341
موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج5

موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج5
340

4 . ثورة أهل الكوفة بقيادة المختار ۱

أشرنا فيما سبق إلى أنّ الكوفة خلال نهضة التوّابين كانت تحت سيطرة عبد اللّه بن الزبير، ولذلك فإنّ المجرمين الذين تسبّبوا بأمر ابن زياد في حادثة كربلاء الدمويّة لم يواجهوا مشكلة ؛ بسبب عداء عبد اللّه بن الزبير الشديد لأهل البيت عليهم السلام . كما يحتمل أنّهم لم يشعروا بخطر أكيد من جانب نهضة التوّابين بقيادة سليمان بن صرد، ذلك أنّ الهدف الأوّل لهذه النهضة هو إسقاط حكومة الشام ، وكانوا يعلمون أنّهم سوف لا يحقّقون هذا الهدف .
ولكنّهم كانوا يشعرون بخطر كبير بسبب تواجد المختار في الكوفة، ولذلك فقد وفد قادة جيش ابن زياد ؛ مثل : عمر بن سعد وشَبَت بن ربعي ـ الذين كانوا يحيطون علماً بحسن قيادة المختار ويعرفون هدفه من الثورة ـ على عبد اللّه بن يزيد عامل ابن الزبير على الكوفة وقالوا :
إنّ المختار أشدّ عليكم من سليمان بن صرد ، إنّ سليمان إنّما خرج يقاتل عدوّكم ويذلّلهم لكم وقد خرج عن بلادكم ، وإنّ المختار إنّما يريد أن يثب عليكم في مصركم ، فسيروا إليه فأوثقوه في الحديد وخلّدوه في السجن حتّى يستقيم أمر الناس . ۲
واعتُقل المختار على إثر هذه المؤامرة ، ۳
ولكنّه واصل نشاطه في السجن أيضاً، وعندما بلغه انكسار جيش سليمان بن صرد ورجوع المتبقّين منهم إلى الكوفة، بعث رسالة سرّية إلى قادتهم دعاهم فيها إلى التعاون معه . ۴
ولم تمضِ فترة طويلة حتّى اُطلق سراح المختار على إثر وساطة عبد اللّه بن عمر الذي كان زوج اُخته . ۵ فنظّم أنصارَه وأعدّهم للحرب. وفي الليلة الثانية عشرة من ربيع الأوّل سنة 66 للهجرة بدأت ثورة المختار بحركة عدد من المسلّحين بقيادة إبراهيم بن مالك الأشتر ۶ نحو دار المختار، وكانت الكوفة خاضعة للأحكام العرفيّة، فقطع الجيش الطريق على إبراهيم ومرافقيه ، فقتلوا قائد الجند وهزموا القوات الخاضعة لإمرته ، ۷ وأصدر المختار في الليلة نفسها الأمر بالثورة العامّة بشكل رسمي، واشتبكت قوّاته مع قوّات العدوّ تحت شعار «يالثارات الحسين»، واستمرّت الاشتباكات حتّى سقط آخر مواضع العدوّ في ربيع الثاني عام 66 ، وخضعت الكوفة لسيطرة المختار وأنصاره بشكل كامل . ۸
وبعد أن سيطر المختار على الأوضاع ، انبرى للبحث عن مجرمي واقعة كربلاء ، فألقى القبض على الكثير منهم وقتلهم ۹ ، ۱۰ ولكنّ القائد المباشر لمعركة كربلاء ـ أعني ابن زياد ـ لم يزل حيّاً ، وكُلّف من جانب عبدالملك بن مروان بأن يقمع ثورة المختار بجيشٍ قوامُه ثمانون ألفاً .
وسار جيش المختار بقيادة إبراهيم بن مالك الأشتر في ذي الحجّة سنة 66 للهجرة ، نحو جيش ابن زياد الذي كان قد تسلّل إلى الحدود الشماليّة الغربيّة من العراق، ونشبت حرب ضروس بين الجيشين، وهُزم جيش الشام في عاشوراء من سنة 67 للهجرة وقُتل ابن زياد . ۱۱ وأرسل المختار رأس ابن زياد إلى الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام ، فأتى رسول المختار برأس ابن زياد إليه وكان عليه السلام يتناول الطعام ، وفي بعض الروايات أنّ الإمام سجد شكراً للّه عندما رأى رأس ابن زياد وقال :
الحَمدُ للّه ِ الَّذي أدرَكَ لي ثَأري مِن عَدُوّي ، وَجزَى اللّه ُ المُختارَ خَيراً . أُدخِلتُ عَلى عُبَيدِ اللّه ِ بنِ زِيادٍ وهُوَ يَتَغدّى ورَأسُ أبي بَينَ يَدَيهِ ، فَقُلتُ : اللّهُمَّ لا تُمِتني حَتّى تُرِيَني رَأسَ ابنِ زِيادٍ . ۱۲
وروي عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال :
مَا اكتَحَلَت هاشِمِيَّةٌ وَلا اختَضَبَت ، ولا رُئِيَ في دارِ هاشِمِيٍّ دُخانٌ خَمسَ حِجَجٍ حتّى قُتِلَ عُبيدُ اللّه ِ بنُ زيادٍ لعنه اللّه . ۱۳
ولجأ الفارّون من الكوفة إلى والي البصرة مصعب بن الزبير ، ۱۴ وحرّضوه على محاربة المختار . فاستعدّ مصعب للحرب ، ۱۵ والتقى الجيشان، ولكنّ المختار تكبّد في هذه المرّة خسائر فادحة ، وحاصره العدوّ في دار الإمارة، وقُتل خلال الحرب، واستسلم الباقون من أنصاره . ۱۶
واستناداً إلى رواية الطبري، فقد قُتل المختار في الرابع عشر من شهررمضان سنة 67 للهجرة ، وهو في السابعة والستّين من عمره . ۱۷
وبعد هزيمة المختار واستسلام أصحابه، أصرّ جمع من وجهاء الكوفة ـ منهم عبد الرحمن بن محمّد بن الأشعث ـ على مصعب بن الزبير أن يأمر بقتلهم جميعاً، وكان عددهم يبلغ ستّة آلاف . ۱۸

1.راجع : ج ۳ ص ۲۲۱ (القسم السابع / الفصل الخامس / اعتقال المختار) .

