301
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج5

موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج5
300

8 / 10

قُدومُ آلِ الرَّسولِ صلى الله عليه و آله إلَى المَدينَةِ

۲۴۵۳.الملهوف عن بشير بن حذلم۱:فَلَمّا قَرُبنا مِنها [أي مِنَ المَدينَةِ] نَزَلَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام فَحَطَّ رَحلَهُ ، وضَرَبَ فُسطاطَهُ وأنزَلَ نِساءَهُ ، وقالَ : يا بَشيرُ ! رَحِمَ اللّه ُ أباكَ لَقَد كانَ شاعِرا ، فَهَل تَقدِرُ عَلى شَيءٍ مِنهُ ؟
قُلتُ : بَلى ـ يَابنَ رَسولِ اللّه ِ ـ إنّي لَشاعِرٌ .
قالَ : فَادخُلِ المَدينَةَ وَانعَ أبا عَبدِ اللّه ِ عليه السلام ، قالَ بَشيرٌ : فَرَكِبتُ فَرَسي ورَكَضتُ حَتّى دَخَلتُ المَدينَةَ ، فَلَمّا بَلَغتُ مَسجِدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله رَفَعتُ صَوتي بِالبُكاءِ ، وأنشَأتُ أقولُ :
يا أهلَ يَثرِبَ لا مُقامَ لَكُم بِهاقُتِلَ الحُسَينُ فَأَدمعي مِدرارُ
الجِسمُ مِنهُ بِكَربَلاءَ مُضَرَّجٌوَالرَّأسُ مِنهُ عَلَى القَناةِ يُدارُ
قالَ : ثُمَّ قُلتُ : هذا عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ مَعَ عَمّاتِهِ وأخَواتِهِ قَد حَلّوا بِساحَتِكُم ونَزَلوا بِفِنائِكُم ، وأنَا رَسولُهُ إلَيكُم اُعَرِّفُكُم مَكانَهُ .
قالَ : فَما بَقِيَت فِي المَدينَةِ مُخَدَّرَةٌ ولا مُحَجَّبَةٌ إلّا بَرَزنَ مِن خُدورِهِنَّ ، مَكشوفَةً شُعورُهُنَّ مُخَمَّشَةً وُجوهُهُنَّ ، ضارِباتٍ خُدودَهُنَّ ، يَدعونَ بِالوَيلِ وَالثُّبورِ ، فَلَم أرَ باكِياً ولا باكِيَةً أكثَرَ مِن ذلِكَ اليَومِ ، ولا يَوما أمَرَّ عَلَى المُسلِمينَ مِنهُ بَعدَ وَفاةِ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله .
وسَمِعتُ جارِيَةً تَنوحُ عَلَى الحُسَينِ عليه السلام وتَقولُ :

