۲۲۷۸.بلاغات النساء عن جعفر بن محمد [الصادق] عن آبائه عليهم السلام :لَمّا اُدخِلَ بِالنِّسوَةِ مِن كَربَلاءَ إلَى الكوفَةِ ، كانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام ضَئيلاً قَد نَهَكَتهُ العِلَّةُ ، ورَأَيتُ نِساءَ أهلِ الكوفَةِ مُشَقَّقاتِ الجُيوبِ عَلَى الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ عليه السلام ، فَرَفَعَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ عليه السلام رَأسَهُ فَقالَ : ألا إنَّ هؤُلاءِ يَبكينَ ، فَمَن قَتَلَنا ؟
ورَأَيتُ اُمَّ كُلثومٍ عليهاالسلام ولَم أرَ خَفِرَةً وَاللّه ِ أنطَقَ مِنها ، كَأَنَّما تَنطِقُ وتُفرِغُ عَلى لِسانِ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ، وقَد أومَأَت إلَى النّاسِ أنِ اسكُتوا . فَلَمّا سَكَنَتِ الأَنفاسُ ، وهَدَأَتِ الأَجراسُ ، قالَت :
أبدَأُ بِحَمدِ اللّه ِ وَالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلى نَبِيِّهِ ، أمّا بَعدُ يا أهلَ الكوفَةِ ، يا أهلَ الخَترِ ۱ وَالخَذلِ ، ألا فَلا رَقَأَتِ العَبرَةُ ، ولا هَدَأَتِ الرَّنَّةُ ، إنَّما مثَلُكُم كَمَثَلِ «الَّتينَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَـثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَـنَكُمْ دَخَلَا بَيْنَكُمْ» . ۲
ألا وهَل فيكُم إلَا الصَّلَفُ وَالشَّنَفُ ، ومَلَقُ الإِماءِ ، وغَمَزُ الأَعداءِ ؟ وهَل أنتُم إلّا كَمَرعى عَلى دِمنَةٍ ، وكَفِضَّةٍ عَلى مَلحودَةٍ ، ألا ساءَ ما قَدَّمَت أنفُسُكُم أن سَخِطَ اللّه ُ عَلَيكُم ، وفِي العَذابِ أنتُم خالِدونَ .
أتَبكونَ ؟ إي وَاللّه ِ فَابكوا ! وإنَّكُم وَاللّه ِ أحرِياءُ بِالبُكاءِ ، فَابكوا كَثيرا وَاضحَكوا قَليلاً ، فَلَقَد فُزتُم بِعارِها وشَنارِها ، ولَن تَرحُضوها بِغَسلٍ بَعدَها أبَدا ، وأنّى تَرحُضونَ قَتلَ سَليلِ خاتَمِ النُّبُوَّةِ ومَعدِنِ الرِّسالَةِ ، وسَيِّدِ شُبّانِ أهلِ الجَنَّةِ ، ومَنارِ مَحَجَّتِكُم ، ومَدَرَةِ حُجَّتِكُم ، ومَفرَخِ نازِلَتِكُم ، فَتَعسا ونُكسا ، لَقَد خابَ السَّعيُ وخَسِرَتِ الصَّفقَةُ ، وبُؤتُم بِغَضَبٍ مِنَ اللّه ِ ، وضُرِبَت عَلَيكُمُ الذِّلَّةُ وَالمَسكَنَةُ «لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَـوَ تُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَ تَنشَقُّ الْأَرْضُ وَ تَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا » . ۳
أتَدرونَ أيَّ كَبِدٍ لِرَسولِ اللّه ِ فَرَيتُم ؟ وأيَّ كَريمَةٍ لَهُ أبرَزتُم ؟ وأيَّ دَمٍ لَهُ سَفَكتُم ؟ لَقَد جِئتُم بِها شَوهاءَ خَرقاءَ ، شَرُّها طِلاعُ الأَرضِ وَالسَّماءِ ، أفَعَجِبتُم أن قَطَرَتِ السَّماءُ دَما ؟ ولَعَذابُ الآخِرَةِ أخزى وهُم لا يُنظَرونَ ، فَلا يَستَخِفَّنَّكُمُ المَهَلُ فَإِنَّهُ لا تَحفِزُهُ المُبادَرَةُ ، ولا يُخافُ عَلَيهِ فَوتُ الثَّأرِ ، كَلّا إنَّ رَبَّكَ لَنا ولَهُم لَبِالمِرصادِ . ثُمَّ وَلَّت عَنهُم .
قالَ : فَرَأَيتُ النّاسَ حَيارى وقَد رَدّوا أيدِيَهُم إلى أفواهِهِم ، ورَأَيتُ شَيخا كَبيرا مِن بَني جُعفِيٍّ ، وقَدِ اخضَلَّت لِحَيتُهُ مِن دُموعِ عَينَيهِ ، وهُوَ يَقولُ :
كُهولُهُم خَيرُ الكُهولِ ونَسلُهُمإذا عُدَّ نَسلٌ لا يَبورُ ولا يَخزى۴
1.الخَتْرُ : الغَدْرُ (الصحاح : ج ۲ ص ۶۴۲ «ختر») .
2.اقتباس من الآية ۹۲ من سورة النحل .
3.مريم : ۸۹ ـ ۹۰ .
4.بلاغات النساء : ص ۳۷ عن يحيى بن الحجّاج .