439
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج3

موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج3
438

أوّلاً : الكسب والعمل

كان عمل الناس يتمثّل عادةً في ذلك الوقت في الزراعة والصناعة والتجارة ، أو الأعمال الحكومية مثل الخدمة في الشرطة .
ومع الأخذ بنظر الاعتبار ارتباط أهالي الكوفة الوثيق بعطاء الحكومة ، يبدو أنّهم لم يكونوا يعملون إلّا قليلاً ، حتّى قيل : إنّ الموالي هم الذين كانوا يتولّون معظم الحرف في الكوفة ، بل إنّ العرب لايرون أنّ العمل في الحرف والصناعات لائقاً بشأنهم . ۱

ثانياً : العطاءات والأرزاق

كان العطاء عبارة عن مبالغ نقديّة كانت تُدفع من جانب الحكومة دفعة واحدة عدّة مرّات سنوياً إلى الأفراد المقاتلين في هذه المدينة ، كما كانت تُدفع إليهم الأرزاق التي كانت عبارة عن المساعدات العينية ؛ مثل التمر والقمح والشعير والزيت وغير ذلك ، شهريّاً ودون مقابل .
والذي أسّس نظام العطاءات والأرزاق هو عمر بن الخطّاب ، وذلك أنّه كان يعيّن للجند حقوقاً سنويّة من أجل الحيلولة دون انشغال الجنود في أعمال اُخرى ، وكانت مقادير العطاءات والأرزاق تحكمها معايير خاصّة ؛ كأن يكون الفرد صحابياً ، أو بلحاظ عدد مرّات اشتراكه في الحروب ، وما إلى ذلك . ويتمّ تأمين هذه الحقوق السنوية بشكل رئيس من الفتوح وخراج الأراضي المفتوحة حديثا ۲ . وتقسّم على الأشخاص ، بمبالغ تتراوح بين 300 إلى 2000 درهم في السنة ، ويطلق على حدّها الأقصى اسم «شرف العطاء» ، وكان يدفع إلى الأشخاص البارزين الذين يتمتّعون بصفات بارزة مثل الشجاعة المتميّزة والجرأة . ۳
وقد صادق الإمام عليّ عليه السلام بعد تولّيه الخلافة على مبدأ نظام العطاء ، ولكنّه ألغى المواصفات والمعايير التي كان عمر يتّبعها في العطاءات ، وأقرّ المساواة الكاملة في العطاء ؛ ممّا أدى إلى إثارة سخط الكثير من الأشخاص . ۴
وكان من بين الخصوصيّات الاُخرى لدفع العطاء في عهد الإمام عليّ عليه السلام أنّه كان يبادر إلى تقسيمه بمجرّد وصول الأموال إلى بيت المال ، ولم يكن يسمح بتكديس هذه الأموال فيه ، حتّى روي أنّ أموالاً كثيرة وصلت من أصفهان بعد تقسيم العطاء على ثلاث دفعات ، فطلب عليه السلام من الناس ورؤساء الأسباع أن يستلموا عطاءهم الرابع . ۵
وكانت الخصوصية الثالثة لعطاء الإمام عليه السلام تتمثّل في أنّه عليه السلام كان يدفع العطاء إلى الجميع بما فيهم معارضوه ، مثل الخوارج ماداموا لم يكونوا قد قاموا بأعمال مناهضة للحكومة الإسلامية . ۶
ولكنّ هذا النظام اُلغي تماماً في عهد حكم معاوية ، واُقرّ مرّة اُخرى النظام الطبقي في العطاء ، ولكن لم تؤخذ بنظر الاعتبار في هذه المرّة معايير الفضيلة والسابقة في الإسلام والمشاركة في الحروب ، بل اُخذ بنظر الاعتبار التقرّب إلى البلاط الاُموي ومدى العمالة للحكومة ۷ . وتمّ إلغاء عطاء الموالي ، وأمر معاوية في فترة من الفترات بدفع 15 درهماً في السنة لكلّ واحد منهم ، على أنّ هذا المبلغ لم يُدفع أيضاً ۸ ، ولذلك اضطرّ الموالي إلى الارتزاق من عملهم وسعيهم .
وعلى هذا ، فقد كان أهمّ مصادر الموارد الماليّة لأهل الكوفة وتأمين حياتهم بيد نظام الحكم ، ولم يكن أمام غالبية الأهالي سبيل لتأمين معيشتهم سوى التعاون مع الحكومة .
ويبدو أنّ دور النظام الإداري والاقتصادي للكوفة كان أكثر العوامل تأثيراً في إعراض الأهالي عن الثورة ، والانضمام إلى أنصار الحكومة ، ولذلك فإنّ ابن زياد عندما دخل الكوفة وألقى خطبة سياسية فيها ، استغلّ النظام الإداري والاقتصادي لهذه المدينة استغلالاً كاملاً لتهديد الأهالي وترغيبهم ، وهذا هو نصّ رواية الطبري في هذا المجال :
أَخَذَ [ابنُ زِيادٍ] العُرَفاءَ وَالنّاسَ أخذا شَديدا ، فَقالَ : اُكتُبوا إلَيَّ الغُرَباءَ ، ومَن فيكُم مِن طِلبَةِ أميرِ المُؤمِنينَ ، ومَن فيكُم مِنَ الحَرورِيَّةِ وأهلِ الرَّيبِ ، الَّذينَ رَأيُهُمُ الخِلافُ وَالشِّقاقُ ، فَمَن كَتَبَهُم لَنا فَبَريءٌ ، ومَن لَم يَكتُب لَنا أحَدا فَيَضمَنُ لَنا ما في عَرافَتِهِ ألّا يُخالِفَنا مِنهُم مُخالِفٌ ، ولا يَبغي عَلَينا مِنهُم باغٍ ، فَمَن لَم يَفعَل بَرِئَت مِنهُ الذِّمَّةُ ، وحَلالٌ لَنا مالُهُ وسَفكُ دَمِهِ .
وأيُّما عَريفٍ وُجِدَ في عَرافَتِهِ مِن بُغيَةِ أميرِ المُؤمِنينَ أحَدٌ لَم يَرفَعهُ إلَينا ، صُلِبَ عَلى بابِ دارِهِ ، واُلقِيَت تِلكَ العَرافَةُ مِنَ العَطاءِ ، وسُيِّرَ إلى مَوضِعٍ بِعُمانَ الزّارَةِ . ۹
كما أنّ مسلم بن عقيل عليه السلام عندما حاصر بجيشه قصر ابن زياد ومارس الضغوط عليه ، فقد كان من أساليب ابن زياد الناجحة أنّه أبلغ جنود مسلم عن طريق وجهاء الكوفة وزعماء القبائل أنّه سيزيد من عطائهم إن هم كفّوا عن دعمه وانضمّوا إلى صفوف المطيعين ، وإلّا فإنّ عطاءهم سينقطع إن استمرّت الثورة . ۱۰
واستناداً إلى بعض الروايات فعندما كان الإمام الحسين عليه السلام ينوي إتمام الحجّة على أهل الكوفة في يوم عاشوراء ، وكانوا يسعون من خلال إثارة الفوضى أن يمنعوه من إلقاء خطبته ، فقد أشار الإمام إلى موضوع «العطاء» وأكلهم الحرام من خلال ذلك ، باعتباره أحد أسباب انحراف أهل الكوفة وتمرّدهم فقال عليه السلام :
وَكُلُّكُم عاصٍ لِأَمري غَيرُ مُستَمِعٍ لِقَولي ، قَدِ انخَزَلَت عَطِيّاتُكُم مِنَ الحَرامِ ، وَمُلِئَت بُطونُكُم مِنَ الحَرامِ ، فَطُبِعَ عَلى قُلوبِكُم . ۱۱

