415
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج3

موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج3
414

3 . الردّ على الخواصّ

وأمّا أجوبة الإمام عليه السلام على شخصيّات كبيرة مثل اُمّ سلمة وعبد اللّه بن جعفر ومحمّد بن الحنفية ، فقد كانت مختلفة تماماً عن أجوبته على الآخرين ، فقد كان يخبرهم بشهادته ، كما قال ردّاً على اُمّ سلمة :
إنّي واللّه ِ مَقتولٌ كَذلِكَ ، وإن لَم أخرُج إلَى العِراقِ يَقتُلوني أيضاً . ۱
كما أجاب عبد اللّه بن جعفر قائلاً :
لَو كُنتُ في جُحرِ هامَةٍ مِن هَوامِّ الأَرضِ لَاستَخرَجوني وَيَقتلونّي . ۲
وقال أيضاً لعمرو بن لوذان :
وَاللّه ِ، لا يَدَعوني حَتّى يَستَخرِجوا هذِهِ العَلَقَةَ مِن جَوفي . ۳
وكان ردّه على عبد اللّه بن عبّاس وابن الزبير شبيهاً بتلك الأجوبة ، فقد أجاب ابن عبّاس قائلاً :
لَأَن اُقتَلَ ـ وَاللّه ِ ـ بِمَكانِ كَذا ، أحَبُّ إلَيَّ مِن أن اُستَحَلَّ بِمَكَّةَ . ۴
وجاء في رواية اُخرى قوله :
لَأَن اُقتَلَ خارِجاً مِنها بِشِبرَينِ أحَبُّ إلَيَّ مِن أن اُقتَلَ خارِجاً مِنها بشِبرٍ . ۵
وخاطب ابن الزبير قائلاً :
لَأَن اُدفَنَ بِشاطِىِ?الفُراتِ أحَبُّ إلَيَّ مِن أن اُدفَنَ بِفِناءِ الكعبَة . ۶
وهذه الأقوال تعني أنّه سواء ذهب إلى الكوفة ، أم لم يذهب إليها فإنّه سيُقتل حتماً على يد عمّال يزيد ، وعلى هذا فإنّ عليه أن يختار مكاناً للشهادة كي يقدّم بدمه أكبر خدمة للإسلام ، ويوجّه أكبر ضربة إلى الحكومة الاُموية ، ومع حفظه على حرمة الحرم أيضاً ، ولم تكن تلك المنطقة سوى أرض العراق .
وبعبارة أوضح : إن لم يستطع الإمام الحسين عليه السلام أن يُمسك بزمام الحكم من خلال تعاون الناس معه ، فقد كان أمامه طريقان إزاء حكومة يزيد : إمّا أن يبايع يزيد رغم كلّ سلوكيّاته المنافية للإسلام ۷ ، أو يقتل . ولمّا كان الإمام يرى الطريق الأوّل على خلاف مصالح الإسلام ، فقد اختار الطريق الثاني . وعلى هذا الأساس فإنّ جميع القرائن كانت تدلّ على أنّه سيُقتل إن لم يبايع يزيد ، فضلاً عمّا كان قد سمعه من رسول اللّه صلى الله عليه و آله نفسه ومن الآخرين حول شهادته ، ولذلك فإنّ الذين كان يوصونه بعدم الذهاب إلى العراق ، كانوا يطلبون منه صراحة ، أو تلويحاً أن يبايع يزيد .
ولذلك فعندما طلب عبد اللّه بن عمر من الإمام بإصرار أن ينصرف عن السفر إلى العراق قائلاً :
فارجع معنا إلى المدينة ، وإن لم تحبّ أن تبايع فلا تبايع أبداً واقعد في منزلك .
أجابه الإمام عليه السلام :
هَيهاتَ يَابنَ عُمَرَ! إنَّ القَومَ لا يَترُكونّي . . . فَلا يَزالونَ حَتّى اُبايِعَ وَأَنا كارِهٌ ، أو يَقتُلونّي . ۸
