149
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج5

6 / 5

خُطبَةُ فاطِمَةَ الصُّغرى في أهلِ الكوفَةِ

۲۲۷۹.الملهوف عن زيد بن موسى :۱ حَدَّثَني أبي عَن جَدِّي [الصّادِقِ] عليه السلام : خَطَبَت فاطِمَةُ الصُّغرى بَعدَ أن وَرَدَت مِن كَربَلاءَ ، فَقالَت : الحَمدُ للّه ِِ عَدَدَ الرَّملِ وَالحَصى ، وزِنَةَ العَرشِ إلَى الثَّرى ، أحمَدُهُ واُؤمِنُ بِهِ وأتَوَكَّلُ عَلَيهِ ، وأشهَدُ أن لا إلهَ إلَا اللّه ُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ ، وأنَّ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله عَبدُهُ ورَسولُهُ ، وأنَّ ذُرِّيَّتَهُ ذُبِحوا بِشَطِّ الفُراتِ بِغَيرِ ذَحلٍ ۲ ولا تِراتٍ . ۳
اللّهُمَّ إنّي أعوذُ بِكَ أن أفتَرِيَ عَلَيكَ الكَذِبَ ، وأن أقولَ عَلَيكَ خِلافَ ما أنزَلتَ مِن أخذِ العُهودِ لِوَصِيَّةِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام ، المَسلوبِ حَقُّهُ ، المَقتولِ بِغَيرِ ذَنبٍ ـ كَما قُتِلَ وَلَدُهُ بِالأَمسِ ـ في بَيتٍ مِن بُيوتِ اللّه ِ ، فيهِ مَعشَرٌ مُسلِمَةٌ بِأَلسِنَتِهِم . تَعسا لِرُؤوسِهِم ، ما دَفَعَت عَنهُ ضَيما ۴ في حَياتِهِ ولا عِندَ مَماتِهِ ، حَتّى قَبَضتَهُ إلَيكَ مَحمودَ النَّقيبَةِ ۵ ، طَيِّبَ العَريكَةِ ۶ ، مَعروفَ المَناقِبِ ، مَشهورَ المَذاهِبِ ، لَم تَأخُذهُ اللّهُمَّ فيكَ لَومَةُ لائِمٍ ولا عَذلُ عَاذِلٍ .
هَدَيتَهُ يا رَبِّ لِلإِسلامِ صَغيرا ، وحَمِدتَ مَناقِبَهُ كَبيرا ، ولَم يَزَل ناصِحا لَكَ ولِرَسولِكَ صَلَواتُكَ عَلَيهِ وآلِهِ حَتّى قَبَضتَهُ إلَيكَ ، زاهِدا فِي الدُّنيا ، غَيرَ حَريصٍ عَلَيها ، راغِبا فِي الآخِرَةِ ، مُجاهِدا لَكَ في سَبيلِكَ ، رَضيتَهُ فَاختَرتَهُ وهَدَيتَهُ إلى صِراطٍ مُستَقيمٍ .
أمّا بَعدُ ، يا أهلَ الكوفَةِ ! يا أهلَ المَكرِ وَالغَدرِ وَالخُيَلاءِ ۷ ! فَإِنّا أهلُ بَيتٍ ابتَلانَا اللّه ُ بِكُم وَابتَلاكُم بِنا ، فَجَعَلَ بَلاءَنا حَسَنا ، وجَعَلَ عِلمَهُ عِندَنا وفَهمَهُ لَدَينا ، فَنَحنُ عَيبَةُ ۸ عِلمِهِ ، ووِعاءُ فَهمِهِ وحِكمَتِهِ ، وحُجَّتُهُ عَلى أهلِ الأَرضِ في بِلادِهِ لِعِبادِهِ ، أكرَمَنَا اللّه ُ بِكَرامَتِهِ ، وفَضَّلَنا بِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله عَلى كَثيرٍ مِمَّن خَلَقَ تَفضيلاً بَيِّنا .
فَكَذَّبتُمونا وكَفَّرتُمونا ، ورَأَيتُم قِتالَنا حَلالاً وأموالَنا نَهبا ! كَأَنَّنا أولادُ تُركٍ أو كابُلٍ ۹ ، كَما قَتَلتُم جَدَّنا بِالأَمسِ ، وسُيوفُكُم تَقَطَّرُ مِن دِمائِنا أهلَ البَيتِ ، لِحِقدٍ مُتَقَدِّمٍ ، قَرَّت لِذلِكَ عُيونُكُم ، وفَرِحَت قُلوبُكُم ، افتِراءً عَلَى اللّه ِ ومَكرا مَكَرتُم ، «وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَـكِرِينَ» . ۱۰
