عَلَيَّ آثامُ العَرَبِ ، إن مَرَّ بي يَفعَلُ مِثلَ ما كانَ يَفعَلُ إن لَم اُثكِلهُ ۱ أباهُ، فَمَرَّ يَشُدُّ عَلَى النّاسِ بِسَيفِهِ، فَاعتَرَضَهُ مُرَّةُ بنُ مُنقِذٍ فَطَعَنَهُ فَصُرِعَ، وَاحتَوَلَهُ ۲ النّاسُ فَقَطَّعوهُ بِأَسيافِهِم .
قالَ أبو مِخنَفٍ: حَدَّثَني سُلَيمانُ بنُ أبي راشِدٍ، عَن حُمَيدِ بنِ مُسلِمٍ الأَزدِيِّ، قالَ: سَماعُ اُذني يَومَئِذٍ مِنَ الحُسَينِ عليه السلام يَقولُ : قَتَلَ اللّهُ قَوماً قَتَلوكَ يا بُنَيَّ! ما أجرَأَهُم عَلَى الرَّحمنِ، وعَلَى انتِهاكِ حُرمَةِ الرَّسولِ! عَلَى الدُّنيا بَعدَكَ العَفاءُ.
قالَ: وكَأَنّي أنظُرُ إلَى امرَأَةٍ خَرَجَت مُسرِعَةً كَأَنَّهَا الشَّمسُ الطّالِعَةُ تُنادي: يا اُخَيّاه! ويَابنَ اُخَيّاه! قالَ: فَسَأَلتُ عَلَيها، فَقيلَ: هذِهِ زَينَبُ ابنَةُ فاطِمَةَ ابنَةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَجاءَت حَتّى أكَبَّت عَلَيهِ، فَجاءَهَا الحُسَينُ عليه السلام فَأَخَذَ بِيَدِها فَرَدَّها إلَى الفُسطاطِ .
وأقبَلَ الحُسَينُ عليه السلام إلَى ابنِهِ، وأقبَلَ فِتيانُهُ إلَيهِ، فَقالَ: اِحمِلوا أخاكُم، فَحَمَلوهُ مِن مَصرَعِهِ حَتّى وَضَعوهُ بَينَ يَدَيِ الفُسطاطِ الَّذي كانوا يُقاتِلونَ أمامَهُ . ۳
۱۷۶۵.الإرشاد:ولَم يَزَل يَتَقَدَّمُ رَجُلٌ رَجُلٌ مِن أصحابِهِ فَيُقتَلُ، حَتّى لَم يَبقَ مَعَ الحُسَينِ عليه السلام إلّا أهلُ بَيتِهِ خاصَّةً . فَتَقَدَّمَ ابنُهُ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام ـ واُمُّهُ لَيلى بِنتُ أبي مُرَّةَ بنِ عُروَةَ بنِ مَسعودٍ الثَّقَفِيِّ ـ وكانَ مِن أصبَحِ النّاسِ وَجهاً، ولَهُ يَومَئِذٍ بِضعَ عَشرَةَ سَنَةً، فَشَدَّ عَلَى النّاسِ، وهُوَ يَقولُ:
أنَا عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ بنِ عَلِيّنَحنُ وبَيتِ اللّهِ أولى بِالنَّبِيّ
تَاللّهِ لا يَحكُمُ فينَا ابنُ الدَّعِيّأضرِبُ بِالسَّيفِ اُحامي عَن أبي
ضَربَ غُلامٍ هاشِمِيٍّ قُرَشِيّ
فَفَعَلَ ذلِكَ مِراراً وأهلُ الكوفَةِ يَتَّقونَ قَتلَهُ، فَبَصُرَ بِهِ مُرَّةُ بنُ مُنقِذٍ العَبدِيُّ، فَقالَ: عَلَيَّ آثامُ العَرَبِ ، إن مَرَّ بي يَفعَلُ مِثلَ ذلِكَ إن لَم اُثكِلهُ أباهُ، فَمَرَّ يَشتَدُّ عَلَى النّاسِ كَما مَرَّ فِي الأَوَّلِ، فَاعتَرَضَهُ مُرَّةُ بنُ مُنقِذٍ، فَطَعَنَهُ فَصُرِعَ، وَاحتَواهُ القَومُ فَقَطَّعوهُ بِأَسيافِهِم.
فَجاءَ الحُسَينُ عليه السلام حَتّى وَقَفَ عَلَيهِ، فَقالَ: قَتَلَ اللّهُ قَوماً قَتَلوكَ يا بُنَيَّ ، ما أجرَأَهُم عَلَى الرَّحمنِ وعَلَى انتِهاكِ حُرمَةِ الرَّسولِ! وَانهَمَلَت عَيناهُ بِالدُّموعِ، ثُمَّ قالَ: عَلَى الدُّنيا بَعدَكَ العَفاءُ.
وخَرَجَت زَينَبُ اُختُ الحُسَينِ مُسرِعَةً تُنادي: يا اُخَيّاه وَابنَ اُخَيّاه، وجاءَت حَتّى أكَبَّت عَلَيهِ، فَأَخَذَ الحُسَينُ عليه السلام بِرَأسِها فَرَدَّها إلَى الفُسطاطِ، وأمَرَ فِتيانَهُ فَقالَ: اِحمِلوا أخاكُم، فَحَمَلوهُ حَتّى وَضَعوهُ بَينَ يَدَيِ الفُسطاطِ الَّذي كانوا يُقاتِلونَ أمامَهُ . ۴
1.الثُّكْل: الموت والهلاك، وفقدان الحبيب أو الولد (القاموس المحيط: ج ۳ ص ۳۴۳ «ثكل») .
2.احتولَهُ القومُ: احتوشوا حواليه (لسان العرب: ج ۱۱ ص ۱۸۷ «حول» ) .
3.تاريخ الطبري: ج ۵ ص ۴۴۶، الكامل في التاريخ: ج ۲ ص ۵۶۹ نحوه وفيه «سويد بن أبي المطاع الخثعمي» وراجع : تاريخ دمشق: ج ۶۹ ص ۱۶۹ والمنتظم: ج ۵ ص ۳۴۰.
4.الإرشاد: ج ۲ ص ۱۰۶ ، مثير الأحزان: ص ۶۸ ، إعلام الورى: ج ۱ ص ۴۶۴ كلاهما نحوه وليس فيهما من «اضرب» إلى «قرشي» .