۲۵۲۸.الصواعق المحرقة :لَمّا وَلِيَ [مُعاوِيَةُ بنُ يَزيدَ بنِ مُعاوِيَةَ] صَعِدَ المِنبَرَ ، فَقالَ : إنَّ هذِهِ الخِلافَةَ حَبلُ اللّه ِ ، وإنَّ جَدّي مُعاوِيَةَ نازَعَ الأَمرَ أهلَهُ ، ومَن هُوَ أحَقُّ بِهِ مِنهُ عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ، ورَكِبَ بِكُم ما تَعلَمونَ ، حَتّى أتَتهُ مَنِيَّتُهُ ، فَصارَ في قَبرِهِ ، رَهيناً بِذُنوبِهِ ، ثُمَّ قَلَّدَ أبِي الأَمرَ ، وكانَ غَيرَ أهلٍ لَهُ ، ونازَعَ ابنَ بِنتِ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، فَقُصِفَ ۱ عُمُرُهُ ، وَانبَتَرَ عَقِبُهُ ، وصارَ في قَبرِهِ ، رَهيناً بِذُنوبِهِ .
ثُمَّ بَكى وقالَ : إنَّ مِن أعظَمِ الاُمورِ عَلَينا عِلمَنا بِسوءِ مَصرَعِهِ ، وبِئسَ مُنقَلَبُهُ ، وقَد قَتَلَ عِترَةَ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله ، وأباحَ الخَمرَ ، وخَرَّبَ الكَعبَةَ ، ولَم أذُق حَلاوَةَ الخِلافَةِ ، فَلا أتَقَلَّدُ مَرارَتَها ، فَشَأنُكُم أمرُكُم ، وَاللّه ِ ، لَئِن كانَتِ الدُّنيا خَيرا فَقَد نِلنا مِنها حَظّا ، ولَئِن كانَت شَرّا فَكَفى ذُرِّيَّةَ أبي سُفيانَ ما أصابوا مِنها . ۲
۲۵۲۹.تنبيه الخواطر :لَمّا نَزَعَ مُعاوِيَةُ بنُ يَزيدَ بنِ مُعاوِيَةَ نَفسَهُ مِنَ الخِلافَةِ ، قامَ خَطيبا فَقالَ : أيُّهَا النّاسُ ! ما أنَا بِالراغِبِ فِي التَّأَمُّرِ عَلَيكُم ، ولا بِالآمِنِ لِكَراهَتِكُم ، بَل بُلينا بِكُم ، وبُليتُم بِنا ، ألا إنَّ جَدّي مُعاوِيَةَ نازَعَ الأَمَر مَن كانَ أولى بِالأَمرِ مِنهُ في قَديمِهِ ۳ وسابِقَتِهِ ، عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ عَلَيهِ السَّلامُ وَالتَّحِيَّةُ وَالإِكرامُ ، فَرَكِبَ جَدّي مِنهُ ما تَعلَمونَ ، ورَكِبتُم مَعَهُ ما لا تَجهَلونَ ، حَتّى صارَ رَهينَ عَمَلِهِ ، وضَجيعَ حُفرَتِهِ ، تَجاوَزَ اللّه ُ عَنهُ .
ثُمَّ صارَ الأَمرُ إلى أبي ، ولَقَد كانَ خَليقا أن لا يَركَبَ سَيِّئَةً ، إذ كانَ غَيرَ خَليقٍ بِالخِلافَةِ ، فَرَكِبَ رَدعَهُ ۴ ، وَاستَحسَنَ خَطَأَهُ ، فَقَلَّت مُدَّتُهُ ، وَانقَطَعَت آثارُهُ ، وخَمَدَت نارُهُ ، ولَقَد أنسانَا الحُزنُ بِهِ الحُزنَ عَلَيهِ ، فَإِنّا للّه وإنّا إلَيهِ راجِعونَ ، ثُمَّ أخفَتَ يَتَرَحَّمُ عَلى أبيهِ .
ثُمَّ قالَ : وصِرتُ أنَا الثّالِثَ مِنَ القَومِ ، الزّاهِدُ فيما لَدَيَّ أكثَرُ مِنَ الرّاغِبِ ، وما كُنتُ لِأَتَحَمَّلَ آثامَكُم ، شَأنَكُم وأمرَكُم خُذوهُ ، ومَن شِئتُم وِلايَتَهُ فَوَلّوهُ .
قالَ : فَقامَ إلَيهِ مَروانُ بنُ الحَكَمِ ، فَقالَ : يا أبا لَيلى ، سُنَّةُ عُمَرَ سَيِّئَةٌ ؟ فَقالَ لَهُ : يا مَروانُ ، أتَخدَعُني عَن دينِي ، ائتِني بِرِجالٍ كَرِجالِ عُمَرَ أجعَلها بَينَهُم شورى .
ثُمَّ قالَ : وَاللّه ِ ، إن كانَتِ الخِلافَةُ مَغنَما لَقَد أصَبنا مِنها حَظَّا ، ولَئِن كانَت شَرّا فَحَسبُ آلِ أبي سُفيانَ ما أصابوا مِنها ، ثُمَّ نَزَلَ .
فَقالَت لَهُ اُمُّهُ : لَيتَكَ كُنتَ حَيضَةً ، فَقالَ : وأنَا وَدِدتُ ذلِكَ ولَم أعلَم أنَّ للّه ِِ نارا يُعَذِّبُ بِها مَن عَصاهُ ، وأخَذَ غَيرَ حَقِّهِ . ۵
1.القَصْفُ : الكَسْرُ (الصحاح : ج ۴ ص ۱۴۱۶ «قصف») .
2.الصواعق المحرقة : ص ۲۲۴ .
3.هكذا في المصدر ، وفي بحار الأنوار : «في قِدَمِه» .
4.رَكِبَ رَدْعَهُ : أي لم يَرْدَعْهُ شيء فيمنعه عن وجهه (لسان العرب : ج ۸ ص ۱۲۲ «ردع») .
5.تنبيه الخواطر : ج ۲ ص ۲۹۹ ، بحار الأنوار : ج ۴۶ ص ۱۱۸ ؛ جواهر المطالب : ج ۲ ص ۲۶۱ نحوه .