فَلا تَدعُوَنَّكُم أنفُسُكُم إلَى الجَذَلِ ۱۱ بِما أصَبتُم مِن دِمائِنا ، ونالَت أيديكُم مِن أموالِنا ، فَإِنَّ ما أصابَنا مِنَ المَصائِبِ الجَليلَةِ وَالرَّزايَا العَظيمَةِ «فِى كِتَـبٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَ لِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِّكَيْلَا تَأْسَوْاْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُواْ بِمَا ءَاتَـاكُمْ وَ اللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ» . ۱۲
تَبّا لَكُم ، فَانتَظِرُوا اللَّعنَةَ وَالعَذابَ ، فَكَأَن قَد حَلَّ بِكُم ، وتَواتَرَت مِنَ السَّماءِ نَقِماتٌ ، فَيُسحِتُكُم بِعَذابٍ ويُذيقُ بَعضَكُم بَأسَ بَعضٍ ، ثُمَّ تُخَلَّدونَ فِي العَذابِ الأَليمِ يَومَ القِيامَةِ بِما ظَلَمتُمونا ، «أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّــلِمِينَ»۱۳ .
وَيلَكُم ، أتَدرونَ أيَّةَ يَدٍ طاعَنَتنا مِنكُم ؟ ! وأيَّةَ نَفسٍ نَزَعَت إلى قِتالنا ؟ ! أم بِأَيَّةِ رِجلٍ مَشَيتُم إلَينا تَبغونَ مُحارَبَتَنا ؟ !
قَسَت وَاللّه ِ قُلوبُكُم ، وغَلُظَت أكبادُكُم ، وطُبِعَ عَلى أفئِدَتِكُم ، وخُتِمَ عَلى أسماعِكُم وأبصارِكُم ، وسَوَّلَ لَكُمُ الشَّيطانُ وأملى لَكُم ، وجَعَلَ عَلى بَصَرِكُم غِشاوَةً فَأَنتُم لا تَهتَدونَ .
فَتَبّا لَكُم يا أهلَ الكوفَةِ ، أيُّ تِراتٍ لِرَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله قِبَلَكُم ، وذُحولٍ لَهُ لَدَيكُم ، بِما عَنِدتُم بِأَخيهِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام جَدّي ، وبَنيهِ وعِترَةِ النَّبِيِّ الأَخيارِ صَلَواتُ اللّه ِ وسَلامُهُ عَلَيهِم ، وَافتَخَرَ بِذلِكَ مُفتَخِرُكُم فَقالَ :
نَحنُ قَتَلنا عَلِيّا وبَني عَلِيّبِسُيوفٍ هِندِيَّةِ ورِماحِ
وسَبَينا نِساءَهُم سَبيَ تُركٍونَطَحناهُم فَأَيَّ نِطاحِ
بِفيكَ أيُّهَا القائِلُ الكَثكَثُ ۱۴ وَالأَثلَبُ ، افتَخَرتَ بِقَتلِ قَومٍ زَكّاهُمُ اللّه ُ وأذهَبَ عَنهُمُ الرِّجسَ وطَهَّرَهُم تَطهيرا ! فَاكظِم وأقعِ كَما أقعى ۱۵ أبوكَ ، فَإِنَّما لِكُلِّ امرِئٍ مَا اكتَسَبَ وما قَدَّمَت يَداهُ .
أحَسَدتُمونا ـ وَيلاً لَكُم ـ عَلى ما فَضَّلَنَا اللّه ُ ؟
فَما ذَنبُنا أن جاشَ دَهرا بُحورُناوبَحرُكَ ساجٍ۱۶لا يُواري الدَّعامِصا۱۷
«ذَ لِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ »۱۸ ، «وَ مَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ » . ۱۹
قالَ : وَارتَفَعَتِ الأَصواتُ بِالبُكاءِ ، وقالوا : حَسبُكِ يابنَةَ الطَّيِّبينَ ، فَقَد أحرَقتِ قُلوبَنا ، وأنضَجتِ نُحورَنا ، وأضرَمتِ أجوافَنا . فَسَكَتَت . ۲۰