نَعى سَيِّدي ناعٍ نَعاهُ فَأَوجَعافَأَمرَضَني ناعٍ نَعاهُ فَأَفجَعا
أعَينَيَّ جودا بِالمَدامِعِ وأسكِباوجودا بِدَمعٍ بَعدَ دَمعِكُما مَعا
عَلى مَن دَهى عَرشَ الجَليلِ فَزَعزَعاوأصبَحَ أنفُ الدّينِ وَالمَجدُ أجدَعا۲
عَلَى ابنِ نَبِيِّ اللّه ِ وَابنِ وَصِيَّهِوإن كانَ عَنّا شاحِطَ۳الدّارِ أشسَعا۴
ثُمَّ قالَت : أيُّهَا النّاعي ! جَدَّدتَ حُزنَنا بِأَبي عَبدِ اللّه ِ عليه السلام ، وخَدَشتَ مِنّا قُروحا لَمّا تَندَمِل ، فَمَن أنتَ يَرحَمُكَ اللّه ُ ؟
قُلتُ : أنَا بَشيرُ بنُ حَذلَمٍ ، وَجَّهَني مَولايَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام وهُوَ نازِلٌ مَوضِعَ كَذا وكَذا مَعَ عِيالِ أبي عَبدِ اللّه ِ الحُسَينِ عليه السلام ونِسائِهِ .
قالَ : فَتَرَكوني مَكاني وبادَروا ، فَضَرَبتُ فَرَسي حَتّى رَجَعتُ إلَيهِم ، فَوَجَدتُ النّاسَ قَد أخَذُوا الطُّرُقَ وَالمَواضِعَ ، فَنَزَلتُ عَن فَرَسي وتَخَطَّيتُ رِقابَ النّاسِ حَتّى قَرُبتُ مِن بابِ الفُسطاطِ ، وكانَ عَلِيُّ بنُ الحُسَينِ عليه السلام داخِلاً ، فَخَرَجَ ومَعَهُ خِرقَةٌ يَمسَحُ بِها دُموعَهُ ، وخَلفَهُ خادِمٌ مَعَهُ كُرسِيٌّ فَوَضَعَهُ لَهُ وجَلَسَ عَلَيهِ ، وهُوَ لا يَتَمالَكُ مِنَ العَبرَةِ ، فَارتَفَعَت أصواتُ النّاسِ بِالبُكاءِ ، وحَنينُ الجَوارى وَالنِّساءِ ، وَالنّاسُ مِن كُلِّ ناحِيَةٍ يُعَزّونَهُ ، فَضَجَّت تِلكَ البُقعَةُ ضَجَّةً شَديدَةً ، فَأَومَأَ بِيَدِهِ أنِ اسكُتوا ، فَسَكَنَت فَورَتُهُم .
فَقالَ عليه السلام : الحَمدُ للّه ِِ رَبِّ العالَمينَ ، الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، مالِكِ يَومِ الدّينِ ، بارِئِ الخَلائِقِ أجمَعينَ ، الَّذي بَعُدَ فَارتَفَعَ فِي السَّماواتِ العُلى ، وقَرُبَ فَشَهِدَ النَّجوى ، نَحمَدُهُ عَلى عَظائِمِ الاُمورِ ، وفَجائِعِ الدُّهورِ ، وألَمِ الفَواجِعِ ، ومَضاضَةِ ۵ اللَّواذِعِ ۶ ، وجَليلِ الرُّزءِ ، وعَظيمِ المَصائِبِ الفاظِعَةِ ، الكاظَّةِ الفادِحَةِ الجائِحَةِ . ۷
أيُّهَا القَومُ ! إنَّ اللّه َ تَعالى ولَهُ الحَمدُ ابتَلانا بِمَصائِبَ جَليلَةٍ ، وثُلمَةٍ فِي الإِسلامِ عَظيمَةٍ ، قُتِلَ أبو عَبدِ اللّه ِ عليه السلام وعِترَتُهُ ، وسُبِيَ نِساؤُهُ وصِبيَتُهُ ، وداروا بِرَأسِهِ فِي البُلدانِ مِن فَوقِ عامِلِ السِّنانِ ، وهذِهِ الرَّزِيَّةُ الَّتي لا مِثلَها رَزِيَّةٌ .
أيُّهَا النّاسُ ! فَأَيُّ رِجالاتٍ مِنكُم يُسَرّونَ بَعدَ قَتلِهِ ، أم أيَّةُ عَينٍ مِنكُم تَحبِسُ دَمعَها وتَضَنُّ عَنِ انهِمالِها ؟ فَلَقَد بَكَتِ السَّبعُ الشِّدادُ لِقَتلِهِ ، وبَكَتِ البِحارُ بِأَمواجِها ، وَالسَّماواتُ بِأَركانِها ، وَالأَرضُ بِأَرجائِها ، وَالأَشجارُ بِأَغصانِها ، وَالحيتانُ في لُجَجِ البِحارِ ، وَالمَلائِكَةُ المُقَرَّبونَ ، وأهلُ السَّماواتِ أجمَعونَ .
أيُّهَا النّاسُ ! أيُّ قَلبٍ لا يَنصَدِعُ لِقَتلِهِ ، أم أيُّ فُؤادٍ لا يَحِنُّ إلَيهِ ، أم أيُّ سَمعٍ يَسمَعُ هذِهِ الثُّلمَةَ الَّتي ثَلِمَت فِي الإِسلامِ ولا يُصِمُّ ؟ !
أيُّهَا النّاسُ ! أصبَحنا مَطرودينَ مُشَرَّدينَ ، مَذودينَ شاسِعينَ عَنِ الأَمصارِ كَأَنَّنا أولادُ تُركٍ أو كابُلَ ۸ ، مِن غَيرِ جُرمٍ اجتَرَمناهُ ، ولا مَكروهٍ ارتَكَبناهُ ، ولا ثُلمَةٍ فِي الإِسلامِ ثَلَمناها ، ما سَمِعنا بِهذا في آبائِنَا الأَوَّلينَ «إِنْ هَـذَا إِلَّا اخْتِلَـقٌ » . ۹
وَاللّه ِ لَو أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه و آله تَقَدَّمَ إلَيهِم في قِتالِنا كَمّا تَقَدَّمَ إلَيهِم فِي الوِصايَةِ بِنا ، لَما زادوا عَلى ما فَعَلوا بِنا ، فَإِنّا للّه ِِ وإنّا إلَيهِ راجِعونَ ، مِن مُصيبَةٍ ما أعظَمَها ، وأوجَعَها وأفجَعَها ، وأكَظَّها ۱۰ ، وأفظَعَها ، وأمَرَّها ، وأفدَحَها ، فَعِندَ اللّه ِ نَحتَسِبُ فيما أصابَنا وأبلَغَ بِنا ، إنَّهُ عَزيزٌ ذُو انتِقامٍ .
قالَ الرّاوي : فَقامَ صوحانُ بنُ صَعصَعَةَ بنِ صوحانَ ـ وكانَ زَمِنا ـ فَاعتَذَرَ إلَيهِ [أي عَلِيِّ بنِ الحُسَينِ ]صَلَواتُ اللّه ِ عَلَيهِ بِما عِندَهُ مِن زَمانَةِ رِجلَيهِ ، فَأَجابَهُ بِقَبولِ مَعذِرَتِهِ ، وحُسنِ الظَّنِّ بِهِ ، وشَكَرَ لَهُ وتَرَحَّمَ عَلى أبيهِ . ۱۱

