251
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج5

۲۳۹۵.الاحتجاج عن شيخ صدوق من مشايخ بني هاشم :قامَت [زَينَبُ عليهاالسلام] عَلى قَدَمَيها وأشرَفَت عَلَى المَجلِسِ ، وشَرَعَت فِي الخُطبَةِ ، إظهارا لِكَمالاتِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وإعلانا بِأَنّا نَصبِرُ لِرِضاءِ اللّه ِ ، لا لِخَوفٍ ولا دَهشَةٍ .
فَقامَت إلَيهِ زَينَبُ بِنتُ عَلِيٍّ واُمُّها فاطِمَةُ بِنتُ رَسولِ اللّه ِ وقالَت :
الحَمدُ للّه ِِ رَبِّ العالَمينَ ، وَالصَّلاةُ عَلى جَدّي سَيِّدِ المُرسَلينَ ، صَدَقَ اللّه ُ سُبحانَهُ كَذلِكَ يَقولُ : «ثُمَّ كَانَ عَـقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤاْ السُّوأَى أَن كَذَّبُواْ بِايَاتِ اللَّهِ وَ كَانُواْ بِهَا يَسْتَهْزِءُونَ »۱ أظَنَنتَ يا يَزيدُ حينَ أخَذتَ عَلَينا أقطارَ الأَرضِ ، وضَيَّقتَ عَلَينا آفاقَ السَّماءِ ، فَأَصبَحنا لَكَ في إسارِ الذُّلِّ ، نُساقُ إلَيكَ سَوقا في قِطارٍ ، وأنتَ عَلَينا ذُو اقتِدارٍ ، أنَّ بِنا مِنَ اللّه ِ هَوانا وعَلَيكَ مِنهُ كَرامَةً وَامتِناناً ، وأنَّ ذلِكَ لِعِظَمِ خَطَرِكَ ، وجَلالَةِ قَدرِكَ ، فَشَمَختَ بِأَنفِكَ ، ونَظَرتَ في عِطفِكَ ، تَضرِبُ أصدَرَيكَ ۲ فَرِحا وتَنفُضُ مِذرَوَيكَ ۳ مَرِحا ، حينَ رَأَيتَ الدُّنيا لَكَ مُستَوسِقَةً ، وَالاُمورَ لَدَيكَ مُتَّسِقَةً ، وحينَ صَفا لَكَ مُلكُنا ، وخَلَصَ لَكَ سُلطانُنا ؟!
فَمَهلاً مَهلاً لا تَطِش جَهلاً ! أنَسيتَ قَولَ اللّه ِ عز و جل : «وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ » . أمِنَ العَدلِ يَابنَ الطُّلَقاءِ ! تَخديرُكَ حَرائِرَكَ وإماءَكَ ، وسَوقُكَ بَناتِ رَسولِ اللّه ِ سَبايا ؟ قَد هَتَكتَ سُتورَهُنَّ ، وأبدَيتَ وُجوهَهُنَّ ، يَحدو بِهِنَّ الأَعداءُ مِن بَلَدٍ إلى بَلَدٍ ، ويَستَشرِفُهُنَّ أهلُ المَناقِلِ ۴ ويَبرُزنَ لِأَهلِ المَناهِلِ ۵ ، ويَتَصَفَّحُ وُجوهَهُنَّ القَريبُ وَالبَعيدُ ، وَالغائِبُ وَالشَّهيدُ ، وَالشَّريفُ وَالوَضيعُ ، وَالدَّنِيُّ وَالرَّفيعُ ، لَيسَ مَعَهُنَّ مِن رِجالِهِنَّ وَلِيٌّ ، ولا مِن حُماتِهِنَّ حَميمٌ ، عُتُوّا مِنكَ عَلَى اللّه ِ وجُحودا لِرَسولِ اللّه ِ ، ودَفعا لِما جاءَ بِهِ مِن عِندِ اللّه ِ ، ولا غَروَ مِنكَ ولا عَجَبَ مِن فِعلِكَ ، وأنّى يُرتَجَى الخَيرُ مِمَّن لَفَظَ فوهُ أكبادَ الشُّهَداءِ ، ۶ ونَبَتَ لَحمُهُ بِدِماءِ السُّعَداءِ ، ونَصَبَ الحَربَ لِسَيِّدِ الأَنبِياءِ ، وجَمَعَ الأَحزابَ ، وشَهَرَ الحِرابَ ، وهَزَّ السُّيوفَ في وَجهِ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، أشَدُّ العَرَبِ للّه ِِ جُحودا ، وأنكَرُهُم لَهُ رَسولاً ، وأظهَرُهُم لَهُ عُدوانا ، وأعتاهُم عَلَى الرَّبِّ كُفرا وطُغياناً .
ألا إنَّها نَتيجَةُ خِلالِ الكُفرِ ، وضَبٌّ ۷ يُجَرجِرُ فِي الصَّدرِ لِقَتلى يَومِ بَدرٍ ، فَلا يَستَبطِي? في بُغضِنا أهلَ البَيتِ مَن كانَ نَظَرُهُ إلَينا شَنَفا وشَنَآنا وإحَنا وأظغانا ، يُظهِرُ كُفرَهُ بِرَسولِ اللّه ِ ، ويُفصِحُ ذلِكَ بِلِسانِهِ ، وهُوَ يَقولُ فَرِحا بِقَتلِ وُلدِهِ وسَبيِ ذُرِّيَّتِهِ ، غَيرَ مُتَحَوِّبٍ ولا مُستَعظِمٍ ، يَهتِفُ بَأَشياخِهِ :
لَأَهَلّوا وَاستَهَلّوا فَرَحاولَقالوا يا يَزيدُ لا تَشَل
مُنتَحِيا عَلى ثَنايا أبي عَبدِ اللّه ِ ، وكانَ مُقَبَّلَ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، يَنكُتُها بِمِخصَرَتِهِ ، قَدِ التَمَعَ السُّرورُ بِوَجهِهِ .
