89
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج4

لَمّا أقبَلوا نَحوَنا ، فَنَظَروا إلَى النّارِ تَضطَرِمُ فِي الحَطَبِ وَالقَصَبِ ، الَّذي كُنّا ألهَبنا فيهِ النّارَ مِن وَرائِنا لِئَلّا يَأتونا مِن خَلفِنا . ۱
ويضيف قائلاً : إنّ خيام أصحاب الإمام عليه السلام ضُرب حولها طوق من النيران والدخّان ، بحيث إنّ الشمر عندما مرّ بالقرب منها لم يكن يرى سوى نيران وسحب من الدخّان كانت تتصاعد منها!
واستناداً إلى هذه الخطّة ، وبفضل هذا التنظيم العسكري، استطاع جيش الإمام عليه السلام الذي لم يكن عدده يتجاوز 72 نفراً حسب النقل المشهور ، ۲ أن يقاوم لساعات أمام جيش العدوّ الذي قدّر عدده ب 35 ألفاً، وأن يقتل عدداً كبيراً منه، حيث يصرّح الطبري في هذا المجال :
وقاتَلوهُم حَتَّى انتَصَفَ النَّهارُ ، أشَدَّ قِتالٍ خَلَقَهُ اللّهُ ، وأخَذوا لا يَقدِرونَ عَلى أن يَأتوهم إلّا مِن وَجهٍ واحِدٍ ؛ لِاجتِماعِ أبنِيَتِهِم ، وتَقارُبِ بَعضِها مِن بَعضٍ . ۳
وقد أدّت شدّة مقاومة أصحاب الإمام الحسين عليه السلام في المواجهة المباشرة ، إلى أن يأمر عمر بن سعد مجموعة من جيشه بأن يطيحوا بخيامهم كي يستطيعوا محاصرتهم . ۴
ولكنّ هذه الخطّة لم تنفع هي الاُخرى ؛ ذلك لأنّ أصحابَ الإمام عليه السلام كانوا ينصبون الكمائن بين الخيام في مجاميع مؤلّفة من ثلاثة أشخاص أو أربعة ، فكانوا يقتلون الأعداء الذين كانوا منشغلين بإطاحة الخيام .
وعندما لم يجنِ ابنُ سعدٍ فائدةً من هذه الخطّة، أصدر الأمرَ بإيقافها من أجل الحيلولة دون تكبّد خسائر أكبر في الأرواح، ثمّ أمر من جديد :
أحرِقوها بِالنّارِ ، ولا تَدخُلوا بَيتا ولا تُقَوِّضوهُ ، فَجاءوا بِالنّارِ ، فَأَخَذوا يُحرِقونَ . ۵

1.راجع : ص۸۴ ح۱۶۰۵ .

2.راجع : ص۹۹ (الفصل الثاني / كلام حول عدد أفراد العسكرين).

3.راجع : ص۱۳۷ ح۱۶۵۶ .

4.راجع : نفس المصدر .


موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج4
88

الخندق وألقوا فيه حطباً وقصباً كي يضرموا فيه النار عند هجوم العدوّ ، ويوجِدوا مانعاً آخرَ أمام هجوم العدوّ من الخلف، وهذا هو نصّ الرواية:
وأمَرَ بِحَطَبٍ وقَصَبٍ كانَ مِن وَراءِ البُيوتِ يُحرَقُ بِالنّارِ ؛ مَخافَةَ أن يَأتوهُم مِن وَرائِهِم .
قالَ : وكانَ الحُسَينُ عليه السلام أتى بِقَصَبٍ وحَطَبٍ إلى مَكانٍ مِن وَرائِهِم مُنخَفِضٍ كَأَنَّهُ ساقِيَةٌ ، فَحَفَروهُ في ساعَةٍ مِنَ اللَّيلِ ، فَجَعَلوهُ كَالخَندَقِ ، ثُمَّ ألقَوا فيهِ ذلِكَ الحَطَبَ وَالقَصَبَ ، وقالوا : إذا عَدَوا عَلَينا فَقاتَلونا ألقَينا فيهِ النّارَ ؛ كَي لا نُؤتى مِن وَرائِنا ، وقاتَلنَا القَومَ مِن وَجهٍ واحِدٍ . فَفَعَلوا وكانَ لَهُم نافِعا . ۱
الإجراء الآخر الذي تمّ في ليلة عاشوراء بأمر الإمام عليه السلام للحيلولة دون هجوم العدوّ من الخلف ، هو أنّ خيام أصحاب الإمام نُصبت إلى جانب بعضها البعض وربطوها مع بعضها بحبلٍ من ثلاث جهات، ولم يتركوا سوى طريقاً واحداً من الأمام لمواجهة العدوّ ، فلنتأمّل الرواية التالية :
وخَرَجَ [الحُسَينُ عليه السلام ] إلى أصحابِهِ ، فَأَمَرَهُم أن يُقَرِّبوا بَعضَ بُيوتِهِم مِن بَعضٍ وأن يُدخِلُوا الأَطنابَ بَعضَها في بَعضٍ ، وأن يَكونوا هُم بَينَ البُيوتِ إلَا الوَجهَ الَّذي يَأتيهِم مِنهُ عَدُوُّهُم . ۲
ولو لم تكن هذه الإجراءات الحكيمة، لما كان باستطاعة جيش ابن سعد أن يهاجم أصحاب الإمام عليه السلام من الخلف فحسب، بل كان باستطاعته أن يحاصرهم بسهولة ويقتل الإمام عليه السلام وأصحابه، أو يأسرهم من الخلف في أيسرِ قتالٍ .
ولكن فوجئ العدوّ عندما همّ بالهجوم في صباح عاشوراء ، حيث رأى نفسه أمام ألسنة النيران والدخّان التي كانت تحيط بأطراف خيام الإمام عليه السلام وأصحابه، يقول الضحّاك المشرقي في هذا المجال :

1.راجع : ص۸۳ ح ۱۶۰۵ .

  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج4
    سایر پدیدآورندگان :
    المساعدون : الطباطبائي نژاد،سيد محمود؛ السيّد طبائي،سيد روح الله
    تاریخ انتشار :
    1389
عدد المشاهدين : 188777
الصفحه من 444
طباعه  ارسل الي