1.وقع في اسمه اختلاف ، فذكر مرّة «بشر» واُخرى «بشير» ، وكذا في اسم أبيه حيث ذكر «حذلم» و«جذلم» و«خديم» .

2.الجَدعُ : قطع الأنف (الصحاح : ج ۳ ص ۱۱۹۳ «جدع») .

3.الشَّحطُ : البُعد (الصحاح : ج ۳ ص ۱۱۳۵ «شحط») .

4.الشَّاسِعُ والشَسوعُ : البعيد (الصحاح : ج ۳ ص ۱۲۳۷ «شسع») .

5.المَضَضُ : وجع المصيبة (الصحاح : ج ۳ ص ۱۱۰۶ «مضض») .

6.اللَّذعُ : حرقة كحرقة النار (لسان العرب : ج ۸ ص ۳۱۷ «لذع») .

7.الجائحة : كلّ مصيبة عظيمة وفتنة مبيرة (النهاية : ج ۱ ص ۳۱۲ «جوح») .

8.لم يكن التُّركُ والأفاغنة عندئذٍ من المسلمين .

9.ص : ۷ .

10.كَظَّهُ : بَهَظَهُ وكَرَبهُ وَجَهَدَهُ (القاموس المحيط : ج ۲ ص ۳۹۸ «كظظ») .

11.الملهوف : ص ۲۲۶ ، مثير الأحزان : ص ۱۱۲ نحوه ، بحار الأنوار : ج ۴۵ ص ۱۴۷ .

  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج5
    سایر پدیدآورندگان :
    المساعدون : الطباطبائي نژاد،سيد محمود؛ السيّد طبائي،سيد روح الله
عدد المشاهدين : 168409
الصفحه من 414
طباعه  ارسل الي