2.تاريخ الطبري: ج ۵ ص ۵۸۰.

3.أنساب الأشراف: ج ۶ ص ۳۷۳، تاريخ الطبري: ج ۵ ص ۵۸۱، الكامل في التاريخ: ج ۲ ص ۶۳۴، الفتوح: ج ۶ ص ۲۱۷؛ ذوب النضار: ص ۸۰.

4.تاريخ الطبري: ج ۵ ص ۶۰۶ و ج ۶ ص ۷، الكامل في التاريخ: ج ۲ ص ۶۴۳ و ۶۶۱، المنتظم: ج ۶ ص ۵۱.

5.تاريخ الطبري: ج ۶ ص ۸، أنساب الأشراف: ج ۶ ص ۳۸۱، الكامل في التاريخ: ج ۲ ص ۶۶۱، المنتظم: ج ۶ ص ۵۱، الفتوح: ج ۶ ص ۲۱۹.

6.إبراهيم بن مالك الأشتر بن الحارث النخعي ، كان أبوه من كبار التابعين ومن أشهر أصحاب أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ، كان فارسا شجاعا شاعرا فصيحا مواليا لأهل البيت عليهم السلام ، استعان به المختار حين ظهر بالكوفة طالبا بثأر الحسين عليه السلام ، وبه قامت إمارة المختار وثبتت أركانها . قتل إبراهيم عبيدَ اللّه بن زياد بيده سنة سبع وستّين ، ثمّ أوسع حكمه في الموصل وما حواها ، ويظهر من أعماله وتصرّفاته أنّه صار كالمتهاون بأمر المختار . اتّصل إبراهيم بعد مقتل المختار بمصعب بن الزبير [كأنّه يريد بذلك محاربة جيش الشام] ، وحارب معه عبد الملك ، فوفى له حين خذله أهلُ العراق ، وقاتل معه حتّى قُتل سنة ۷۱ ه ، ودفن بقرب سامراء (تاريخ الطبري : ج ۶ ص ۱۵ ـ ۴۹ و ۸۱ ـ ۹۵ و ۱۵۶ ـ ۱۵۸) .

7.تاريخ الطبري: ج ۶ ص ۱۹.

8.تاريخ الطبري: ج ۶ ص ۲۰-۳۲ وراجع : الأمالي للطوسي: ص ۲۴۰ ح ۴۲۴.

9.استناداً إلى رواية في بحار الأنوار (ج۴۵ ص۳۸۶)، فقد تولّى المختار الحكم لمدّة ثمانية عشر شهراً ، وقتل خلال هذه المدة ثمانية عشر ألفاً من الذين شاركوا في قتل الإمام الحسين عليه السلام ، ولكنّ هذا العدد يبدو مبالغاً فيه إلى حدٍّ كبير .

10.راجع: تاريخ الطبري: ج ۶ ص ۳۸ - ۶۶ و الكامل في التاريخ: ج ۲ ص ۶۸۱-۶۸۵ وتاريخ اليعقوبي: ج ۲ ص ۲۵۹ والأمالي للطوسي: ص ۲۳۸ - ۲۴۴ وذوب النضّار: ص ۱۱۸ - ۱۲۵ وبحار الأنوار: ج ۴۵ ص ۳۷۴- ۳۸۶.

11.تاريخ الطبري: ج ۶ ص ۸۱- ۹۲؛ الأمالي للطوسي: ص ۲۴۱، ذوب النضّار: ص ۱۴۲.

12.بحار الأنوار: ج ۴۵ ص ۳۸۶ وراجع: هذه الموسوعة : ج ۶ ص ۱۸ ح ۲۵۶۷ وص ۱۹ ح ۲۵۷۲ .

13.راجع : ح ۶ ص ۲۰ ح ۲۵۷۴ .

14.كان حاكماً على البصرة من قبل أخيه عبداللّه بن الزبير.

15.تاريخ الطبري: ج ۶ ص ۹۴، أنساب الأشراف: ج ۶ ص ۴۲۷، الأخبار الطوال: ص ۳۰۴، الفتوح: ج ۶ ص ۲۵۵.

16.تاريخ الطبري: ج ۶ ص ۱۰۵ - ۱۰۸.

17.تاريخ الطبري: ج ۶ ص ۱۱۶، الكامل في التاريخ: ج ۳ ص ۱۸.

18.تاريخ الطبري: ج ۶ ص ۱۱۶.

  • نام منبع :
    موسوعة الامام الحسين عليه السّلام في الکتاب و السّنّة و التّاريخ ج5
    سایر پدیدآورندگان :
    المساعدون : الطباطبائي نژاد،سيد محمود؛ السيّد طبائي،سيد روح الله
عدد المشاهدين : 206728
الصفحه من 414
طباعه  ارسل الي