كلام حول عودة أهل البيت إلى كربلاء في الأربعين ولقائهم بجابر
هناك عدّة قضايا قابلة للبحث والدراسة حول عودة أهل بيت الحسين عليه السلام إلى كربلاء ، ولقائهم بجابر بن عبد اللّه الأنصاري في أربعين شهداء عاشوراء :
الاُولى : هل مرّ أهل بيت الإمام عليه السلام في عودتهم من الشام ، على كربلاء أم لا؟ وعلى تقدير مرورهم، فهل حدث ذلك في الأربعين أم لا؟ وإذا ما حدث ذلك في الأربعين، فهل هي الأربعين الاُولى ـ أي عام 61 للهجرة ـ أم الأربعين الثانية؟
الثانية : هل كان بمقدور جابر بن عبد اللّه أن يوصل نفسه إلى كربلاء في الأربعين الاُولى؟
الثالثة : هل حدث لقاءٌ بين جابر وأهل بيت سيّد الشهداء في كربلاء ، أم لم يحدث؟
أولاً: عودة أهل البيت إلى كربلاء
فيما يتعلّق بعودة أهل بيت سيّد الشهداء إلى كربلاء ـ وعلى فرض عودتهم ـ وهل أنّه في الأربعين الاُولى أم في الأربعين الثانية، أم في غير الأربعين؟ توجد آراء مختلفة نشير إليها :
أ ـ عدم عودة أهل البيت إلى كربلاء
يرى البعض مثل الشهيد آية اللّه المطهّري أنّ أهل بيت الإمام عليه السلام لم يعودوا إلى كربلاء، حيث قال :
عندما يحلّ يوم الأربعين، يقرأ الجميع هذه التعزية، ويتصوّر الناس أنّ الأسرى قدموا من الشام إلى كربلاء ، والتقوا فيها بجابر ، والتقى الإمام زين العابدين أيضاً بجابر، في حين أنّ المصدر الوحيد له هو كتاب اللهوف ، والذي كذّب مؤلّفه ـ السيّد ابن طاووس ـ ذلك في كتبه الاُخرى ، أو على الأقلّ لم يؤيّده ، ولا يوجد أيّ دليل عقلي يؤيّده . وهل يمكن منع مثل هذه القضايا التي تذكر كلّ سنة؟! لقد كان جابر أوّل زائر للإمام الحسين عليه السلام ، والأربعينيّة لا تتضمّن شيئاً سوى زيارة قبر الإمام الحسين عليه السلام . فالموضوع ليس هو تجديد عزاء أهل البيت، وليس هو مجيء أهل البيت إلى كربلاء، بل إنّ طريق الشام لا يمرّ بكربلاء أساساً، فطريق الشام إلى المدينة يفترق عن طريق كربلاء من الشام . ۱
ويبدو أنّ هذا الرأي يقوم على ما قاله المحدّث النوري في كتاب اللؤلؤ والمرجان في هذا المجال، حيث يقول ضمن بيان أدلّته لإثبات عدم عودة أهل البيت إلى كربلاء:
لا يخفى على كلّ ناظر في كتب المقاتل ، أنّه بعد الندم الظاهري للرجس الخبيث يزيد ، والاعتذار ، وتخيير آل اللّه بين البقاء في الشام والعودة إلى الوطن الأصلي المدينة المنورة ، واختيارهم الرجوع ؛ أنّهم خرجوا من الشام متّجهين إلى المدينة، ولا نجد ذكراً للعراق وكربلاء ، ولم يكن من المقرّر أن يتّجهوا نحو تلك الجهة ، فطريق الشام إلى العراق يفترق من نفس الشام عن طريق الشام إلى الحجاز ، ولا يجمعهما قدر مشترك كما سمعناه من المتردّدين ، ويتّضح من اختلاف الطول الجغرافي لهذه البلدان الثلاثة ، فمن يعزم الذهاب من الشام إلى العراق فإنّ عليه أن يتّجه من هناك ويسير في طريق العراق، وإذا ما خرج أهل البيت من هناك بهذا القصد كما يبدو من ظاهر عبارة اللهوف ، فلا يتيسّر لهم ذلك من دون علم يزيد الخبيث وإذنه ، ولم يرد في تلك المجالس ذكر لهذا القصد ، ويبدو أنّهم لم يكونوا يقصدون من السير إلى العراق سوى زيارة التربة المقدّسة ، ولا نظنّ أنّ يزيد ـ مع خبث سريرته ورجاسة فطرته ـ يرضى بذلك لو أظهروا له هذا العزم ويأذن لهم في ذلك ويضاعف نفقات السفر مع دناءة طبعه وقلّة حيائه، بحيث يقدّم لهم مئتي دينار ويقول لهم : إنّ هذا بدل عمّا فاتكم. وعلى أيّ حال فإنّ هذا الاستبعاد يسلب الوثوق من كلام ذلك الراوي المجهول الذي نقل عنه في اللهوف بالمرّة ، والذي هو من أهل السير والتواريخ ، وإذا ما ضممنا إليه تلك الشواهد في المقدّمة ، فإنّ اُصول هذا الاحتمال تنهدم من الأساس . وعلى هذا فإنّ ما يذكره قرّاء المآتم بنحو قطعي بشأن حدوث هذه الواقعة لمجرّد الكلام المذكور، ينمّ عن نهاية الجهل والتجرّؤ، وليتهم قنعوا بالأسطر القليلة الواردة في اللهوف ، أو مقتل أبي مخنف، ولم يزرعوها في قلوبهم كما تزرع الشجرة في أرض سبخة قاحلة، ولَما تشعّبت منها كلّ تلك الأغصان والأوراق، ولما قطفوا منها ثمار الأكاذيب المختلفة ، ولما نقلوا على لسان حجّة اللّه البالغة الإمام السجّاد عليه السلام كلّ ذلك الكذب بشأن اللقاء المزعوم مع جابر... . ۲
وكتب المحدّث القمّي أيضاً تبعاً لاُستاذه المحدّث النوري قائلاً :
اعلموا إنّ ثقاة المحدّثين والمؤرّخين متّفقون، بل إنّ السيّد الجليل عليّ بن طاووس نفسه روى أيضاً أنّ عمر بن سعد اللعين بعث بعد شهادة الإمام الحسين عليه السلام رؤوس الشهداء أوّلاً إلى الملعون ابن زياد ، ثمّ حمل بعد ذلك اليوم أهل البيت إلى الكوفة ، فحبسهم ابن زياد الخبيث بعد معرفته بأهل البيت عليهم السلام والشماتة بهم ، وبعث كتاباً إلى يزيد بن معاوية بشأن ما عليه أن يفعله بأهل البيت والرؤوس ، فأجابه يزيد بأنّ عليه أن يبعثهم إلى الشام.
ولا جرم أنّ ابن زياد الملعون أعدّ سفرهم وأرسلهم إلى الشام ، والذي يظهر من القضايا العديدة والحكايات المتفرّقة المنقولة بشأن تسييرهم إلى الشام والمرويّة في الكتب المعتبرة أنّه تمّ تسييرهم من الطريق السلطاني والقرى والمدن العامرة ، حيث يبلغ هذا الطريق حوالي أربعين منزلاً ، وإذا غضضنا النظر عن ذكر منازلهم وقلنا إنّ سيرهم كان من الصحراء في غرب الفرات ، فإنّه يستغرق عشرين يوماً أيضا ، فقد ذكر أنّ المسافة بين الكوفة والشام إذا كانت بخطٍّ مستقيم هي مئة وخمسة وسبعين فرسخاً ، وأقاموا في الشام ما يقرب من شهر ، كما ذكر السيّد في الإقبال فقال : روي أنّ أهل البيت أقاموا في الشام شهراً في موضعٍ لا يقيهم من الحرّ والبرد. فإذا لوحظ ما تقدّم ذكره