لَعَمري لَقَد نَكَأتَ القُرحَةَ وَاستَأصَلتَ الشَّأفَةَ ، بِإِراقَتِكَ دَمَ سَيِّدِ شَبابِ أهلِ الجَنَّةِ ، وَابنِ يَعسوبِ العَرَبِ ، وشَمسِ آلِ عَبدِ المُطَّلِبِ ، وهَتَفتَ بِأَشياخِكَ ، وتَقَرَّبتَ بِدَمِهِ إلَى الكَفَرَةِ مِن أسلافِكَ ، ثُمَّ صَرَختَ بِنِدائِكَ ، ولَعَمري لَقَد نادَيتَهُم لَو شَهِدوكَ ! ووَشيكا تَشهَدُهُم ولَم يَشهَدوكَ ، ولَتَوَدُّ يَمينُكَ كَما زَعَمتَ شَلَّت بِكَ عَن مِرفَقِها وجُذَّت ، وأحبَبتَ اُمَّكَ لَم تَحمِلكَ ، وأباكَ لَم يَلِدكَ ، حينَ تَصيرُ إلى سَخَطِ اللّه ِ ، ومُخاصِمُكَ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله .
اللّهُمَّ خُذ بِحَقِّنا ، وَانتَقِم مِن ظالِمِنا ، وأحلِل غَضَبَكَ عَلى مَن سَفَكَ دِماءَنا ونَقَضَ ذِمارَنا ، وقَتَلَ حُماتَنا ، وهَتَكَ عَنّا سُدولَنا .
وفَعَلتَ فَعلَتَكَ الَّتي فَعَلتَ ، وما فَرَيتَ إلّا جِلدَكَ ، وما جَزَزتَ إلّا لَحمَكَ ، وسَتَرِدُ عَلى رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله بِما تَحَمَّلتَ مِن دَمِ ذُرِّيَّتِهِ ، وَانتَهَكتَ مِن حُرمَتِهِ ، وسَفَكتَ مِن دِماءِ عِترَتِهِ ولُحمَتِهِ ، حَيثُ يَجمَعُ بِهِ شَملَهُم ، ويَلُمُّ بِهِ شَعَثَهُم ، ويَنتَقِمُ مِن ظالِمِهِم ، ويَأخُذُ لَهُم بِحَقِّهِم مِن أعدائِهِم .
فَلا يَستَفِزَّنَّكَ الفَرَحُ بِقَتلِهِم «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَ تَاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ *فَرِحِينَ بِمَا ءَاتَـاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ»۸ وحَسبُكَ بِاللّه ِ وَلِيّا وحاكِما ، وبِرَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله خَصيما ، وبِجَبرَئيلَ ظَهيرا ، وسَيَعلَمُ مَن بَوَّأَكَ ومَكَّنَكَ مِن رِقابِ المُسلِمينَ ، أن بِئسَ لِلظّالِمينَ بَدَلاً ، وأيُّكُم شَرٌّ مَكانا وأضَلُّ سَبيلاً .
ومَا استِصغاري قَدرَكَ ، ولَا استِعظامي تَقريعَكَ تَوَهُّما لِانتِجاعِ الخِطابِ فيكَ ، بَعدَ أن تَرَكتَ عُيونَ المُسلِمينَ بِهِ عَبرى ، وصُدورَهُم عِندَ ذِكرِهِ حَرّى ، فَتِلكَ قُلوبٌ قاسِيَةٌ ، ونُفوسٌ طاغِيَةٌ ، وأجسامٌ مَحشُوَّةٌ بِسَخَطِ اللّه ِ ولَعنَةِ الرَّسولِ ، قَد عَشَّشَ فيهِ الشَّيطانُ وفَرَّخَ ، ومَن هُناكَ مِثلُكَ ما دَرَجَ ۹ ونَهَضَ .
فَالعَجَبُ كُلُّ العَجَبِ لِقَتلِ الأَتقِياءِ ، وأسباطِ الأَنبِياءِ ، وسَليلِ الأَوصِياءِ ، بِأَيدِي الطُّلَقاءِ الخَبيثَةِ ، ونَسلِ العَهَرَةِ الفَجَرَةِ ، تَنطِفُ ۱۰ أكُفُّهُم مِن دِمائِنا ، وتَتَحَلَّبُ أفواهُهُم مِن لُحومِنا ، تِلكَ الجُثَثُ الزّاكِيَةُ عَلَى الجُيوبِ الضّاحِيَةِ ، تَنتابُهَا العَواسِلُ وتُعَفِّرُها اُمَّهاتُ الفَراعِلِ فَلَئِنِ اتَّخَذتَنا مَغنَما لَتَجِدُ بِنا وَشيكا مَغرَماً ، حينَ لا تَجِدُ إلّا ما قَدَّمَت يَداكَ ، ومَا اللّه ُ بِظَلّامٍ لِلعَبيدِ .
فَإِلَى اللّه ِ المُشتَكى وَالمُعَوَّلُ ، وإلَيهِ المَلجَأُ وَالمُؤَمَّلُ ، ثُمَّ كِد كَيدَكَ ، وَاجهَد جَهدَكَ ، فَوَاللّه ِ الَّذي شَرَّفَنا بِالوَحيِ وَالكِتابِ ، وَالنُّبُوَّةِ وَالاِنتِجابِ ، لا تُدرِكُ أمَدَنا ، ولا تَبلُغُ غايَتَنا ، ولا تَمحو ذِكرَنا ، ولا يُرحَضُ عَنكَ عارُنا ، وهَل رَأيُكَ إلّا فَنَدٌ ، وأيّامُكَ إلّا عَدَدٌ ، وجَمعُكَ إلّا بَدَدٌ ، يَومَ يُنادِ المُنادي ألا لَعَنَ اللّه ُ الظّالِمَ العادِيَ .
وَالحَمدُ للّه ِِ الَّذي حَكَمَ لِأَولِيائِهِ بِالسَّعادَةِ ، وخَتَمَ لِأَصفِيائِهِ بِبُلوغِ الإِرادَةِ ، ونَقَلَهُم إلَى الرَّحمَةِ وَالرَّأفَةِ ، وَالرِّضوانِ وَالمَغفِرَةِ ، ولَم يَشقَ بِهِم غَيرُكَ ، ولَا ابتَلى بِهِم سِواكَ ، ونَسأَلُهُ أن يُكمِلَ لَهُمُ الأَجرَ ، ويُجزِلَ لَهُمُ الثَّوابَ وَالذُّخرَ ، ونَسأَلُهُ حُسنَ الخِلافَةِ ، وجَميلَ الإِنابَةِ ، إنَّهُ رَحيمٌ وَدودٌ .
فَقالَ يَزيدُ مُجيبا لَها :
يا صَيحَةً تُحمَدُ مِن صَوائِحِما أهوَنَ المَوتَ عَلَى النَّوائِحِ۱۱

