحق به من الكوفة اثنا عشر ألفاً . ۷
ومن الملفت للنظر أنّ الإمام بعث كتاباً يخاطب فيه أهل الكوفة عندما كان يريد الانطلاق من المدينة نحو البصرة ، يبدأ بهذه العبارات :
مِن عَبدِ اللّه ِ عَلِيٍّ أميرِ المُؤمِنينَ إلى أهلِ الكوفَةِ جَبهَةِ الأَنصارِ وسَنامِ العَرَبِ . ۸
وتفيد رواية الطبري أنّ الإمام عندما اُخبر في الطريق بأنّ المتمرّدين ذهبوا إلى البصرة ، فإنّه شعر بالطمأنينة وقال :
إنَّ أهلَ الكوفَةِ أشَدُّ إليّ حُبّاً ، وفيهِم رُؤوسُ العَرَبِ وأعلامُهُم . ۹
كما كتب إليهم :
إنّي قَدِ اختَرتُكُم عَلَى الأَمصارِ وإنّي بِالأَثرَةِ . ۱۰
وجاء في رواية اُخرى أنّه كتب قائلاً :
فَإِنّي قَدِ اختَرتُكُم وَالنُّزولَ بَينَ أظهُرِكُم ؛ لِما أعرِفُ مِن مَوَدَّتِكُم وحُبِّكُم للّه ِِ عَزَّوجَلَّ ولِرَسولِهِ صلى الله عليه و آله ... . ۱۱
وعندما التحق أهلُ الكوفة بالإمام عليّ عليه السلام في ذي قار ، مدحهم الإمام عليه السلام قائلاً :
أنتُم أشَدُّ العَرَبِ وُدّاً لِلنَّبِيِّ ولِأَهلِ بَيتِهِ ، وإنَّما جِئتُكُم ثِقَةً ـ بَعدَ اللّه ِ ـ بِكُم . ۱۲
وبعد نهاية معركة الجمل أشاد بهم بهذه العبارات :
جزاكُمُ اللّه ُ مِن أهلِ مِصرٍ عَن أهلِ بَيتِ نَبِيِّكُم أحسَنَ ما يَجزِي العامِلينَ بِطاعَتِهِ وَالشّاكِرينَ لِنِعمَتِهِ ، فَقَد سَمِعتُم وأطَعتُم ، وَدُعيتُم فَأَجَبتُم . ۱۳
كما كان معظم جنده في معركة صفّين من الكوفة ، حيث ذكرت المصادر التاريخية أنّ عدد جيش الإمام عليه السلام بلغ مئةً وعشرين ألفاً . ۱۴
وفي هذه المعركة نفسها عندما لاحظ الإمام عليه السلام ضعف جيشه أمام جيش الشام ، أشار إلى مكانتهم المهمّة في العالم الإسلامي ، خلال حديثٍ لام فيه جيشَه ، فقال :
أنتُم لَهاميمُ العَرَبِ ويَآفيخُ الشَّرَفِ ، وَالأَنفُ المُقَدَّمُ ، وَالسَّنامُ الأَعظَمُ . ۱۵
وخاطبهم في موضع آخر بشيء من الذمّ :
وأنتُم تَريكةُ الإِسلامِ ، وبَقِيَّةُ النّاسِ . ۱۶
1.راجع : ج ۲ ص ۳۴۳ (المدخل: أهداف ثورة الإمام الحسين عليه السلام ) .
2.تأسّست الكوفة لتنظيم وقيادة الفتوح الإسلامية في المنطقة الغربية مثل : الشام ، فلسطين ، أفريقيا ، وأمّا المناطق الشرقية فقد جعلت البصرة لنفس الهدف .
3.تاريخ الطبري : ج ۴ ص ۴۰ .
4.معجم البلدان : ج ۴ ص ۴۹۱ .
5.معجم البلدان : ج ۴ ص ۴۹۱ ، تاريخ الطبري : ج ۳ ص ۳۴۳ .
6.الجمل : ص ۲۴۰ .
7.تاريخ الطبري : ج ۴ ص ۵۰۰ وراجع : موسوعة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام : ج ۳ ص ۶۳ (القسم السادس / الحرب الاُولى : وقعة الجمل) وص ۱۵۰ (الفصل الخامس / وصول قوّات الكوفة إلى الإمام عليه السلام ) .
8.تاريخ الطبرى: ج ۴ ص ۵۰۰.
9.تاريخ الطبري : ج ۴ ص ۴۷۷ .
10.في بعض المصادر «وإنّي بالأثر» وهو الأنسب (راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ۱۴ ص ۱۶)
11.تاريخ الطبري : ج ۴ ص ۴۷۷ .
12.الإرشاد : ج ۱ ص ۲۵۰ .
13.نهج البلاغة : الكتاب ۲ .
14.راجع : موسوعة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام : ج ۳ ص ۲۶۸ (القسم السادس / الحرب الثانية : وقعة صفّين / عدد المشاركين فيها) .
15.نهج البلاغة : الخطبة ۱۰۷ .
16.نهج البلاغة : الخطبة ۱۸۰ .