1.زيد بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام العلوي الطالبي ، يلقّب بزيد النار ، ثائر ، خرج في العراق مع أبي السرايا ، توفّي حوالي سنة ۲۵۰ ه (راجع : الأعلام للزركلي : ج ۳ ص ۶۱) .

2.الذَّحْل : الثأر ، وقيل : طلب مكافأة بجناية جُنيت عليك أو عداوة اُتيت إليك ، يقال : طلب بذَحلِهِ ؛ أي بثأره (لسان العرب : ج ۱۱ ص ۲۵۶ «ذحل») .

3.الوَِتر وَالتِّرَة : الظلم في الذَّحل ، وقيل : هو الذَّحل عامّة . وكلّ من أدركته بمكروه فقد وتَرتَه (لسان العرب : ج ۵ ص ۲۷۴ «وتر») .

4.ضامَهُ حَقَّهُ ضَيما : نَقَصهُ إيّاه (لسان العرب : ج۱۲ ص۳۵۲ «ضيم») .

5.النَّقِيْبَةُ : النّفْسُ ، وقيل : الطبيعة والخليقة (النهاية : ج ۵ ص ۱۰۲ «نقب») .

6.العَرِيْكَةُ : الطبيعة (الصحاح : ج ۴ ص ۱۵۹۹ «عرك») .

7.الخيلاء ـ بالضمّ والكسر ـ : الكبر والعجب (لسان العرب : ج ۱۱ ص ۲۲۸ «خول») .

8.العيبة : الوعاء (راجع : لسان العرب : ج ۱ ص ۶۳۴ «عيب») .

9.لم يكن التُّرك والأفاغنة عندئذٍ من المسلمين ، بل كانوا أعداءَ الحكومة الإسلامية .

10.آل عمران : ۵۴ .

11.الجذل ـ بالتحريك ـ : الفرح (الصحاح : ج ۴ ص ۶۵۴ «جذل») .

12.الحديد: ۲۲ - ۲۳ .

13.هود : ۱۸ .

14.الكَثْكَثُ والكِثْكِثُ : فُتات الحجارة والتراب ، مثل الأثْلَبُ والإثْلِبُ (الصحاح : ج ۱ ص ۲۹۰ «كثث») .

15.أقْعى : ألْصَقَ إلْيَتَيْهِ بالأرض ، ونصب ساقيه ، ووضع يديه على الأرض (المصباح المنير : ص ۵۱۰ «قعى») .

16.سَاجٍ : أي ساكن (النهاية : ج ۲ ص ۳۴۵ «سجا») .

17.الدَّعاميصُ : جمع دعموص ؛ وهي دويبّة تكون في مستنقع الماء (النهاية : ج ۲ ص ۱۲۰ «دعمص») .

18.الحديد : ۲۱ .

19.النور : ۴۰ .

20.الملهوف : ص ۱۹۴ ، الاحتجاج : ج ۲ ص ۱۰۴ ح ۱۶۹ عن زيد بن موسى بن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام ، مثير الأحزان : ص ۸۷ نحوه من دون إسنادٍ إلى أحدٍ من أهل البيت عليهم السلام ، بحار الأنوار : ج ۴۵ ص ۱۱۰ .


موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج5
148
  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج5
    سایر پدیدآورندگان :
    المساعدون : الطباطبائي نژاد،سيد محمود؛ السيّد طبائي،سيد روح الله
عدد المشاهدين : 178599
الصفحه من 414
طباعه  ارسل الي