1.الروم : ۱۰ .

2.أَصْدَرَيهِ : مَنكبَيهِ (النهاية : ج ۳ ص ۱۶ «صدر») .

3.في المصدر : «تَنقض» بالقاف ، وهو تصحيف . والمِذْروان : جانبا الأليتين ، جاء فلان ينفض مِذْرَوَيه : إذا جاء باغيا يتهدّد (النهاية : ج ۴ ص ۳۱۱ «مذر») .

4.الناقلة : ضدّ القاطنين (تاج العروس : ج ۱۵ ص ۷۵۳ «نقل») .

5.المَنْهَلُ : المَشْرَبُ والشُرْبُ والمَوْضِعُ الذي فيه المشرَب (القاموس المحيط : ج ۴ ص ۶۱ «نهل») .

6.إشارة لأفعال أبي سفيان وهند (أجداد يزيد) .

7.الضَّبُّ : الغَضَبُ والحِقْدُ (النهاية : ج ۳ ص ۷۰ «ضبب») .

8.آل عمران : ۱۶۹ و ۱۷۰ .

9.دَرَجَ : أي مَشى (الصحاح : ج ۱ ص ۳۱۳ «درج») .

10.تنطف : تقطر (النهاية : ج ۵ ص ۷۵ «نطف») .

11.الاحتجاج : ج ۲ ص ۱۲۳ الرقم ۱۷۳ ، الحدائق الورديّة : ج ۱ ص ۱۲۵ ، بحار الأنوار : ج ۴۵ ص ۱۵۷ الرقم ۵ .


موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج5
250
  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج5
    سایر پدیدآورندگان :
    المساعدون : الطباطبائي نژاد،سيد محمود؛ السيّد طبائي،سيد روح الله
عدد المشاهدين : 211816
الصفحه من 414
طباعه  ارسل الي