فإنّ من المستبعد جدّاً أن يعود أهل البيت من الشام إلى كربلاء بعد كلّ هذه القضايا ويدخلوا كربلاء في العشرين من شهر صفر ، يوم الأربعين ويوم وصول جابر إلى كربلاء . وقد استبعد السيّد الأجل نفسه في الإقبال ذلك ، فضلاً عن أنّه لم يشر إلى ذلك أحد من المحدّثين الأجلّاء أو أحد المعتمدين من أهل السير والتواريخ في المقاتل وغيرها ، رغم أنّ ذكره كان مناسباً من بعض الجهات، بل من سياق كلامه يتّضح إنكاره لذلك ، كما يستفاد ذلك أيضا من عبارة الشيخ المفيد بشأن سفر أهل البيت نحو المدينة ، ويقرب منها عبارة ابن الأثير والطبري والقرماني وآخرين ، وليس في شيء منها سفرهم إلى العراق، بل إنّ الشيخ المفيد ۳ والشيخ الطوسي ۴ والكفعمي ۵ ذكروا أنّه في اليوم العشرين من صفر كان رجوع حرم أبي عبداللّه عليه السلام من الشام إلى المدينة، وهو اليوم الّذي ورد فيه جابر بن عبداللّه الأنصاري من المدينة إلى كربلاء لزيارة قبر أبي عبداللّه عليه السلام ، فكان اوّل من زاره من الناس . ۶
وبسط شيخنا العلّامة النوري طاب ثراه في كتاب اللؤلؤ والمرجان القول في الردّ على هذا النقل ، واعتذر عن نقل السيّد ابن طاووس له في كتابه ، والمقام لا يتّسع لبسط الكلام فيه .
واحتمل البعض أنّ أهل البيت عليهم السلام قدموا إلى كربلاء عند ذهابهم من الكوفة إلى الشام، إلّا أنّ هذا الاحتمال بعيد لجهاتٍ عديدة . كما احتمل أنّهم جاؤوا إلى كربلاء بعد الرجوع من الشام ، ولكن في غير يوم الأربعين؛ ذلك لأنّ السيّد والشيخ ابن نما رويا وصولهم إلى كربلاء ولم يقيّدوه بيوم الأربعين ، ۷ وهذا الاحتمال ضعيف أيضاً ؛ ذلك لأنّ الآخرين ـ مثل صاحب روضة الشهداء ، ۸ وحبيب السير ۹ وغيرهما ۱۰ ممّن نقلوه ـ قيّدوه بيوم الأربعين ، كما يظهر من عبارة السيّد أنّهم دخلوا كربلاء مع جابر في يوم واحد ووقت واحد، حيث قال: «فوافوا في وقت واحد» ومن المسلّم أنّ وصول جابر إلى كربلاء كان في يوم الأربعين. بالإضافة إلى كلّ ما ذُكر، فإنّ تفصيل دخول جابر كربلاء جاء في كتاب مصباح الزائر للسيّد ابن طاووس وبشارة المصطفى ، ۱۱ وكلاهما من الكتب المعتبرة ، ولم يرد ذكر دخول أهل البيت في ذلك الوقت أصلاً رغم اقتضاء المقام ذكره . ۱۲
1.حماسه حسيني (بالفارسية) : ج ۱ ص ۳۰ وراجع: بررسي تاريخ عاشوراء (بالفارسية) : ص۱۳۹.
2.اللؤلؤ والمرجان (بالفارسية) : ص ۱۶۱ ـ ۱۶۲.
3.راجع : ص ۲۸۹ ح ۲۴۵۱ .
4.مصباح المتهجّد : ص۷۸۷ ، العدد القويّة : ص۲۱۹ ح۱۱ .
5.راجع : ص ۲۸۹ ح ۲۴۵۲ .
6.راجع : ص۲۸۹ ح۲۴۵۱ .
7.راجع: ص ۲۸۵ ح ۲۴۴۵ و ۲۴۴۶ .
8.روضة الشهداء : ص ۳۹۱ .
9.تاريخ حبيب السير : ج ۲ ص ۶۰ .
10.توضيح المقاصد: ص ۶ وراجع: بحار الأنوار: ج ۱۰۱ ص ۳۳۴.
11.راجع: ص ۲۸۶ ح ۲۴۴۹ وص ۲۸۷ ۲۴۵۰ .
12.منتهى الآمال (بالفارسية) : ص ۵۲۴.