وعلى هذا الأساس فقد كان الإمام عليه السلام يعلم أنّه سيُقتل حتماً ؛ لأنّه لا يبايع يزيد ، ولذلك كان عليه أن يختار موضعاً للشهادة ، ويخلق جوّاً بحيث تؤدّي شهادته أكبر دورٍ في فضح الحكومة الاُموية ، ويقظة الاُمّة الإسلامية ، وبيان الإسلام الأصيل للأجيال القادمة ، وقد كان اختيار الكوفة ، واصطحاب أهل بيته وأطفاله وأفضل أصحابه معه في هذا السفر ، في إطار تحقيق هذا الهدف الإلهي السامي للأسباب التالية :
أوّلاً : كانت الكوفة تتمتّع بأفضل موقع ثقافي ، اجتماعي ، سياسي ، عسكري وجغرافي في العالم الإسلامي ، وبطبيعة الحال فإنّ استشهاد الإمام في هذه المنطقة كان من شأنه أن يخلق أكبر الآثار في جميع أرجاء العالم الإسلامي .
ثانياً : دعوة أهل الكوفة الإمام عليه السلام للقدوم ، وكانوا قد تعهّدوا له بالنصرة ، وكانت دعوتهم الواسعة له بمعنى إعلان النصرة والمؤازرة من قبل أهمّ وأكبر قاعدة سياسية وعسكرية في العالم الإسلامي ، وقد تمّ تأييد هذه الدعوة من خلال بيعة الناس الواسعة لسفير الإمام عليه السلام . وعلى هذا فلولم يكن الإمام قد قَبِل دعوتهم استناداً إلى خذلانهم لأبيه وأخيه ، ولو كان قد قُتل في موضعٍ آخر لم تكن قد وُجّهت إليه منه دعوة ولم يكن يتمتّع بالمركز العسكري والثقافي الذي تتمتّع به الكوفة ، فإنّ اللّوم سوف لا يوجّه إليه من قبل أهل الكوفة فحسب ، بل ومن جميع العالم الإسلامي ، ولَذُكِر اسمه في المصادر التاريخية بوصفه قائداً غيرَ محنّك من الناحية السياسية ، وبالإضافة إلى ذلك فسوف لا تكون له يوم القيامة حجّة أمام اللّه تعالى .
ثالثاً : من خلال سفر الإمام إلى الكوفة واستشهاده في طريق محاربة الظلم والفساد وإحياء القيم الإسلامية ، فإنّه سوف لا يتمّ الحجّة على أهل الكوفة فحسب ، بل وعلى العالم الإسلامي أجمع .
رابعاً : كانت الأرضيّات الثقافية والسياسية في الكوفة من جهة ، ودعوة أهلها للإمام وعدم نصرته من جهة اُخرى ، كلّ ذلك كان من شأنه أن يهيّئ الأرضية لندمهم وتصميمهم على تلافي ما فاتهم ، وإعلان الثورات الشعبية ضدّ حكومة يزيد .
وعلى هذا الأساس ، لم يكن للإمام الحسين عليه السلام خيار أفضل من الكوفة لمعارضة حكومة يزيد ، وكان سفره إلى العراق واجباً إلهيّاً ، ومنسجماً تماماً مع مصالح الإسلام والاُمّة الإسلامية .

1.راجع : ص ۲۳۸ ح ۱۳۰۴ .

2.راجع : ص ۲۴۳ ح ۱۳۱۱ .

3.راجع : ص ۲۶۳ ح ۱۳۴۵ .

4.راجع : ص ۲۴۵ ح ۱۳۱۳ .

5.راجع : ص ۲۹۲ ح ۱۳۸۲ .

6.راجع : ص ۲۸۸ ح ۱۳۷۳ .

7.راجع : ج ۲ ص ۳۷۶ (الفصل الأوّل / طلب البيعة من الإمام عليه السلام ) .

8.راجع : ص ۲۸۵ ح ۱۳۶۷ .

  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج3
    سایر پدیدآورندگان :
    المساعدون : الطباطبائي نژاد،سيد محمود؛ السيّد طبائي،سيد روح الله
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
عدد المشاهدين : 142764
الصفحه من 458
طباعه  ارسل الي