1.الحياة الاجتماعية والاقتصادية في الكوفة في القرن الأوّل الهجري : ص ۸۲ .

2.تاريخ الطبري : ج ۳ ص ۶۱۳ ، فتوح البلدان : ص ۴۳۵ وما بعدها .

3.الحياة الاجتماعية والاقتصادية في الكوفة في القرن الأوّل الهجري : ص ۲۴۰ ، تنظيمات الجيش العربي الإسلامي : ص ۹۸ ، فتوح البلدان : ص ۴۴۲ وراجع : تاريخ دمشق : ج ۵۹ ص ۲۰۴ .

4.نهج البلاغة : الخطبة ۱۲۶ .

5.مروج الذهب : ج ۲ ص ۴۲۱ .

6.تاريخ الطبري : ج ۵ ص ۷۳ .

7.تنظيمات الجيش العربي : ص ۹۲ .

8.الحياة الاجتماعية والاقتصادية في الكوفة في القرن الأوّل الهجري : ص ۸۷ .

9.راجع : ص ۹۰ ح۱۰۹۸ .

10.راجع : ص ۱۳۴ (الفصل الرابع / سياسة ابن زياد في تخذيل الناس عن مسلم) .

11.راجع : ج ۴ ص ۱۱۸ ح ۱۶۳۰ .

  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج3
    سایر پدیدآورندگان :
    المساعدون : الطباطبائي نژاد،سيد محمود؛ السيّد طبائي،سيد روح الله
    ناشر :
    سازمان چاپ و نشر دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1389
عدد المشاهدين : 174896
الصفحه من 458
طباعه  ارسل الي